لبنان: باختفاء الدولار وتهاوي الليرة.. تزايد الإقبال على “البتكوين”* حلا نصرالله

النشرة الدولية –

من يدخل إلى مجموعات الـ”واتس آب” و”تلغرام” التابعة للمتداولين بالعملات التشفيرية، يلحظ إقبالاً كثيفاً من لبنانيين للإلتحاق بركب عالم المال الرقمي. يعكس حجم التوافد إيماناً لدى شريحة من اللبنانيين بأن خلاصهم من انتكاسة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، وتجنباً للخسارات الفادحة مع استمرار ارتفاع سعر صرف الليرة أمام العملات الصعبة، يكون بالهروب إلى العملات التشفيرية.

ملاذ آمن؟!

تشبه أزمة سيولة النقد في لبنان تلك التي تواجهها حالياً كل من فينزويلا وتشيلي وتركيا. فهذه الدول تمكنت شعوبها من الهروب إلى التداول بالعملات المشفرة، بعد أن خسرت العملة الورقية لديهم قيمتها أمام العملات الصعبة.

وتشير دراسة أعدها الخبير في العملة التشفيرية، عبد الزعبي، وشاركها مع “المدن”، إلى أن 45 في المئة من الاتراك أبدوا عام 2018 نيّتهم الحصول على العملة الرقمية. وفي عام 2019 تظهر الاحصاءات أن 20 في المئة من الأتراك امتلكوا العملة المشفرة. وحالياً، هم يتصدرون عالمياً مجال التداول المالي الرقمي. تأتي بعد تركيا دولة البرازيل بنسبة 18 في المئة، وكولومبيا بنسبة 18 في المئة، والأرجنتين بنسبة 17 في المئة، والمكسيك بنسبة 13 في المئة، وتشيلي بنسبة 12 في المئة. وحسب الزعبي فـ”إن الدول التي تتصدر قائمة التداول بالعملات الرقمية هي دول مأزومة مالياً واقتصادياً”. ولذا، ليس من المستبعد أن يدخل لبنان هذه القائمة في السنوات المقبلة، خصوصاً، أنه من المتوقع أن تخسر الليرة 25 في المئة من قيمتها على الأقل.

منذ بداية الانتفاضة يتم التداول بحوالى 70 “بتكوين” بلبنان أي ما يقارب 700 ألف دولار، وإذا ما كانت المعطيات المالية صحيحة، فإن المزيد من الانهيار المالي سيؤدي بجماعات لبنانية إلى البحث عن أماكن مالية أكثر أماناً، ولديها مستقبل أفضل من النقود الورقية.

لكن.. ما هي البتكوين؟

البتكوين، عملة تشفيرية، ملقبة بعملة المستقبل. شعارها العريض “كن مصرف نفسك”. يمكن لأي إنسان فتح محفظة نقود له عبر شركات البتكوين وتحصين محفظته من خلال تطبيقات حماية الأمان الرقمي. من خلال المحفظة يتمكن الفرد من شراء كمية من البتكوينات من خلال بطاقة الائتمان تابعة لحساب مصرفي، أكان بالدولار أو بأي عملة ورقية آخرى. كذلك يمكن شراء البتكوين من خلال عملة رقمية أخرى، كأن يقوم الفرد بشراء عملة “داش” الرقمية والدفع عبر عملة “بتكوين” أو “لايتكوين”.

تتيح “سلسلة الأوصدة” (البلوك تشيّن) استقبال وتبادل، وإرسال أي مبلغ من المال بين الأفراد الذين يمتلكون محفظة رقمية أينما كانو متواجدين في العالم. وتأخذ عملية نقل الأموال الرقمية من محفظة شخص إلى أخرى حوالى 8 دقائق، في عملية لا تحتاج إلى موافقة من الحكومة أو مصرف، ولا تخضع إلى الرقابة المصرفية المركزية.

عوائق لبنانية داخلية وخارجية

تسهيلات الحصول على بتكوين في معظم دول العالم، ليست متوفرة بأكملها في لبنان. إذ يواجه الراغبون في الحصول على الأموال التشفيرية عوائق داخلية وخارجية. فالعائق الداخلي يأتي من قبل المصارف اللبنانية، التي ترفض الاعتراف بالعملة الرقمية، ما يعيق عملية شرائها من خلال بطاقات الائتمان. كذلك تشكل العقوبات الأميركية على لبنان عاملاً سيئاً، ما دفع كل الشركات العالمية إلى حجب خاصية شراء وبيع العملات عن المقيمين على الأراضي اللبنانية، خوفاً من حصول عمليات مالية مشبوهة تورط الشركات بأزمات مع السلطات الأميركية، بينما سمحتْ لهم فقط باستقبال وإرسال العملة التشفيرية بين المَحَافِظ.

