ليال منصور إشراقية: الإفلاس المصرفي اللبناني وقع.. صارحونا به
المدن – عزة الحاج حسن –
الأزمة النقدية والمصرفية الحاصلة اليوم في لبنان هي أزمة مفتعلة من قبل كبار المودعين مع سبق الإصرار والترصّد. فالعديد من المؤشرات كانت تؤكد دخول القطاع المصرفي في أزمة سيولة ومواجهة خطر الإفلاس، نعم الإفلاس.
الإفلاس المصرفي، الذي لم تتردّد ليال منصور إشراقية لحظة بتأكيد وقوعه، هو التفسير العلمي لأزمة السيولة الواقعة حالياً في مجمل القطاع المصرفي. وحسب الباحثة في الشأن الاقتصادي والمالي والأستاذة الجامعية، لو أن بلداً آخر تعرّض قطاعه المصرفي لما يتعرض له القطاع المصرفي اللبناني اليوم، لما تردّدت سلطاته في إعلان الإفلاس جهاراً، والتخطيط لاحتواء الأزمة والحد من الخسائر. أما في لبنان حيث يمتلك أو يساهم عدد كبير من السياسيين في المصارف، فيلجأون إلى تحميل صغار المودعين مخاطر الإفلاس، لصالح حماية المصارف وكبار مودعيها. والسؤال: ما هو الوضع الفعلي للقطاع المصرفي اليوم؟ وهل هناك مخاطر حقيقية من وقوع إفلاس؟ الإجابة على هذه التساؤلات عرضتها ليال منصور إشراقية في حديث مع “المدن”، من خلال قراءتها للواقع المصرفي منذ ما قبل ثورة 17 تشرين الأول.
عجز وإفلاس
القطاع المصرفي يعاني حالياً من أزمة سيولة كبيرة جداً، ووفق إشراقية، عندما تعجز المصارف عن تأمين السيولة نقداً بالدولار، فذلك يعني وقوعها حتماً بأزمة سيولة، لاسيما أن للبنان خصوصية لجهة التداول بالدولار كما الليرة اللبنانية. فنسبة الدولرة تجاوزت 70 في المئة، ولا يمكننا القول أن لبنان يتمتع بسيولة بالعملة الوطنية بخلاف الدولار. فهذا إن دل على شيء فيدل على أن هناك تلاعباً بالحقيقة وإخفائها عن الجمهور.
ومما لا شك فيه أن القطاع المصرفي العاجز عن تأمين مستحقات المواطنين والمودعين بالدولار، يعاني أزمة سيولة فعلية. وهو متورّط بسوء ائتمان على أموال المودعين. وبات معرّضاً فعلاً لخطر الإفلاس. ولا يمكن اعتبار سداد المصارف مستحقات المودعين والموظفين بالليرة أمراً طبيعياً، خصوصاً بعد طبع المصرف المركزي كميات جديدة من العملة الوطنية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ضخ العملة الجديدة في الأسواق من شأنه رفع التضخم بطريقة كبيرة ومتسارعة جداً.
صارِحوا المودعين
برأي إشراقية، لا يمكن للقطاع المصرفي الاستمرار بالعجز عن تأمين السيولة، وتحميل المواطنين أخطاء وسوء ممارسات حصلت في وقت سابق: “فالقطاع المصرفي متواطئ بطريقة أو بأخرى. وكان يستعمل ممتلكات المودعين لتمويل الدولة، بدليل أن القطاع المصرفي هو الدائن الأكبر للدولة. وبالتالي، فإن أي مشاكل أو تعثر أمام سداد الدولة لدينها ستدفع المصارف الثمن ومن ورائها المودعين”.
