انطلقت منها قبل 9 سنوات… سيدي بوزيد التونسية تحيي ذكرى ”ثورة لم تحقّق شيئاً“
النشرة الدولية –
تحيي محافظة سيدي بوزيد في تونس، اليوم الثلاثاء، الذكرى التاسعة لاندلاع الثورة، بمزيج من الاحتفال والاحتجاج وسط إجماع لدى المواطنين والنشطاء بالمجتمع المدني، على أن الثورة التي انطلقت شرارتها من هذه المحافظة ”لم تحقق شيئاً“، بحسب ما نشره موقع “إرم نيوز”.
ويحرص سكان محافظة سيدي بوزيد على أن يكون يوم 17 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة ذكرى لإحياء اندلاع الثورة، وقد دأب أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل على زيارة المحافظة في مثل هذا اليوم وإلقاء خطاب لتقييم حصيلة سنوات الثورة ومطالبة الحكومة بالدفع نحو تحقيق مطالب الجهة.
وتشهد المحافظة عروضا تنشيطية منها عرض ”ملحمة“، وعرض موسيقي للفنان ياسر جراد والفنانة لبنى نعمان بساحة محمد البوعزيزي، الشاب الذي أقدم على حرق نفسه في 2010 ما أدى إلى اندلاع احتجاجات عارمة أفضت بعد ثلاثة أسابيع إلى الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وقد اكتست ساحة محمد البوعزيزي بسيدي بوزيد، حلة جديدة بعد أن تم تعليق اللافتات على طول الساحة والشارع الرئيسي، و تضمنت شعارات منددة بالإرهاب ومطالبة بحق المحافظة في التنمية والتشغيل، كما دعت إلى الحفاظ على الحريات والتمسك بالديمقراطية والعدالة وطرحت العديد من نقاط الاستفهام حول مصير المشاريع الكبرى المبرمجة لفائدة المحافظة، على غرار المستشفى الجامعي والغاز الطبيعي ومعمل الإسمنت ومقر المجلس الأعلى للجماعات المحلية وكلية الطب.
ويأتي إحياء الذكرى التاسعة للثورة وسط غضب من محامي سيدي بوزيد ومطالبتهم في بيان صادر عنهم بإقرار يوم 17 ديسمبر عيدا وطنيا، داعين جميع القوى الحية للتصدي لكل أشكال الالتفاف على ثورة ”الكادحين والمستضعفين ولإفشال كل مخططات لوبيات التهريب والإرهاب والاقتصاد الموازي واستنزاف ثروات البلاد وتنفيذ أجندات ما وراء البحار“، بحسب نص البيان.
ويؤكد عبد العزيز الرزقي، المدير الجهوي للتنمية في المحافظة، لـ“إرم نيوز“، أن ”سيدي بوزيد ما زالت تشكو عدّة صعوبات وإشكاليات حالت دون تطور نسق التنمية بها رغم حجم الاستثمارات الحكومية المرصود من قبل الدولة لهذه المحافظة البالغ أكثر من 2400 مليون دينار (حوالي 800 مليون دولار) .
بينما أوضح الناشط السياسي صادق البراهمي، أن ”سيدي بوزيد لا تزال تشكو الإهمال وغياب التنمية، حيث تحتل المرتبة 21 على المستوى الوطني من حيث مؤشر التنمية الجهوية، وأن 10 من معتمدياتها يتراوح ترتيبها ما بين 217 و 258 من مجموع معتمديات الجمهورية التونسية من حيث مؤشرات التنمية البشرية“، متهما الحكومات المتعاقبة بترك المحافظة وتهميشها.
وقال البراهمي لـ“إرم نيوز“، إن ”كل الوعود التي تم إطلاقها على مدى السنوات الثماني الماضية لم يتحقق منها أي شيء و بقيت حبرا على ورق“، لافتا إلى ”انتشار البطالة و الفقر و انهيار كل المؤشرات“، محذرا من أن ”صبر أهالي المحافظة بدأ ينفد و من أن سحب ثورة جديدة بدأت تلوح من جديد في سماء المحافظة“.
