2019… عام سقوط المقدسات السياسية اللبنانية* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

سيتذكر اللبنانيون هذه السنة طويلاً عاماً تصاعدت أحداثه لتبلغ ذروتها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) بانتفاضة شعبية، هزت كيان الطبقة السياسية، وتركتها مذهولة لحدث لم يشهد لبنان مثيلاً له.

يوم 17 أكتوبر اجتمع مجلس الوزراء وأقر مجموعة ضرائب جديدة، منها زيادة الرسوم على المشتقات النفطية والسجائر، وفرض رسم 6 دولارات على الاتصال بواسطة تطبيق واتساب.

وكأن الضريبة الأخيرة، كانت إشارة لاندلاع شرارة الاحتجاجات، إذ  توسعت لتشمل كل الفئات والطوائف وجميع المناطق اللبنانية، حتى بات الناس يقولون ما قبل 17 أكتوبر ليس كما بعده.

ووصفت هذه التظاهرات من قبل مراقبين بأنها الأولى من نوعها في تاريخ لبنان الحديث، من حيث كثافة المشاركين والانتشار الجغرافي ولا مركزية التحركات.

وحّدت هذه الانتفاضة الصوت اللبناني تحت شعار واحد وهو تغيير النظام وإسقاط الحكومة ورموز السلطة. انتفاضة اخترقت تابوهات وهدمت أصناماً سياسية كانت حتى قبل يوم واحد من اندلاع التظاهرات مقدسة وممنوع التلفظ بأسمائها، ما استدعى استقالة الحكومة تحت وطأة الشارع.

الحكومة التي تشكلت في شهر فبراير(شباط) الماضي، التي كانت عبارة عن حكومة وحدة وطنية ثلاثينية برئاسة سعد الحريري، وأطلق عليها اسم حكومة “إلى العمل”، بعد مشاورات شاقة استمرت 252 يوماً، لم تعش طويلاً.

قدمت استقالتها نزولاً عند إرادة الناس، علماً بأنها ضمت وللمرة الأولى 4 نساء، منهن من تسلمن وزارة سيادية وهي وزارة الداخلية، وللمرة الأولى منذ الاستقلال عبر الوزيرة ريا الحسن.

صحيح أن الحكومة استقالت تحت وطأة الأحداث، لكنها منذ ولادتها وحتى “موتها”، وهي تشهد خلافات بين أعضائها، على ملفات كثيرة، من موضوع النازحين السوريين إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، إلى حادثة كفرمتى التي أعادت أجواء حرب الجبل إلى الذاكرة.

برزت فتنة قبرشمون- كفرمتى (قضاء عالية)، وهما بلدتان ذات غالبية درزية، حين كان وزير الخارجية جبران باسيل، يقوم بجولة إلى تلك المنطقة قوبلت باحتجاجات وقطع طرقات، منعاً لدخوله بعض المناطق، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي، (رئيسه وليد جنبلاط) وبين مناصري الحزب الديموقراطي اللبناني (رئيسه طلال أرسلان)، مما أسفر عن سقوط مرافقين اثنين لوزير شؤون النازحين صالح الغريب.

إثر ذلك، تحوّلت هذه القضية إلى أزمة حكومية، ما استدعى تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري واللواء عباس ابراهيم لاحتواء الخلاف وإيجاد مخارج للأزمة، بعد أن تحولت مادة للخلاف السياسي بين الأقطاب الدرزية جنبلاط وأرسلان، على خلفية تسليم المطلوبين التابعين للاشتراكي إلى التحقيق، أو تحويل الملف إلى المجلس العدلي.

لبنان الذي يعاني أزمات عدة وفساد يطال مختلف قطاعاته، وصل الفساد فيه هذه المرة إلى المساحة الخضراء التي يتغنى بها البلد. حيث حاصرته الحرائق المتنقلة ليل الاثنين ونهار الثلاثاء 14 و15 أكتوبر، وتجاوز عدد الحرائق 140 حريقاً في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما في محافظة جبل لبنان والشمال والجنوب وعكار.

