2020: دخان أسود من العراق إلى ليبيا* جويس كرم
النشرة الدولية –
عقد جديد يحل على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبدايته تحمل أفق مواجهات غير مباشرة بين أميركا وإيران، وانكماش اقتصادي في الخليج وانهيار في لبنان، وحروب بالوكالة عنوانها النفط والغاز في سوريا وليبيا وتعنت لتركيا إردوغان في الخارج مقابل تراخي قبضته في الداخل.
2020 بدأت بأعمدة الدخان الأسود وهي تتشكل فوق السفارة الأميركية في بغداد وقوافل المارينز الأميركيين في طريقهم إلى الكويت محملين بتهديد دونالد ترامب المباشر لإيران. الواقع في 2020، كما كان في 2019، وهو أن أميركا وإيران لا تحبذان مواجهة مباشرة وتتقاتلان فوق أراض عربية سيادتها منتزعة ودولها غير معنية بمصلحة المواطن.
المرشد الأعلى يقاتل واشنطن بميليشيات عربية، الانتصار بالنسبة لها هو أن تخربش كلمة “سليماني قائدنا” على حائط إسمنتي وأن تسجل خطابا على “يوتيوب” ينال إعجاب من يرسل المال والعتاد من طهران.
أما المواطن العراقي، ابن وابنة خامس أغنى دولة نفطية في العالم، فيقبع ما يقارب ثلثه تحت خط الفقر وقياداته عاجزة عن ضمان الكهرباء والماء في أماكن مثل البصرة والناصرية.
تظاهرات العراق التي هزت عمق النظام المرتهن لن تتوقف ولن تهدأ في 2020. فأي شعب يقبل بقيادة تقطع الكهرباء وقنوات الاتصال عنه لتتيح لميليشياتها لتفظع به وتقتل حوالي 80 شابا ليلة 6 ديسمبر، كما وثقت منظمة “هيومن رايتس واتش”؟ ومن دون تغييرات جذرية فإن العام الجديد سيعمق أزمة الدولة العراقية وقد يزيدها تفككا بغض النظر عما إذا انسحبت أميركا أو أبقت على وجودها.
وليس بعيدا عن تظاهرات العراق، فلا ضوء في نهاية النفق اللبناني أيضا. اليوم بان الحديث عن مرحلة ما بعد الانهيار الاقتصادي في لبنان وشروط إنقاذ بيروت، وليس إن كان الانهيار سيحصل أم لا. أما الجدل العقيم حول حكومة بروفيسور الجامعة الأميركية أو أي شخصية أخرى، فهو تفصيل صغير بالنظر إلى حجم المأساة الإنسانية والاقتصادية التي تنتظر البلاد.
في سوريا، الاقتتال الدموي مستمر مع حملة النظام وروسيا في إدلب، مقابل توغل تركيا شمالا بضوء أخضر أميركي. وفي حين ثبت الأسد موقعه في 2019، فهو بحاجة لدعم خارجي حقيقي في المدى الأبعد. فالأزمة الاقتصادية في لبنان استنبطت أخرى في سوريا ولا موسكو ولا طهران قادرتان على تعويم النظام.
العام 2020 يصل إيران والغموض يحيط شارعها فيما يدخل خامنئي عقده الثامن. الصفقة الأميركية ـ الإيرانية مستبعدة في عام انتخابي أميركيا، والأرجح استمرار التجاذبات غير المباشرة بين الجانبين. العقوبات ستتزايد بحسب المسؤولين الأميركيين ولا شيء يوحي بانفراج. فهل ينجح خامنئي بانتظار الانتخابات الأميركية والرهان على خسارة ترامب أو هل ينجح الرئيس الجمهوري بحشر إيران وإيصالها إلى مستوى الانفجار الداخلي أو الفوز ولاية ثانية؟ لا أجوبة واضحة بعد.
الانكماش الاقتصادي المتوقع نهاية 2020 بدأ ينعكس في منطقة الخليج، وقد يدفع بتغيير سياسي في الداخل الخليجي وحل تدريجي لأزمة قطر في حال وافقت جميع دول الرباعية على شروطه من ضمنهم مصر. كما قد يشهد اليمن انفراجا في العام المقبل في حال استمرار المفاوضات بين الرياض والحوثيين.
التحدي الأكبر في منطقة شمال إفريقيا هو ليبيا، خصوصا بعد دخول تركيا على خط المعركة والتضارب المتوسطي الحاصل حول عقود الغاز والحرب المفتوحة بين إردوغان والسراج من جهة وخليفة حفتر ومصر واليونان والإمارات وقبرص من جهة أخرى. واشنطن تحبذ حلا دبلوماسيا قريبا يمنع تفتت ليبيا إنما المفاوضات لم تصل إلى مستوى الاتفاق بعد.
إسرائيل التي تتخبط في أزمة قيادة ومحاكمة قريبة لبنيامين نتانياهو مرتاحة لموقفي واشنطن وموسكو من تحدياتها الأمنية. فالطلعات فوق سوريا مستمرة وعملية السلام مع الفلسطينيين باتت في خبر كان.
العام 2020 عنوانه الأول وصل من بغداد بدخان السفارة في المنطقة الخضراء الذي ينبئ بأزمات وحروب بالوكالة وعنوانه الثاني جاء من ساحة التحرير وأغاني الثائرين. هذه المفارقة تحيط الشرق الأوسط اليوم بين منعطف يؤجج الأزمات ومسار التفتت، ومنعطف يحتضن التغيير ويركز على بنية الدولة وحاجات المواطن وليس على الارتهان للخارج.
عن موقع الحرة