حرب القاضية والنائب تهز القضاء والسياسة اللبنانيين* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
أحال مجلس القضاء الأعلى النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون على التفتيش القضائي، مساء الأربعاء 11 ديسمبر (كانون الأول). وذلك بعد قرارها توقيف مديرة هيئة السير هدى سلوم، بناءً على الإخبار المقدم من المحامي وديع عقل في جرائم الرشى والتزوير وهدر المال العام والإثراء غير المشروع والإخلال بواجبات وظيفية.
توقيف سلوم، التي أخلي سبيلها اليوم الجمعة، أثار بلبلة في الأوساط السياسية، إذ اعتبرت وزيرة الداخلية ريا الحسن قرار عون تجاوزاً لصلاحياتها. وأشارت الحسن إلى أنها تتابع القضية مع النائب العام التمييزي غسان عويدات، بعدما كانت أعطت الإذن للقاضية عون بالاستماع إلى سلوم كشاهد، فعمدت عون إلى توقيفها. ووصفت المصادر الطريقة التي اتبعتها عون بغير القانونية بحيث إن توقيف سلوم “يتطلب إذناً من وزيرة الداخلية ومراجعة النائب العام التمييزي وهو ما لم يحصل”.
على إثر ذلك، انتشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر عضو كتلة “المستقبل” النائب هادي حبيش بوصفه محامي هدى سلوم، بالتهجم على عون في مكتبها وبرفقته مجموعة من الشبان. وفيما تلفظ بتعابير بذيئة بحقها ووصفها بأنها “رمز الفساد” و”القاضية الميليشياوية” التي “تمارس التشبيح في السياسة”.
من ثم، ادعى عليها بالمعاملة بالشدة والقدح والذم وتحقير المحامين والنواب. وكشف حبيش في حديث إعلامي، أن “التيار الوطني الحر يخوض معركة للحصول على مركز رئيس هيئة السير، بالتالي لم تنجح كل محاولات إبعاد سلوم عن المركز بـ”الحُسنى”، فقرّر تشويه صورتها”. وتابع “قاضية عونية أَرسلت بطلب مديرة عامة بشكوى مقدمة من الوطني الحر، فكيف يمكن أن تكون نتيجة أي تحقيق أو قرار إذا ما كانت القاضية منتسبة إلى التيار والشكوى مقدّمة من الحزب نفسه؟”.
وتقدمت القاضية عون بدعوى ضد حبيش متخذة صفة الادعاء الشخصي عليه، وأرفقت الدعوى بفيديوات متعلقة بالإشكال الذي حصل في مكتبها وطلبت ملاحقته وتوقيفه وأحالته على المدعي العام التمييزي.
لكنها ليست المرة الأولى التي تتصدر أخبار القاضية عون الإعلام، إذ كان النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، قد أحالها في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على التفتيش القضائي، وحذر حينها من أن هناك إمكانية لإحالتها على التفتيش القضائي، إذا تجاوزت صلاحياتها مرة أخرى، سنداً إلى المادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك في عقوبة مسلكية لها.
من هي القاضية عون؟
يشير مصدر قضائي لـ”اندبندنت عربية” إلى “أن القاضية عون عينت في عهد وزير العدل السابق سليم جريصاتي، بناءً لتوصية، ولا حاجة للتذكير بكنيتها عون، ما يجعلها من المحظيين بالنسبة إلى الرئيس ميشال عون. لم نعهد بتاريخ ممارستنا عملنا القضائي أن يكون هناك قضاة تابعين لأي جهة سياسية. وهذا ما حصل في عهد عون تحت مسمى “الفريق القضائي” لرئيس الجمهورية”.
يتابع المصدر القضائي، “اختار جريصاتي في التشكيلات القضائية التي حصلت منذ نحو سنتين، أكتوبر (تشرين الأول) 2017، قضاة مقربين منه وعينوا في مراكز حساسة. ومنذ تعيين القاضية عون وهي تثير الزوابع في قرارات كثيرة اتخذتها. سبق وتقدم العديد من الناشطين والمحامين بدعاوى عن عمليات سرقة المال العام، لكنها لم تنظر بها، استنسابية تعاطيها مع ملفاتها هو ما يثير الريبة، ليس آخرها قرار توقيف سلوم، بل سبق أن ادعت على رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، بتهمة “الإثراء غير المشروع، من خلال الحصول على قروض سكنية مدعومة”، حتى قبل تحضير ملف قضائي وأدلة تستند إليها. قبل أن تتراجع عن الدعوى.
عدا عن تصرفها بعنجهية وتكبر مع زملائها. ما أثار موجة اعتراضات واستنكارات، نذكر بإحداها، حيث طلبت من شعبة المعلومات التحقيق مع رئيس قلم دائرة التحقيق في جبل لبنان، الخاضع لسلطة قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، بتهمة فساد، من دون أن تُطلع منصور على المعلومات والأدلة التي استندت إليها. إضافة إلى توقيفها ثلاثة أطفال من بلدة حمانا (جبل لبنان) لمجرد أنهم حاولوا نزع لافتة للتيار الوطني الحر، ولم تسمح لأسرهم أو محاميهم بمقابلتهم.
