ديمة كريّم: السلطة المالية والسياسية اللبنانية تأخذنا “رهائن”* عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
نحن أمام فرصة لتغيير بنيوي وجذري بطبيعة الإقتصاد اللبناني، وتحويل القطاع المصرفي من قطاع كسول ينمو من أرباحٍ دولة مديونة وعاجزة، إلى قطاع نشيط يستثمر في القطاعات المنتجة، “المشوار طويل ومليء بالصعوبات. لكن كلما أتت الحلول أكثر جذرية كلما كانت عملية استعادة الثقة أسهل، وقادرةً على الإقناع بأن الأزمات لن تستمر على التعاقب”.
بهذه الصورة تعكس الباحثة الاقتصادية ديمة كريّم نظرتها المتفائلة بالقضاء على النموذج الاقتصادي السياسي السيء الذي أوصل البلد إلى ما هو عليه اليوم، والقائم على تقاطع مصالح المنظومة المصرفية مع الطبقة السياسية على مرّ السنوات الماضية.
السياسات المعتمدة حالياً تراهن على الحلول نفسها التي اعتمدت عليها على مرّ عقود السلم، والتي لم تعد متاحة. فلم يعد كافياً التبشير بحلّ يكمن في تشكيل حكومة، والتعويل على تدفّق الأموال من المجتمع الدولي لإعادة إنعاش النموذج الاقتصادي وقطاعه المصرفي. ووفق حديث كريّم إلى “المدن”، فإن تضييع الوقت بالحلول الترقيعية والسياسات الاستنسابية يعمّق آثار الأزمة، ويزيد كلفة تغيير هذا النموذج إلى آخرٍ صالح للحياة. كما أن هذه “الحلول” تكبد الاقتصاد، وجميع الشرائح الاجتماعية غير المستفيدة من هذا النموذج خسائر لا تعوض.
في الحلول
وعما إذا كان من سبيل للخروج من الأزمة الراهنة، ترى كريّم أننا أمام فرصة لتغيير بنيوي وجذري بطبيعة الاقتصاد اللبناني. وهو مشوار طويل ومليء بالصعوبات، يبدأ بإعادة هيكلة الدين عبر نقاشٍ داخليّ مع المصارف. الحلّ الجذريّ الطويل الأمد يمرّ بآلية للتخلّص من المصارف المتعثرة، لا يتحمّل كلفتها المودعين، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتحويله إلى قطاع نشيط يستثمر في القطاعات المنتجة، ولا ينمو من خلال أرباحٍ كسولةٍ من دولة مديونة وعاجزة.
على المدى القصير، المعركة الآن ليست معركة حلولٍ فحسب، بل هي أساساً معركةٌ حول مَن يتحمّل أعباء هذه الأزمة وتبعاتها. هي ليست معركة “توزّع أعباء” كما يروج كوادر السلطة، بل هي معركة تحميل أعباء هذه الأزمة للمستفيدين من هذا النموذج، والمصارف أولهم. والإجراءات المتبعة منذ شهر تؤكد خيار السلطة المالية والسياسية غير المفاجئ بأخذنا كرهائن. فصحيحٌ أن الانهيار يضمن القضاء على هذه السلطة، ولكنّه يقضي علينا أيضاً.
الإجراءات المصرفية
من ضمن الأطر المتاحة للتعامل مع هذه الأزمة القديمة والمتجددة، اختارت المصارف والمصرف المركزي أسوأ طريقة على الإطلاق، هكذا تصف كريّم الإجراءات التي سلكتها المصارف للتعامل مع أزمة القطاع المصرفي الراهنة والأزمة النقدية عموماً، وتستذكر الممارسات التي قامت بها المصارف خلال الشهر الفائت حين أقفلت أبوابها لمدة 10 أيام من دون أي تفسير وتبرير، تحت ذريعة الوضع الأمني. ثم فتحت أبوابها على إجراءت وقيود استنسابية تختلف من مصرف إلى أخر، وتبعاً لأهمية المودع ونفوذه، كل ذلك -وفق كريّم- عزّز إنعدام الثقة بالقطاع المصرفي مع أنباء عن تهريب ودائع كبار المودعين والمساهمين إلى الخارج، ما أوضح عيوب هذا النموذج الذي يحمي القلة ذات النفوذ على حساب بقية شرائح المجتمع. هذه السياسات الاستنسابية ساهمت بتعميق الأزمة النقدية وانعدام الثقة.
بعد إغلاق المصارف مرة أخرى، حاول حاكم مصرف لبنان استعادة الثقة، خلال مؤتمره الصحافي. ولكن استمرار المصارف بالإغلاق والإضراب بعد هذا المؤتمر، أضاء على المشاكل “الزوجية” بين المصرف المركزي والمصارف. الاتفاق على فتحها تم لاحقاً من خلال عسكرتها، بحجة أمن الموظفين. عملياً، مع استمرار القيود على السحب وتزايدها، يتحمّل الموظفين والمودعين الصغار تبعات هذه الأزمة، كرهائن قطاع مصرفي يرفض حتى أن يهمس بعمق الأزمة التي يواجهها.
نكران “الواقع”
يصرّ القطاع، تماماً كحاكمه، على الوضع الاستثنائي، وعلى دورهما كرعاة للنموذج الاقتصادي. وتجسّد خطّهما الأحمر بقرار عدم المسّ بالاقتصاد اللبناني الليبرالي الحرّ، تقول كريّم. فالقيود الاستنسابية التي فُرضت من قبل المصارف هي استثنائية وتتناسب تماماً مع الأزمة السياسية الاستثنائية في البلد، بانتظار الحل السياسي في ظل هذا النموذج الاقتصادي، لن تستطيع المصارف سوى حجز الودائع ومنع التحويل.
في الواقع، هكذا سياسة انتظار وتراشق المسؤوليات، في ظل تجميد القطاع المصرفي، خوفاً من انهياره، هي التي تتسبب بالهلع وانعدام الثقة. وتؤدي إلى إنكماش اقتصادي، خصوصاً مع
منع التسهيلات والسيولة عن الشركات، ما أدى إلى الإغلاق والصرف التعسفي وخسارات لا تعوض على الموظفين المصروفين.
نقلاً عن موقع “المدن” الإخباري اللبناني