إجراءات جديدة وقاسية تعزّز “فجور” المصارف: أموالكم ليست لكم* عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
يوماً بعد يوم ترتفع حدّة الأزمة، ويتزايد معها منسوب الفوضى القائمة في القطاع المصرفي، الذي تشهد فروعه بشكل شبه يومي حالات استنفار ومشادات موثقة بالصوت والصورة، بين موظفي المصارف ومواطنين مُحبطين من إجراءات قاسية وغير موحّدة بين المصارف، حتى أنها تختلف بين فرع وآخر للمصرف نفسه.
الإجراءات المصرفية التي تزداد وقاحة وقساوة بحق المتعاملين والمودعين، إنما تؤكد “فجور” بعض المصارف، التي تمارس التمييز بين عميل وآخر، لاسيما بين المودعين. ففي الوقت الذي خفضّت فيه المصارف سقوف سحوباتها المالية، وعلّقت تحويلاتها إلى الخارج، تعجز عن مواجهة كبار زبائنها، فتقوم بتلبيتهم في وقت قصير جداّ.
ممارسات استنسابية
تمارس المصارف إجراءات قاسية على زبائنها من دون حسيب أو رقيب. تسمح وتمنع وتضع سقوفاً مالية وفق ما تقتضيه مصلحة كل منها. وآخر صيحاتها، عدد من الإجراءات والممارسات التسلطية وصلت حدّ تسكير حسابات لزبائن تصادموا مع مصارف، وعبّروا عن تجاربهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أضف إلى تعامل غالبية المصارف باستنسابية مع المواطنين. إذ تتيح السحب من الحسابات بالدولار ضمن سقوف مختلفة فيما بين الزبائن.
وعلى الرغم من نفي جمعية مصارف لبنان نيّتها وقف عمليات السحب بالدولار بشكل نهائي، وحصرها بالليرة اللبنانية، قامت المصارف كافة بخفض قيمة السحوبات المالية بمعدل يتراوح بين 50 و300 دولار أميركي كحد أقصى أسبوعياً لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار. وأكد أكثر من مصدر مصرفي البحث الجدّي بالتوقف عن تسليم الدولار في المرحلة المقبلة.
في المقابل تعمل بعض المصارف، ومن بينها أحد أكبر المصارف، على تحديد سقوف السحوبات بشكل استنسابي بين مؤسسات القطاع الخاص، فترفع سقف السحب الأسبوعي إلى 1000 دولار للعاملين في إحدى شركات توزيع الأدوية، في حين تتمسّك بسقف الـ200 دولار اسبوعياً لمؤسسات أخرى.
إجراءات أخرى
حتى السحوبات بالليرة اللبنانية لم تسلم من القيود المصرفية. إذ تختلف السقوف بين مصرف وآخر. وفي بعض الحالات تختلف بين فرع وآخر. الأمر الذي عزّز حالات الفوضى والازدحام اليومي في المصارف، لاسيما تلك التي خفضت سقف السحب بالليرة إلى 300 ألف ليرة كبنك الإعتماد اللبناني.
إجراءات جديدة تعتمدها غالبية المصارف “تسهيلاً” لإنفاق المغتربين اللبنانيين، ولا تختلف كثيراً عن الإجراءات المذِلّة التي تمارسها بحق المقيمين. وتتمثل في موافقة المصرف على طلب يتقدّم به صاحب الحساب في بلد الاغتراب يوضح فيه حاجته لمبلغ معيّن من المال، مرفق برقم حساب الطرف الآخر المعني بتقاضي المال، فيتم تحويل المبلغ من المصرف مباشرة إلى صاحب الاستحقاق وليس إلى صاحب الحساب المصرفي. على سبيل المثال: تقدّم أحد المغتربين بطلب إلى بنك بيبلوس للموافقة على سحب مبلغ 4000 دولار بدل قسط مدرسي عن إبنه مرفقاً برقم حساب المدرسة. وافق المصرف على تحويل المبلغ من حساب العميل لكن إلى حساب المدرسة مباشرة بدل تسليمه إلى صاحب العلاقة. أما بطاقات الائتمان في بلاد الاغتراب فلا تختلف سقوف السحب منها عن البطاقات داخل لبنان.
إجراءات أخرى تعتمدها المصارف بشكل مخالف للقانون، تتمثل بوقف صرف الشيكات، سواء بالدولار أو الليرة باستثناء إيداعها في حساب مجمّد لمدة تتراوح بين 3 و6 أشهر. كما تتمنّع عن فتح حسابات جارية جديدة.
ويبقى الإجراء الأكثر وقاحة على الإطلاق هو تمنع المصارف عن تسليم الموظفين رواتبهم “الموطّنة” لديها، لاسيما تلك المحوّلة بالدولار. وتُلزم الموظفين بسحب رواتبهم بالليرة على أساس سعر صرف 1507 ليرات مقابل الدولار، علماً أن حسابات التوطين بالدولار وليس بالليرة. هذا الإجراء تحديداً إنما يُثبت ضرب المصارف كل الأعراف والقوانين عرض الحائط، ويُبرّر بشكل أو بآخر تعرّض بعض المواطنين للمصارف التي تتمنّع عن تسليم رواتبهم، لاسيما أن دورها لا يعدو كونها مجرّد وسيط بين الطرفين أي المؤسسة وصاحب الحساب (الموظف).
عملية “حجر”
ومن خلال إجراءات المصارف وتعاملها باستنسابية مع المودعين بات واضحاً أن عملية “الحجر” على الأموال تتم بحق صغار المودعين فقط، وليس أصحاب الودائع الكبيرة. وبحسب شهادة مدير مكتب تمثيلي لأحد المصارف اللبنانية في الإمارات، فإن القيود تُمارَس على صغار المودعين وأصحاب البطاقات المصرفية ذات الحسابات المتواضعة. أما أصحاب الودائع الكبيرة فلا قدرة لأي مصرف على رفض طلباتهم أو منع تحويلاتهم.
تتشدد المصارف بشكل يومي بإجراءاتها وقيودها على حركة الأموال، التي ترفض حتى اللحظة اعتبارها “كابيتال كونترول” وذلك لعدم قوننتها.. وبات واضحاً تعامل المصارف باستنسابية بين مودعيها الأمر الذي يجعل من قوننتها أمراً ملحاً. من هنا، يدعو البعض إلى إقرار قانون يجيز الـ”كابيتال كونترول” ويُلزم الجميع بإجراءات وقيود موحّدة. وهو ما دعا إليه الرئيس السابق لجمعية المصارف فرانسوا باسيل في حديث إلى “المدن” وقال: على الدولة تحمّل مسؤوليتها في قوننة الكابيتال كونترول لمدة معيّنة، تجنيباً لمواجهة المصارف مع الزبائن. كما من الممكن، وفق باسيل، منح مصرف لبنان صلاحية اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على النقد وضبط وتيرة التضخم.