حرائق امتدت لبعض المناطق السكنية والقرى، وحاصرت مدنيين في منازلهم، وقضت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وأعداد هائلة من المنازل، كما أدت إلى سقوط قتلى وجرحى وخسائر اقتصادية.

وتصدر هاشتاغ #لبنان_يحترق و #PrayForLebanon  قائمة أكثر الوسوم انتشاراً على موقع تويتر حول العالم، وتفاعل معه المغردون بغضب واحتجاج بسبب تعامل السلطات اللبنانية مع أزمة الحرائق، واتهموها بـ”الفشل”، و”الفساد”، بعدما كانت وزيرة الداخلية ريا الحسن طلبت المساعدة بمكافحة الحرائق من الدول المجاورة كقبرص واليونان والأردن، وعبرت قائلة، إن الطائرات الخاصة بمكافحة الحرائق التي يملكها لبنان، “قديمة وبحاجة إلى صيانة”.

لاحقت تهمة الفساد والفشل السلطات اللبنانية، أيضا بعدما غرقت طرقات وشوارع بأكملها في بيروت والشوف والجنوب والشمال، جراء منخفض جوي عصف بأجوائه.

وكشفت العاصفة عدم جهوزية البلديات والبنى التحتية لتصريف مياه الأمطار، وفاضت قنوات الصرف الصحي وعلِق المواطنون ساعات في سيارتهم التي غرقت.

واجتاحت السيول بيوتاً ومؤسسات تجارية. وتصدر هذه المرة هاشتاغ #لبنان_يغرق وسائل التواصل الاجتماعي.

عقوبات أميركية

على الصعيد السياسي، عقوبات أميركية جديدة طاولت أشخاصاً وقياديين ومؤسسات مالية مقربة أو تابعة لحزب الله، وكانت المرة الأولى التي تطاول فيها العقوبات مباشرة نواباً حزبيين (محمد رعد وأمين شري) إضافة إلى وفيق صفا. كما طاولت هذه العقوبات مصرف “جمال ترست بنك” لاتهامه بتقديم خدمات مصرفية لحزب الله، ما أجبره على تصفية نفسه.

على الصعيد الاقتصادي، استقبل لبنان أعمال القمة العربية الاقتصادية في دورتها الرابعة، في شهر يناير (كانون الثاني). هذه القمة التي كشفت عمق الأزمة اللبنانية بعد إلغاء العديد من رؤساء الدول العربية مشاركتهم، بسبب الملف السوري والنزاعات الداخلية في لبنان، بعدما كان وزير خارجية حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل قد دعا إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

اقتصادياً

كما كانت للبنان مشاركة في مارس (آذار) في مؤتمر “بروكسل 3″، الذي عُقد تحت عنوان “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”. وحصل على مجموعة مساعدات بلغت نحو مليار و400 مليون دولار ومليار و63 مليون يورو، إضافة الى مشاركته في مؤتمر “آستانة” بصفة مراقب.

كما عمدت الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني، “فيتش” و”موديز” و”ستاندرد آند بورز”، إلى خفض التصنيف الائتماني للدولة، وعدد من المصارف.

وكانت وكالة “موديز” وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي خفضت مرة جديدة تصنيف لبنان الائتماني إلى  Caa2، مشيرة إلى تنامي احتمالات إعادة جدولة ديون ستصنفها على أنها تخلف عن السداد. كما خفضت تصنيف الودائع بالعملة المحلية لدى بنوك “عودة” و”بلوم” و”بيبلوس الى Caa2 .

كما خفضت موديز في يناير 2019، تصنيف لبنان للدين السيادي من B3 الى Caa2 .

هواجس لبنانية

أهم أحداث شهدها عام 2019 وإلى أين سيذهب لبنان بعد ارتفاع نسبة العاطلين من العمل، وإقفال العديد من المؤسسات التجارية والصناعية أبوابها، سؤال توجهت به “اندبندنت عربية” إلى مدير عام شركة “ستاتيستكس ليبانون” Statistics Lebanon   ربيع الهبر.

