الكاتبة والصحفية كاتيا الطويل: إقرأوا كثيرًا، وكلّ يوم، وكلّ شيء، وعيشوا في حياتكم الواحدة آلاف الحيوات
النشرة الدولية – حوار طلال السكّر –
تقول الكاتبة اللبنانية كاتيا الطويل، إقرأوا كثيرًا، وكلّ يوم، وكلّ شيء، وعيشوا في حياتكم الواحدة آلاف الحيوات.
كاتيا الطويل، بدأت الكتابة في الحادية عشرة من عمرها، شاركت في مسابقة، كان أقامها الكاتب جبران تويني، كانت لتكريم الشاعرة ناديا تويني، نالت فيها، كاتيا، جائزة رمزية، هي التي دفعتها ترسيخ طموحاتها.
هنا نصّ الحوار كاملاً
- متى بدأتِ الكتابة ولماذا هذا الخيار؟
بدأتُ الكتابة وأنا بعد في الحادية عشرة من عمري، فشاركتُ في مسابقة أقامها الصحافيّ اللبنانيّ الرائع والغنيّ عن التعريف جبران التويني. كانت المسابقة لتكريم الشاعرة ناديا التويني ونلتُ فيها جائزة رمزيّة حثّتني على ترسيخ طموحاتي في هذا المجال. ثمّ دأبتُ على القراءة والكتابة بشيء من التكتّم والخجل إلى أن نلتُ جائزة تقدّمها وزارة الثقافة اللبنانيّة عن فئة القصّة القصيرة وكنتُ في السادسة عشرة من عمري آنذاك. فتأكّدتُ من خياري وبدأتُ منذ ذلك الحين العمل على تحسين تقنيّات الكتابة وأساليبها في نصوصي. وقد اخترتُ دراسة اللغة العربيّة وآدابها منذ تلك الفترة لهذا السبب بالتحديد، وها أنا اليوم في مرحلة الدكتوراه في مجال النقد الأدبيّ ومقتنعة تمامًا بخياراتي.
أمّا لماذا هذا الخيار فهذا سؤال عظيم يستدعي الكلام الكثير. أكتب لأسباب كثيرة منها الذاتيّة ومنها الاجتماعيّة ومنها أيضًا الحياتيّة. ويمكنني أن أختصر ذلك كلّه بقولي إنّنيأقرأ وأكتب لأنّني لا أجد معنى لحياتي خارج الورق. القراءة والكتابة هما اللذان يمنحانني وجودًا ووجهًا وحافزًا لأستيقظ كلّ صباح، أمّا اليوم الذي أمضيه من دون أن أقرأ فأشعر فيه بذنب كبير وتعب شديد.
- كيف تعرّفين مسيرتكِ في المشهد الأدبيّ العربيّ حتّى الآن؟
لا أظنّ أنّه يمكنني أن أتحدّث عن مسيرة تمامًا. ليس بالمعنى العامّ للكلمة على أيّ حال، فأنا ما زلتُ في أواخر عشرينيّاتي وأجد أنّه من الادّعاء المبتذل أن أتحدّث عن مسيرة وعن وجود لي في المشهد الأدبيّ العربيّ. لقد نشرتُ روايتي الأولى “السماء تهرب كلّ يوم” العام 2016 وأنا اليوم أعدّ عمليّة نشر روايتي الثانية التي ما زلتُ أعمل عليها بتؤدة وتأنٍّ. لا أريد أن أستعجل الأمور ولا أن أقوم بخطوة ناقصة في اتّجاه خاطئ. أدرس النقد الروائيّ وأنشر مقالات في اختصاصي على صفحات جرائد عربيّة منها “الحياة” و”النهار” وفي “إندبندنت العربيّة” أيضًا وأشعر أنّني أفضّل العمل بثقة وتأنٍّ على التسرّع وإيقاع نفسي في هوّة الأعمال غير المكتملة.
- كيف ساهمت سنوات النشأة الأولى في تشكيل وعيك الثقافيّ وذائقتك الإبداعيّة؟
أظنّ أنّه ما من إنسان أعمى تمامًا عن الجمال وعن الإبداع، إنّما الأهمّ هو القراءة والاطّلاع على شؤون المسارح والمتاحف والفنون لتحفيز الحسّ الجماليّ الأدبيّ وتجذيره في الروح. أنا ما زلتُ أسعى إلى تحسين أعمالي ونصوصي ومقالاتي وذلك عبر القراءات الكثيرة التي أحرص على تخصيص معظم وقتي لها، وأعلم أنّ هذا الأمر لن يتغيّر وإن صار عمري ستّين سنة. الكتابة مهنة الشخص الذي يهوى الأشغال الشاقّة، فهي تحدٍّ وعزيمة ورغبة في التجديد والتغيير: تغيير الذات والآخر والعالم. ليست الكتابة مهنةً كأيّة مهنة أخرى، ولا يكفي أن يتلقّن الإنسان أصولها ليبدع فيها، الكتابة في حاجة إلى ثقافة وقراءة وصنعة وحنكة ومهارة وقدرة على الخلق والتجديد والثورة.