من هنا، ولكي نتخلص من تحميل المواطنين المودعين مسؤولية سوء العلاقة بين المصارف والدولة، حان الوقت لتعلن المصارف إفلاسها، أو أن تعمل على دمج بعضها وتأمين أموال المودعين، حتى وإن استحق الأمر وقتا طويلاً، إلا أن ذلك يؤمن أموال المودعين. أما في حال استمر القطاع بالمكابرة وإنكار خطورة الأزمة، فإن الخسائر ستكون جسيمة، والمصارحة في هذه الحالة أقل خطورة على أموال المودعين.
تواطؤ “مقصود”!
المخاطر لا تطال مصرفاّ أو أكثر، إنما القطاع المصرفي بأكمله. وحسب إشراقية، فإن مؤشرات ومعطيات اتضحت منذ قرابة الشهرين، كانت جازمة بوقوع حالات إفلاس لمصرفين على الأقل وربما أكثر، ومن تلك المؤشرات شحّ كبير في السيولة بالعملة الأجنبية، إضافة إلى مؤشر خطير جداً هو ارتفاع مستوى الـ interbank rate (الفوائد بين المصارف) التي تخطت 25 في المئة. وهي النسبة الأعلى منذ 20 عاماً. من خلال كل ذلك، كان واضحاً جداً ارتفاع المخاطر ووقوع حالات إفلاس.
وترى إشراقية أن حجم المصرف أو رأسماله لا يلعب أي دور في عملية توقعات إفلاسه. بمعنى أنه من غير المرجّح إفلاس مصرف صغير دون الكبير أو العكس، إنما كل مصرف يضم كبار مودعين ممن هرّبوا أموالهم إلى الخارج، هو الأكثر عرضة لخطر الإفلاس. وكل مصرف لم يهرّب كبار مودعيه أموالهم إلى الخارج، لن يعاني من أزمة سيولة. وبالتالي، لن يتعرض للإفلاس.
وتذكّر إشراقية أن لبنان حالة خاصة جداً “ولا بد من معرفة أن 1 في المئة فقط من المودعين يملكون نحو 50 في المئة من مجمل الودائع في القطاع المصرفي. ما يعني أن سبب الأزمة الأساسية هم كبار المودعين وليس صغار المودعين”.
تكتّم على الإفلاس
لم يعد خافياً تكتم السلطة السياسية والنقدية منذ أشهر عن أزمة نقدية مصرفية إلا أن إشراقية كشفت منع السلطة للخبراء والاقتصاديين من التحدث ومصارحة الناس بالمخاطر التي كانت وما زالت تواجه المصارف، “عملنا في الجامعة الأميركية على استحداث مؤشر يقيس خطورة الوضع المالي والنقدي والمصرفي وبالطبع توصلنا الى أن خطورة الوضع قد يصل الى الإفلاس المصرفي، حينها تم تحذيرنا من الحديث بالإعلام بهذا المؤشر وكشف نتائجه، وهو ما حصل بالفعل ولم يجرؤ أحد على التحدث بالنتائج الكارثية، فاتجهنا الى عرض الدراسة من خلال أكثر من منصة دولية كالبنك الدولي والإسكوا وغيرها”.
وانطلاقاً من ذلك، تجزم إشراقية أن الأزمة النقدية والمصرفية الحاصلة اليوم هي أزمة مفتعلة من قبل كبار المودعين، مع سبق الإصرار والترصد، بدليل أنه في الفترة الممتدة بين شهري آب وأيلول 2019 أي قبل انطلاق ثورة 17 تشرين بنحو شهر، ذكّر رئيس الجمهورية حينها بالقانون الذي يعرّض كل من “يشوه” صورة الليرة والقطاع المصرفي والأمن المالي للملاحقة القانونية والسجن من 6 أشهر الى 3 سنوات. وهذا يعني أن السلطة السياسية والمصرفية كانت على علم مسبق أن الوضع الاقتصادي سيء جداً، بدليل تراجع التصنيفات الائتمانية. وبالتالي منعوا الاقتصاديين والخبراء من مصارحة الناس.. فالسلطة تمعن في وضع سياسات اقتصادية ومالية خاطئة وتهدّد في الوقت عينه كل من يصارح المودعين.