الشاعرة التونسية ريم قمري: العالـــم يصنعه الحالمون
النشرة الدولية –
ريم قمري شاعرة تكتب الحياة، بيتها الشعري علبة من التحولات، والقصيدة لديها مواقف واختيارات، تكتب كي تتجاوز عوالمها الضيقة، وكي تحلّق ملءَ السماء، شاعرة في جعبتها أكثر من حلم، تؤمن أن الأجمل يصنعه الحالمون، وتعتقد أننا لا نملك وعيا كاملا بوجودنا إلا من خلال الجسد، أما لسعة الكتابة فمنحتها ثلاث دواوين هي: «النساء انتظار»، و»ما لم يقله الحلم»، و»على جسدي وشمت تمائمي»
واقترابا من تجربة قمري كان هذا الحوار:
- من أين أتيتِ إلى القصيدة، ومَن ورّطك في سقوف مجازاتها؟
القصيدة مثل الحياة. هي قدر.. تأتي من داخلنا حيث نشأت ووترعرعت.. وحين نعتقد أننا نلِدُها، تكون هي في الحقيقة من تلِدُنا.. القصيدة هي بنت الحياة، وهي الطريق، وأيضا الولادة التي نختارها ونذهب إلى تعبها اللذيذ بشغف وحب، وإن قادتنا للهلاك نذهب وقلوبنا في أيادينا. صحيح أن الكتابة بشكل عام ورطة ولا تخلو من تعب وشقاء، لكنها تشبه إلى حد كبير الرمالَ المتحركة؛ متى ما غُصْنا فيها يصعب علينا الخروج. بالنسبة لي؛ القصيدة بيتي، وهي نافذة أفتحها على الحياة حتى أراها كما هي داخلي.
- ما الذي نراه في ورشتك الشعرية ونحن نطل عليها وعليك من النافذة؟
داخل عالمي الشعري أكون أنا المرأة والأنثى بانكساراتها وضعفها، وأيضا بقوتها وانبعاثها من رمادها مثل العنقاء.. المرأة في تحولاتها النفسية والجسدية والعقلية.. علاقتها بالعالم من خلال ثنائية الجسد والروح.. نافذتي.. تفتح البابَ لترى المرأةُ بعدَها الإنساني كعنصر فعال ومساهم في صياغة الكون.. أؤمن أن الشعر وإن كان في الأساس تسجيلَ لحظة، هو أيضا حمّالُ مواقف فلسفية ووجودية.. هو موقف من الوجود وليس فقط مجرد نقل وتصوير له. أؤمن بشعرٍ يحمل رسالة كونية ويندرج ضمن سياق كوني وعالمي.
- في جعبتكِ ثلاث باقات شعرية، فما الذي منحتكِ إياه القصيدة؛ وما الذي قطفْتِه أنت من حديقة الشعر؟
القصيدة منحتني حياة، وأعطتني معنى لوجودي.. من خلال الشعر أعدت اكتشاف ذاتي.. عندما وقفتُ عارية تجاه الكون، جعلتني أفهم أكثر على أي أرض أقف.. وجدت من خلالها متنفسَ روحي ونفسي.. أعتقد أن العلاقة بيننا هي علاقة حب.. تفتح لي أبوابها دون أن أطلب.. وكلما احتجْتُها جاءتني طواعية.. تعلمت أن لا أجبرها على الحضور، كفرس حرة تعرف متى وكيف وأين تهطل.. الشعر أعطاني القدرة على إعادة صياغة الوجود كما أفهمه وأراه.. أحس من خلال القصيدة أني أفتح نوافذ عديدة في الوقت نفسه، على اللغة وجمالياتها، وعلى الفلسفة والفن والتاريخ.. أعتقد أن الشعر قادر على أن يجمع تاريخ البشرية.. وقادر على أن يكون لغة عالمية تتجاوز حدودَ اللغةِ نفسها.
- غالبا ما يكتب الشعراء لأن عالمهم ضيّق، وأصواتهم لا تتجاوز مكانها.. وأنت، لماذا تكتبين؟
أكتب تحديدا لأجل هذا، لأتجاوز ضيق عالمي، لأحلّق نحو آفاق أرحب وأشمل، أكتب لأني أؤمن أن الشعر لغة عالمية قادرة على تجاوز المكان والزمان والحدود الجغرافية الضيقة.. الشعر أوسع وأشمل من صدور وأجساد الشعراء الضعيفة والهزيلة.. ومتى وُلد يتجاوزهم ويحلّق نحو عالمه هو.. لذلك بقي الشعر وسيبقى عابرا لكل الأزمنة والأمكنة.. أكتب أيضا لأنه قدر، ولأني كائن من كلمات لا أقْدر على التواصل مع العالم إلا عبر الكتابة.
