ماذا جنت مصر من القضية الفلسطينية؟* د.توفيق حميد

النشرة الدولية –

ينتفض الكثيرون في مصر دفاعاً عن ما يسمونه بالقضية الفلسطينية – ولقد دخلت مصر حروبا عديدة من أجل هذه القضية مثل حرب 1948 وحرب 1967 وحرب 1973!. وتسببت هذه الحروب في إزهاق الاقتصاد المصري بشدة مما انعكس سلباً على الشعب المصري.

 

وحين نتذكر “القضية الفلسطينية” من الصعب أن ننسى مشهد انتفاضة مئات الألوف من الشعب المصري عقب ثورة يناير ليحرقوا السفارة الإسرائيلية في القاهرة، خارقين بذلك كل المواثيق الدولية في مشهد أشبه بعصور الظلام، ومن عجائب الأمور هنا فإن هذا العمل الهمجي جاء بتوافق بين بعض الليبراليين المصريين، مثل المخرج المعروف خالد يوسف وبين منظمة الإخوان المسلمين.

 

فمن ناحية صعب علينا أن ننسى صور المخرج خالد يوسف وهو يشارك في تدمير جدار السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ومن ناحية أخرى لا نستطيع نسيان تكريم المجرم الذي تسلق المواسير كاللص وأشعل السفارة فتسبب في إيذاء صورة مصر عالمياً ودولياً، وجعلها تظهر كأنها دولة من الهمج وكان هذا التكريم في مكتب رئيس الوزراء وقتها الإخواني عصام شرف.

 

ومن قبل ذلك رأينا مئات الآلاف من شباب الإخوان يصرخون وراء الداعية الإرهابي “يوسف القرضاوي” في ميدان التحرير بعد ثورة يناير “على القدس رايحيين شهداء بالملايين”، وكالعادة كان نداء “حنجورياً” أو كما يقول المصريون باللغة الدارجة “طق حنك”!، فلم يذهب أحد منهم لينفذ كلماته ووعوده كما قالوا بل جلسوا يلعنون من لم يفتحوا لهم “باب الجهاد” والذي لم يغلقه أحد أصلاً!

 

هي فقط كلمات حنجورية وتشنج يصل إلى درجة الجنون، والله لو وضع هؤلاء جهدهم في تطوير أنفسهم وبلدهم الجميلة مصر بدلاً من تسخير حياتهم لكراهية إسرائيل وتدميرها لأصبحت مصر في طليعة الأمم ولعاشوا جميعاً في رغد.

 

وقد بدأت قصة ما يسمونه بـ”نصرة القضية الفلسطينية” منذ عام 1948 حينما قادت مصر حرباً من أجل الفلسطينيين فخسرتها ثم خاضت حرب 1967 أيضاً لنصرة الفلسطينيين، بالرغم من أنه لم يكن هناك ذرة تراب مصرية تحتلها إسرائيل قبل هذه الحرب، فكان لسان حال الأمر وكأنه يقول وبأعلى صوت ” لتدخل مصر حروباً تدمر اقتصادها وتقتل أبناءها ولتذهب مصر إلى الجحيم كي تبقى فلسطين”.

 

وكل ذلك من أجل عيون فلسطين؟

 

وكانت مصر قادرة بدلاً من ذلك على إعطاء “القضية المصرية” أولوية على ما يطلق عليها “القضية الفلسطينية”، فيتم بذلك التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع دولة إسرائيل للنهوض بالمنطقة بأكملها وتطويرها في جميع المجالات، ومنها استغلال وتحلية المياه للزراعة والشرب، ولو حدث ذلك التعاون لما كان هناك فقير واحد اليوم في أرض مصر!، والجدير بالذكر هنا أن إعطاء القضية الفلسطينية أولوية على مصالح مصر هو التعريف الحقيقي لكلمة “الخيانة”، فلم نسمع أبداً عن دولة أعطت أولوية لغيرها قبل مصالحها ومصالح شعبها.