وللدلالة على تحيز هذه القاضية لفئة ضد أخرى في البلد نذكر بالتسجيل الصوتي الذي انتشر على وسائل التواصل تقول فيه، إنها غير خائفة، وتتابع وتقول، “ميشال عون بيعرف كيف يشتغل… لقد ذكر الناس بميليشيات القوات (اللبنانية) وكيف تعمل والجيل الذي كان لا يعرفها بات يعرفها. وعاد وذكر أهالي الجبل والساحل وكل المناطق أن (وليد) جنبلاط سكر طرقات وأخذ خوات. عاد وذكر الكل. وذكر بأن حزب الله خائف… والرئيس عون مركبلن خازوق كبير. وخلص فاتوا بالحيط”.
مصدر قضائي آخر لفت لـ”اندبندنت عربية” إلى أن القاضية عون “أحيلت على التفتيش القضائي لإجرائها تصريح إعلامي”. وهو ما يخالف القوانين التي بموجبها على القاضي الحصول على تصريح قبل الإدلاء بأي حديث صحافي أو إطلالة إعلامية. “أما بالنسبة إلى ما حصل في مكتبها، في الشكل، وافتراضاً أن قرار القاضي ليس قانونياً وفي غير مكانه، لا يحق لأي محام أن يتصرف كما تصرف النائب حبيش بصفته محامي المدعى عليها سلوم. أما في المضمون فإن قرار التوقيف بتهم الإثراء غير المشروع يأتي بناءً على تحقيق كامل، وهناك آليات وإجراءات تتخذ قبل الشروع باتهام كهذا، مما يعني أنه لا يجوز أن تلقى المدعى عليه هديةً بسيطةً، أن يتهم بالإثراء غير المشروع، حيث الإثبات في هذا الاتهام معكوس ويقع على المدعى عليه وليس على الادعاء”.
ماذا تعني هذه الإجراءات؟
يقول المصدر القضائي “قبل قرار التوقيف بهذه التهمة، على الادعاء أن يحقق بثروة المدعى عليه، وهل تتناسب مع مداخيله المشروعة التي من الممكن أن تكون متنوعة، وكم يملك من عقارات وسيارات، الاطلاع على الحسابات المصرفية، أموال مهربة… إلخ. وهذا الملف المستكمل يجب أن يعرض أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت، حيث أن مهمة النظر في تهم الإثراء غير المشروع لها مركزية القرار، وقاضي التحقيق الأول في بيروت هو من يتحقق من هذه التهم، ومن ثم يتم التحقيق مع المدعى عليه، فإذا ثبتت الادعاءات بالبينة، يتم إيقافه”.
هل قانون “من أين لك هذا” ساري المفعول في لبنان؟ يجيب المصدر بأن “هذا القانون قائم في لبنان منذ عام 1999، وتبعاً له يحق للمواطن العادي أن يتقدم بادعائه. لكن ما زالت السلطات المعنية تطلب من المواطن كفالة مالية وقدرها 25 مليون ليرة لبنانية، ما يعادل (15 ألف دولار) وإذا لم تثبت صحة ادعاءاته يخسر الكفالة، وهذا ما يجعل تنفيذ القانون ناقصاً، إذ إنه قد لا يستطيع أي كان التنازل عن مبلغ كهذا في مقابل دعوى قد تربح وقد تخسر. لكن الوضع مختلف بالنسبة للنيابات العامة”.
تبعاً لهذا، على من يقع الحق بالقضية المثارة؟ يرد المصدر “من غير المفروض، أن يثير القاضي الزوابع حول تصرفاته، كما أن على القاضي التحلي بالصبر وسعة الصدر، كي يستطيع النظر بقضايا المواطنين، وعليه المحاولة بأن تكون قراراته غير صدامية، لكن ما حصل مع القاضية عون والنائب حبيش مختلف، كان عليها أن تطلب توقيفه فوراً، إذ لا يمكن لأيٍ كان التعرض لهيبة القضاء، وحبيش قام بالتعرض لها شخصياً بكلامٍ نابٍ لا يليق بصورته كمحامٍ ونائب، ولا بصفة وشخص القاضية عون”.
شكوى الدولة
وكان النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات قد أحال شكوى الدولة اللبنانية ممثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل ضدّ النائب حبيش، وادعاء النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية عون وإخبار المحامي وديع عقل، على المحامي العام التمييزي القاضية ميرنا كلاس، وكلّفها بمباشرة التحقيقات، على أن يتمّ إرسال كتاب اليوم إلى مجلس النواب الذي هو في دورة الانعقاد لإعلامه بأحكام المادة 40 من الدستور، بأنّ الجرم هو جرم مشهود.
وقام عويدات الجمعة صباحاً باستدعاء النائب حبيش إلى جلسة على خلفية ما حصل في قصر عدل بعبدا، لكن النائب حبيش لم يحضر إلى الجلسة بل حضر وكيله الذي قدم مذكرة دفوع بموضوع الجرم المشهود على اعتبار أنه ليس جرماً مشهوداً.
الجدير ذكره أن نقيب محامي الشمال محمد مراد أعلن في مؤتمر صحافي أنه “بعد الاطلاع على مجمل تفاصيل الحادثة، يرى في ما حدث خروجاً عن أصول التعاطي بين جسمي القضاء والمحاماة”.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”