يقول الهبر “أبرز ما حصل على المستوى السياسي هو انتفاضة 17 تشرين الأول، ليس فقط بوصفها أكبر تظاهرة سياسية في تاريخ لبنان الحديث، بل لأنها أظهرت التحول الكبير عند الناس. فالمواطن الذي نزل إلى الشارع عام 2019 وطالب بإسقاط السلطة السياسية هو نفسه من أفرز هذه الطبقة بالانتخابات النيابية عام 2018. الناس تظاهرت ضد نتائج انتخابات 2018. ونزلت لأنها لم تعد تحتمل، من الضروري القول أن الـ70 في المئة من الشعب اللبناني الذي تظاهر يضم موالين أو محازبين لأحزاب السلطة، هنا السؤال هل هؤلاء سيستمرون بدعم الثورة أم أنهم سيعودون للسير وراء أحزابهم؟”.

ويضيف الهبر “أن الأزمة الحقيقية في البلد هي مواجهته لأزمة اقتصادية لم نرَ لها مثيل من قبل، هذه الأزمة ابتدأت قبل الثورة ولن تنتهي بانتهائها”.

إذاً إلى أين يتوجه البلد؟ يجيب الهبر، “استلزمنا لبناء مؤسسات البلد المالية والمصرفية عشرات السنين، كما بنينا ثقة هائلة بالقطاع المصرفي، ها هو لبنان يفقد الثقة العالمية بأهم قطاع لديه، بعدما توقفت التحويلات المالية إلى مصارفه، في حين كانت هناك تحويلات بمليارات الدولارات سابقاً. هذا ونحنا ما زلنا في بداية انهيار هذا القطاع، لذا فإن البلد يتوجه نحو الأسوأ”.

ولكن ماذا عن الحلول؟ يوضح الهبر، أن “عدم وجود حكومة، كما انعدام المبادرات الأجنبية لإنقاذ المصارف، إضافة إلى تسارع انهيار القطاعات الاقتصادية والتجارية والسياحية، أيضاً القطاع الصناعي يواجه أزمة استيراد، حيث إن الاعتمادات المصرفية مفقودة. لكن قد يكون البدء ببعض الإجراءات السريعة والضرورية والمؤلمة لاستعادة الثقة الدولية بلبنان. تأليف حكومة، تدبير capital control ولكن بشكل رسمي وقانوني، وليس كما يحصل الآن في المصارف، حيث إن أموال المودعين يتم الاستيلاء عليها، والمخالفات القانونية التي تحصل مع التحويلات المصرفية، ومخالفة قانون النقد والتسليف”.

ويضيف “يجب تطبيق هذا التدبير لكن مع الترشيد المقنن للحاجات غير الملحة، حيث إن بعض المودعين يحوّلون شيكات مصرفية لصالح شراء عقارات، وهذا ما يجعل المصارف بحاجة إلى العملات الأجنبية، أيضا تجميد الودائع. كما على الدولة أن تحرّر سعر صرف الدولار مقابل الليرة، إذ إنه من غير الممكن أن يبقى المصرف المركزي يدفع هذه الفوائد المرتفعة للمصارف المحلية لتثبيت سعر صرف الليرة. كذلك على الدولة طلب المعونة الخارجية من 6 إلى 15 مليار دولار. كل هذه الإجراءات قد تؤسس للخروج من الأزمات خلال 5 إلى 6 سنوات”.

أما عن نسبة العاطلين عن العمل، يقول الهبر، “في عام 2016 كانت نسبة البطالة 31.5% وهي ستتصاعد لتصل إلى 40% مع نهاية العام الحالي، حيث إن المؤسسات تقوم بعمليات صرف لموظفيها، أو تدفع نصف راتب وهذا ما يرفع نسبة البطالة المقنعة، وهي الأخطر”.

ويرى مدير عام شركة “ستاتيستكس ليبانون”، “أن البلد مفلس منذ فترة ومنذ بدأ وزير المالية يقول لقد تدبرنا رواتب الموظفين في القطاع العام لهذا الشهر. إنهم يؤمنون الرواتب شهراً بشهر”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button