 

وهنا قد يقول قائل وماذا عن المبادئ والتي تحتم علينا نصرة الضعيف؟

 

وهنا أقول لهم بأعلى صوت أين كانت تلك المبادئ حيتما تم التضييق على وطرد إخوانكم من اليهود المصريين من بلدهم مصر وقت عبد الناصر؟، وأين كانت مبادئكم حينما كان يتم سحل اليهود الجزائريين في شوارع الجزائر قبل طردهم بدون أي ذنب اقترفوه؟، وأين كانت مروءتكم حينما تم طرد اليهود العراقيين من أرضهم بصورة همجية، وصلت إلى حد اغتصاب نسائهم؟ أين كنتم حينذاك فإن المبادئ لا تتجزأ ياسادة!.

 

وأعجب ما في الأمر أنه في المرة التي غلَّبت فيها مصر مصلحة شعبها على القضية الفلسطينية حصلت على سيناء وفق اتفاق السلام مع إسرائيل، وإن ذكرنا اتفاق السلام فإننا نذكر عودة سيناء بسياحتها، ومصادر طاقتها ومعادنها، وعودة قناة السويس كمصدر رائع للدخل القومي، وإيجاد استثمارات مشتركة مع إسرائيل تساعد الصادرات المصرية إلى الغرب، وكل هذا لم يجدي مع دعاة الكراهية بل ظلوا يسوقون لمنع التطبيع حتي لو كان على حساب قوت الشعب المصري.

 

والأشد عجباً من هذا الأمر هو أن رفض “اتفاق السلام” يعني في الواقع عودة سيناء إلى إسرائيل وحرمان مصر من كل الفوائد الاقتصادية المذكورة فهل هم يريدون ذلك؟.

 

وعلى ما يبدو أن رافضي الاتفاق مع إسرائيل لا يجدون أي غضاضة أن ينقضوا ميثاقهم وينكثوا عهدهم، والذي يقتضي بأن يتم التطبيع الكامل مع إسرائيل بعد عودة سيناء إلى أحضان مصر.

 

ولم يكتفِ دعاة الكراهية بأن يرفضوا اتفاق السلام فحسب، بل تعدوا ذلك بمراحل فوصل بعضهم مثل الداعية “سعاد صالح” إلى استباحة أعراض الإسرائيليات في أي مواجهة عسكرية، وتم ترجمة ما قالته وبثه في وسائل إعلام عالمية، مما تسبب في تشويه صورة مصر عالمياً ودولياً والذي يؤدي بدوره إلى إضعاف السياحة إلى مصر وتقليل الدخل القومي المصري.

 

والآن يأتي السؤال مرة أخرى، ماذا جنى المصريون من “القضية الفلسطينية” ومن الرفض الشعبي للتطبيع مع إسرائيل غير إضعافٍ لاقتصاد مصر، وإفقار لشعبها لأجل الفلسطينيين، وفقدان لقناة السويس والسياحة وخيرات سيناء لمدة طويلة، وحرمان المنتجين المصريين من التعامل المثمر مع إسرائيل في شتى المجالات التي تعود على الجميع بالخير والرفاهية.

 

ففي الوقت الذي كانت جحافل الإخوان والكثيرون من الليبراليين يهاجمون أي مصري يذهب إلى إسرائيل بلا رحمة بتهمة “التطبيع”، كان الفلسطينيون يذهبون يومياً “ليطبعوا” مع إسرائيل فيعملون بها ويعودون بالدولارات إلى ذويهم، فهل هناك نفاق أكثر من ذلك فما كان مسموحاً به للفلسطينيين كان محرماً على المصريين!

 

فهل آن الآوان لأن يجعل المصريون قضيتهم الرئيسية هي “القضية المصرية” -أي قضية وطنهم مصر ورفاهية شعبها- وليس “القضية الفلسطينية”؟

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى