الدولة الفاسدة تشتري القنابل المسيلة للدموع.. من جيوبكم* عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
في بلدٍ يخرج فيه آلاف المواطنين للمطالبة بأدنى مقومات الحياة، ويتعاون المئات منهم على تأمين حصص غذائية، لعائلات فقدت قدرتها على العيش في ظل غياب الدولة.. تسرِف سلطاته الأمنية في الإنفاق على أسلحة ترجو منها لجم المطالبين بحقوق سلبتها سلطة سياسية، لم تفرّق يوماً بين مؤيد ومعارض، بين حليف وخصم، بل فرّقت أو بالأحرى وسعت المساحات بين فقير ومقتدر، تلك السلطات نفسها تجبي الضرائب من الفقراء لتتزود بها عتاداً وأسلحة ترفعها في وجههم متى دعت الحاجة.
ولمن شهد “حفلة” غاز القنابل المسيلة للدموع في الأيام القليلة الماضية ولم يلتفت إلى تكلفتها، فليعلم أن تكلفة القنبلة الواحدة منها توازي مدخول مواطن لبناني يتقاضى الحد الأدنى للأجور على مدى 3 أيام. فسعر قنبلة الغاز المسيّل للدموع يتراوح بين 38 دولاراً و50 دولار بمعدل وسطي يبلغ 44 دولاراً للقنبلة الواحدة، تضاف إليها تكلفة الشحن.
وبذلك تتجاوز تكلفة قنبلة الغاز المسيّل للدموع الواحدة 44 دولاراً أي ما يقارب مدخول 3 أيام لشخص يتقاضى الحد الأدنى للأجور وهو 675 ألف ليرة (450 دولار) طبعاً مع احتساب سعر الصرف الرسمي أي نحو 1500 ليرة للدولار، علماً أن الحد الأدنى للأجور فعلياً لا يتجاوز اليوم 340 دولاراً فقط وفق سعر الصرف المعمول به في الاسواق (سعر الصرف الموازي).
شراء لا هبات
استخدمت عناصر مكافحة الشغب على مدى عدة أيام القنابل المسيلة للدموع، لكن في ليل 14/15 كانون الاول الحالي أطلقت ما لا يقل عن 1600 قنبلة خلال ساعات قليلة ضد متظاهرين سلميين، بحيث تجاوزت تكلفة ليلة القنابل تلك 70 ألف دولار من دون احتساب الرصاص المطاطي الذي استخدمه عناصر الأمن.
وعادة ما يتم تأمين واستيراد هذا النوع من الأسلحة “غير القاتلة” كما يُطلق عليها، من الشركات الأجنبية المصنّعة لها، وفق مصدر عسكري في حديث إلى “المدن”، حصراً عبر المديرية العامة للإدارة، التابعة للجيش اللبناني، أو عبر شعبة التخطيط والتنظيم التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. ويوضح المصدر أن أسعار القنابل المسيّلة للدموع تختلف بحسب النوع والبلد المصنّع، لكن نادراً ما يحصل لبنان على أسعار منافسة لهذا النوع من الاسلحة، نظراً لضيق سوقه وتواضع حجم استهلاكه منها.
النوع المُستخدم في لبنان
يُستخدم الغاز المسيّل للدموع منذ عشرات الأعوام. ويُعد من الوسائل الفعالة المستخدمة بالسيطرة على الاحتجاجات المدنية وفض التجمعات، وإنهاء أعمال الشغب. ووفق مواقع شركات مختصة بصناعة القنابل غير القاتلة، فإن الغازات المسيلة للدموع تتكون من جزيئيات صلبة متناهية الصغر، تتحول عند إطلاقها في الجو إلى مواد كيميائية يرمز لها بالحروف التالية (CN) و(CR) و(CS).
تتسبب الغازات المسيّلة للدموع في إصابة مستنشقيها بأعراض مختلفة، تتراوح بين السعال وتدميع الأعين والعطس وصعوبة التنفس وتؤدي أحيانا للإصابة بحروق أو بالعمى المؤقت، وتقود في حالات نادرة إلى تقيؤ متواصل يفضي إلى الموت.
تنتج شركات عالمية 15 نوعاً من الغازات المسيلة للدموع، تتفاوت تأثيراتها حسب نوعها وكميتها التي يستنشقها الشخص المستهدف، إلا أن ثلاثة أنواع فقط تنتشر بكثافة على مستوى العالم هي:
1- نوع شائع الاستخدام ويصنع من غاز CN تأثيره مؤقت ويتلاشي سريعاً. وهو النوع الأقل تأثيراً.
2- نوع يصنع من غاز CS ويعتبر أكثر فعالية. ويُعد ساماً إلى حد ما، ومضراً بالبيئة. هذا النوع متوسط التأثير وهو ما يتم استخدامه في لبنان (الصورة المرفقة).
3- نوع يُصنع من غاز CR وقد تم إيقاف استخدامه عام 1956، بسبب تأثيراته المسببة لتقيؤ متواصل والوفاة أحياناً وهو النوع الأكثر تأثيراً.
وعلى الرغم من التأكيدات من قبل الشركات العالمية والسلطات، أن الغازات المسيلة للدموع غير مضرة بالإنسان، إلا أن العديد من الأبحاث العلمية أكدت أن كثرة تعرض الإنسان إليها وتنشقها، سواء من حيث الكمية أو المدة الزمنية، تجعلها شديدة الخطورة. إذ أنها تتسبّب برفع نسبة السموم في الجسم بشكل مخيف في كثير من الأحيان. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الوفاة. لذلك، تعمد المنظمات الحقوقية الدولية إلى تقديم النصائح للمتظاهرين بالوقاية من التعرض للغازات المسيلة للدموع، عبر استخدام أقنعة واقية، إذا توفّرت، أو وضع منديل مبلل بالماء والخل على الأنف، أو غسل الوجه مسبقا بالماء وصابون زيت الزيتون، وعدم لمس الأعين عند الإصابة.
وكان قد تردّد بين ناشطين في لبنان، أن بعض القنابل المسيّلة للدموع التي استُخدمت في الساحات كانت منتهية الصلاحية، إلا أنه لم يتّضح صحة ما تم تداوله. ولا بد من الإشارة إلى أن استخدام الغازات المسيّلة للدموع منتهية الصلاحية يكون تأثيرها ساماً على الإنسان والبيئة وهو أمر محظور عالمياً.
نقلاً عن موقع “المدن” الإخباري اللبناني