قد دفعت العقوبات المالية التي تفرضها وزارة الخزينة الأميركية على عدد من البنوك والشخصيات اللبنانية، بشركات التشفير إلى الحذر من اللبنانيين، خوفاً من تسلل مجموعات حزبية تنوي الاستفادة من البتكوين لتحرير حركة أموالها، وإبعادها عن الرقابة الكلاسيكية التي تفرضها المصارف. إذ يحد موقع “بلوك تشين” من حركة اللبنانيين في التداولات، واضعاً سياسات صارمة أمامهم، والتي يمكن اختصارها على الشكل التالي:

– لا يمكن للمقيم على الأراضي اللبنانية شراء البتكوين من المنصة بشكل مباشر، عبر بطاقات الائتمان، حتى لو كانت البطاقات صادرة عن بنوك أوروبية وأميركية.

– يمنع على اللبناني الدخول في المداولات لبيع وشراء العملة الرقمية بشكل مباشر، خلال ساعات المداولات.

طريقة لبنانية!

لكسر الحصار المفروض، اخترع اللبنانيون طريقة قانونية تلتف على الاجراءات الصارمة، بهدف الحصول على البتكوين. فرغم الحظر على البيع والشراء إلا أن الشركات تسمح للبنانيين بامتلاك محفظة العملة المشفرة. وعبر هذه المحفظة يتمكن الفرد من تلقي الأموال من فرد آخر يمتلك محفظة، فتحصل هنا عملية الالتفاف على الشكل التالي:

يقوم اللبناني بمراسلة شخص يعيش خارج لبنان ويمتلك محفظة بتكوين. وعبر حساب مصرفي يرسل المقيم تحويلات مالية أكان بالدولار أو بالليرة اللبنانية إلى الجهة الموجودة في الخارج. فيقوم الشخص الموجود خارج لبنان، بإرسال العملة التشفيرية إلى الشخص الموجود على الأراضي اللبنانية من محفطته إلى محفظة المقيم في لبنان.

وداخل المجموعات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي يوجد أشخاص خارج لبنان يوفرون العملة الرقمية للمقيمين في لبنان. وتحصل الصفقات داخل المجموعات بأطر ذات مصداقية عالية.

التوعية عن البتكوين

منذ بداية الأزمة زاد شراء اللبنانيين للبتكوين، ما يشير إلى زيادة الوعي حول هذه العملة. على موقع “localbitcoins” يوجد عدد قليل من الأشخاص يعرضون خدماتهم لتوفير العملات الرقمية بسعر صرف الدولار الموجود في السوق اللبناني. يقول الزعبي أن لا أرضية في لبنان تسهل العمل في البتكوين. ففي الوقت الذي نرى أنه بات من الممكن شراء الغذاء عبر البتكوين، لا تسمح المصارف للناس بشراء العملات الرقمية. ولا توجد شركات تستقبل العملات الرقمية في حالة الدفع.

حركة البتكوين في لبنان

يتم في لبنان تحويل ما بين 40 إلى 80 ألف دولار من العملة الورقية إلى البتكوين. وحسب الزعبي، فإن هناك قلة وعي في الشارع اللبناني عن أهمية العملات الرقمية، فبدلاً من أن يقوم الناس بتحويل أموالهم إلى العملة التشفيرية لتحصينها، يلجأون اللبنانيون إلى تخزين أموالهم في المنازل.

المشارك في تأسيس مجتمع البتكوين في لبنان، علي عسكر، قال لـ”المدن” أنه منذ اندلاع الانتفاضة دخل 660 شخصاً جديداً إلى العملة التشفيرية. ويؤكد عسكر أن العدد سيتزايد مع اشتداد الضائقة المعيشية. أسبوعياً، تستقبل مجموعات تلغرام حوالى مئة شخص جديد يريد التداول في العملة، ويريد اكتساب المعرفة عن كيفية عمل عالم العملات المشفرة.

يؤكد عسكر أن الطبقة الميسورة في لبنان هي الوحيدة القادرة على امتلاك البتكوين، لأنها تمتلك السيولة بالليرة والدولار وبإمكانها شراء البتكوين. وعليه، فإن نصيب دخول الفقراء في هذه العملة صعب نوعاً ما. وهذا ما يجعل البتكوين في لبنان من نصيب الأثرياء، ليبقى الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى وحدهم مهددين  بالسقوط في مستنقع الفقر.

نقلاً عن موقع “المدن” الإخباري اللبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button