ويرى مراقبون أن الوضع التنموي بالمنطقة يتسم بالهشاشة من حيث الدفع بالاستثمار والتشغيل بالجهة، حيث لا يزال يرتكز على الأنشطة الكلاسيكية في علاقة بالقطاع الفلاحي والمهن الصغرى التي تعتبر قدرتها التشغيلية ضعيفة، ما يجعل الجهة تحتل المرتبة 18 على الصعيد الوطني من حيث مؤشر مناخ الأعمال رغم ما تتميز به من موقع جغرافي ومناخ ملائم لإنتاج المواد الفلاحية بالإضافة إلى الثروات الطبيعية والمنجمية كالفوسفات والجبس وكربونات الكالسيوم والحجارة الرخامية والرمال وغيرها.
ويؤكد نشطاء بالمجتمع المدني في المحافظة لـ“إرم نيوز“، أنه رغم الإيجابيات المتمثلة في إحداث فرع للمحكمة الإدارية ومحكمة الاستئناف وتخصيص أرض خاصة لبناء محكمة استئناف، ورغم إحداث إدارة جهوية تابعة لوزارة العدل بالمحافظة، فإن الفرع القضائي بسيدي بوزيد لا يزال يعاني من عدة نقائص جعلت المحكمة في حالة تعطل تامة بسبب غياب العدد الكافي للإطار القضائي، ما يجعل عشرات الآلاف من الشكاوى والمحاضر غير مفصولة أو يتم إرجاؤها إلى آجال طويلة وغير معقولة إلى جانب قلة عدد الموظفين المختصين وعدم تعزيز المحاكم بالإطارات القضائية والإدارية المختصة.
وأكد المحامي خالد عواينية في تصريح صحفي، أنه ”لم يتم القضاء في سيدي بوزيد بشكل نهائي على استهلاك المخدرات التي ما انفكت تنتشر على قارعة الطريق وأمام المؤسسات التربوية وكذلك الأمر بالنسبة للوقوف العشوائي للتجار والبناءات الفوضوية وعدم تطبيق قرارات الهدم المحكوم في شأنها“.
من جهته، أكد الأزهر الغربي عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد، أن ”الثورة جاءت لتغير الأوضاع وتحسن من مستوى معيشة السكان وإيجاد حلول للإشكالات التي كانت سائدة وأهمها البطالة والتهميش والبؤس والفقر وانعدام المشاريع واهتراء البنية التحتية والصحة والتعليم وتراجع الفلاحة“.
ونوه إلى أنه “ كان من المفروض أن تتحسن الأوضاع لكن اليوم وعلى الرغم من تعاقب الحكومات منذ المجلس التأسيسي وحكومة الترويكا وعلى الرغم من صدور التشريعات وكثرة الوعود إبان كل مراحل الانتخابات الرئاسية والتشريعية وحتى البلدية التي لم ترض الأهالي وباتت دون تطلعاتهم، لم تتحسن ظروف معيشة الشباب وخاصة أصحاب الشهادات العليا وغيرهم من العاطلين عن العمل وظلت المحافظة بأكملها تعاني من التشتت السكاني ونسبة التحضر فيها بقيت ضعيفة رغم توسع البلديات من حيث المساحة“.
واعتبر الغربي في تصريح صحفي أن ”الدولة طوال السنوات التسع تخلت عن الدور المنوط بعهدتها، وكانت الحصيلة هزيلة وهذا من شأنه أن يعمق شعور الناس بالمأساة والبؤس وفقدان الأمل في التغيير ويشجع الشباب على الانتحار بشتى أنواعه“، مؤكدا أن ”ما يخلص من براثن الفقر وما يعيد الأمل في الحياة بسيدي بوزيد لا يمكن أن يكون إلا في شكل معجزة مع مخطط شبيه بمخطط مارشال“، وفق تعبيره.