- هلا أفشيتِ لنا شيئا من الذي لا ينقال في حلمك؟
ما زلت أتتبّع خطوات الحلم، فأنا ممن يعتقدون أن العالم يصنعه الحالمون، لذلك فإن حلمي هو مسيرة حياة، وما زلت لم أبلغ بعد ضفة الحلم. وبما أن الأسئلة دائما أهم من الإجابات، فما لم يبح به حلمي ما زال بعدُ قيدَ البحث، ولو وصلتُ يوما فذلك سيكون حتما إيذانا بنهاية الحلم.
- ما حكاية هذا التماهي بين الوقت والمرأة في مجموعتك «النساء انتظار»؟
الوقت شقيقُ المرأة، يرافق أحلامها وأوجاعها وأحزانها.. والانتظار هو الذي يصنع وجود المرأة ويصوغ أيامها، وأنا أقصد هنا الانتظار ببعده الوجودي والفلسفي.. أبحث في عمق الانتظار ذلك المشوب بالصمت والترقب.. المرأة كائن يجيد نسج الوقت وإعادة ترتيبه، وهي تنتظر دوما شيئا ما.. حبيبا.. زوجا.. ابنا.. حياة.. معنى للوجود.. وهذا الانتظار ليس انتظارا عقيما أو سلبيا هنا.. إنه انتظار خلّاق يمكن أن نعيد فيه اكتشاف وجودنا ونعيد ترتيب علاقتنا بالكون والجسد.. إنه ما يغير نظرتنا لكل المفاهيم، وربما يؤدي إلى نقضها والبناء من جديد.. إنه انتظار الأنثى التي تولَد من رحم الوقت ولادةً ثانية.. ولادة تختارها هي..
- يقول واسيني الأعرج إن ما يميز شعرك هو السرد، مما يبشر بمشروع روائية ما تزال تبحث عن نوع تعبيري.. ما تعليقك؟
أؤمن بأن الشعر لا يخلو من سردية.. عندما أكتب أتحرك داخل فضاء حكاية أرويها ربما بشعرية، لكنها تضج بالصور ويشدَ بناءها السرد، أحاول أن أصنع من السرد إيقاعا للنص ليكون شعرا سرديا بشكل ما.. أحب السرد، لأنه يمنحني سقفَ حرية عاليا، يجعلني لا أرتبط بالشعر كتسجيل لحظة فقط، بل هو حمّال أفكار، وهذا يتيح لي مجالا أوسع لأعبّر أكثر.. قد أكون فعلا مشروع روائية ما تزال تحاول الخروج للنور لكنها لم توفَّق بعد.. ما أزال أنتظر ميلاد الرواية.. أحسها أحيانا قريبة، وأحيانا أخرى بعيدة..
- القصيدة انخراطٌ عنيف في الإنصات لعوالم الداخل المشبعة بالجرح والحلم، فما جراحُك وكميّات نزيفك؟
الكتابة عملية مؤلمة جدا.. نحن فيالعادة نكتب الألم ولا نكتب الفرح.. الفرح يعاش كلحظة ممتعة، أما الألم فهو ذلك الذي نعيشه ثم يتخزّن داخل الذاكرة ويشكّل عالمنا الداخلي.. وكلما كتبنا نستعمل هذا المخزون الذي تَشكّل وصار جزءا من وعينا بذاتنا وبالعالم.. ذلك التداخل يشكّل في النهاية الذاتَ الإبداعية في كل تجلياتها.. أظن أننا نكتب تحديدا بسبب هذه الهشاشة الداخلية التي تجعل منا ذواتٍ حزينة في أغلب الأحيان.. الحلم هو ذلك النور الذي نتبعه في نهاية النفق المظلم.. هو ما فاض عن الحزن والألم والجراح.. وهو ما يجعلنا على قيد الكتابة التي تعني بالضرورة أننا على قيد الحياة.
- ما الذي تنتظره نساؤك، وهل مِن علاقة بينهن وبين «غودو» بيكت؟
لا علاقة لنساءِ انتظاري بـ «غودو» بيكت، أنا لا أطرح الانتظارَ بمفهومه العبثي.. على العكس تماما.. الانتظار هنا بمعناه ومفهومه الإيجابي.. إنه انتظار خلّاق، لا تنتظر فيه النساء الرجلَ المخلِّص.. هو ذلك الانتظار الذي يمثل مرحلة مهمة في حياة كل امرأة، لتحاور ذاتها وجسدها.. لتنصت إلى داخلها وتعيد تشكيل الكون انطلاقا من ذاتها، ولتصنع موقعا لها في الكون انطلاقا منها هي، لا أن يكون وجودها مرهونا بانتظار مخلّص يرسم لها طريق الخلاص.
عن جريدة “الرأي” الأردنية عبدالله المتقي