- من هم الأشخاص الذين دعموكِ وآزروكِ حتى وصلتِإلى ما أنتِ عليه الآن؟
أشخاص كثر أمسكوا بيدي وساعدوني لأكتشف بدايات طريقي. فهناك أناس بارزون من عالم الثقافة والأدب أثق برأيهم وحكمهم كالصحافيّ والشاعر عبده وازن، وكذلك الصحافيّ والشاعر عقل عويط. هناك كذلك أستاذان لا يمكن أن أنسى منهجيّتهما وطريقتهما المتماسكة والمتقنة في التحليل والتفكير والدراسة وهما الدكتوران المميّزان أهيف سنّو وهنري عويط. ومن الذين تعلّمتُ منهم أصول اللغة وشيئًا من خفاياها الكثيرة الأب الرائع والمتوهّج كميل حشيمه اليسوعيّ رحمه الله.
أساتذة وأصدقاء وقراءات كثيرة اتّكأتُ عليها في الماضي لأجد طريقي، وأعلم أنّني سأستمرّ بالاتّكاء عليها لأنّها حجر الزاوية في حياتي. كلّ كاتب لا ينظر حوله ليرى الناس المحيطين به ويتعلّم منهم ليس أهلاً للكتابة ولنشر كلماته بين الناس.
- هل ترين أنّ للصالونات الثقافيّة أهمّيّة في زمننا الحالي؟
طبعًا! أجد أنّ الملتقيات الأدبيّة والصالونات الثقافيّة ونوادي القراءة هي أمور رائعة لمجتمعاتنا ولجيلنا الشابّ الذي يحتاج إلى أمكنة حميمة ومؤاتية لتبادل الأفكار والآراء والقراءات وللتواصل بشكل منهجيّ منطقيّ واعٍ. إنّ هذه الصالونات هي في الوقت نفسه سلطة تمنح القرّاء القدرة على نقد النصوص وفهم خفاياها كما تمنحهم القدرة على محاسبة الكتّاب ومتابعة نشاطاتهم وإصداراتهم.
- ما هي الصفات التي تجدين أنّه من الضروريّ أن تتوافرفي الروائيّ أو الروائيّة؟
سأتحدّث عن أمر واحد يجب أن يكون موجودًا في الناس جميعهم وفي الكتّاب على وجه الخصوص وهو حبّ القراءة. بل قلْ، النهم إلى القراءة. القراءة تفتح الآفاق والأذهان والعقول، القراءة تجعل في القلوب رحمة وفي النوايا طيبة وفي العقول سماءً لا نهاية لها. أيّ إنسان لا يقرأ هو إنسان يخسر كثيرًا ويعيش حياته ناقصًا.
- هل فكرتِ في الكتابة بغير العربية للتواصل مع قارئ من ثقافة مغايرة؟
لا، ليس تمامًا. أؤثر الكتابة بالعربيّة فهي لغتي، لغتي التي أحبّ بحركاتها وخفاياها وتعرّجاتها. أنا الآن أكتب أطروحة الدكتوراه التي أعمل عليها بالفرنسيّة لأنّني أقدّمها في جامعة السوربون بباريس، إنّما نصوصي الروائيّة ومقالاتي هي بالعربيّة عمومًا، أمّا القارئ الأجنبيّ فقد يقرأ نصوصي ذات يوم إن تمّت ترجمتها.
- ما رأيكِبالجوائز الإبداعيّة العربيّة؟
سؤالك هذا ملفت وجميل لأنّه يصبّ في دائرة اهتماماتي تمامًا، فأنا في أطروحة الدكتوراه التي أعمل عليها منذ ثلاث سنوات أتناول الرواية العربيّة المعاصرة، وتحديدًا الجوائز العربيّة الأدبيّة المخصّصة لها وتأثير هذه الجوائز والجهات المانحة لها في الأدب إبداعًا وقراءةً. الجوائز أمر مفيد جدًّا على الصعيدين المادّيّ والأدبيّ، فهي تحفّز الإبداع والتجديد والمنافسة وتحدّي الذات والآخر وتعرّف القرّاء إلى كتّاب مغمورين أو شباب أو كتّاب لم يكونوا على معرفة بأدبهم سابقًا. من ناحية أخرى، تكافئ الجوائز الكاتب بمنحه مبلغًا سيساعده على القيام بشؤونه الحياتيّة كما أنّها تزيد نسب المبيعات وتحسّن أحوال النشر والتوزيع والترجمة بشكل واضح. قد يتمّ التشكيك في مصداقيّة الجوائز أو اللجان، قد يتمّ التساؤل في الصحافة الأدبيّة حول شفافيّة الجهة المانحة إنّما هذا أمر متوقّع وطبيعيّ ويمكن أن تتمّ معالجة كلّ حالة وكلّ جائزة على حدة.
- ما هي أمنيات كاتيا الطويل؟
نحن الآن على أبواب سنة جديدة، سنة 2020 وأمنياتي وطموحاتي كثيرة. على المدى القريب أريد أن أنشر روايتي الثانية وأن أنجز قسمًا كبيرًا من أطروحتي عساني أنهيها قريبًا، أمّا على المدى البعيد فأتمنّى أن أكتب ذات يوم الـ chef d’oeuvre الذي أحلم به والذي أتمنّى أن أترك عبره بصمتي في إرث الأدب العربيّ الخالد.
- كلمة أخيرة لقرّاء النشرة الدولية.
إقرأوا كثيرًا، وكلّ يوم، وكلّ شيء، وعيشوا في حياتكم الواحدة آلاف الحيوات. عيشوا واقرأوا حتّى إذا جاءكم ملاك الموت كنتم على أهبة الاستعداد له واستقبلتموه استقبال الذي لا ندم في قلبه ولا حسرة في روحه.