العراق… اليوم التالي لما بعد سليماني* مصطفى فحص
النشرة الدولية –
قطعت عملية قتل الجنرال قاسم سليماني الشك باليقين بأن المفاوضات الأميركية الإيرانية المتعثرة أصلا وصلت إلى طريق مسدود، وانتقلت إلى مرحلة تصعيد جديدة تتجاوز مبدأ المفاوضات بالنار عبر الوكلاء، فقد فتح اغتيال مهندس النفوذ الخارجي الإيراني مرحلة جديدة عنوانها المواجهة المباشرة بين الطرفين، ولكن هذا المرة بدأتها واشنطن، فعملية الاغتيال أسقطت كافة التفاهمات السابقة القائمة بينهما منذ 2003، والذي كان الجنرال سليماني يتحرك في إطارها.
فوفقا لطبيعة حركته في العراق مارس سليماني حذرا أمنيا وقائيا ولم يمارس تخفيا كاملا، إذ كانت الدوائر السياسية والأمنية العراقية والأميركية على علم بوجوده في العراق في أغلب الأحيان، حيث كان يقوم بمهام تفاوضيه إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ضمن معادلة ربط الأمن بالسياسة التي ارتبطت بخطوط حمر وضعها الجانبين طوال 16 عاما وعلى ما يبدو أنها سقطت فجر يوم الجمعة الفائت.
أعادت العملية خلط الأوراق الأميركية في العراق على المستويات كافة
فمما لا شك فيه أن انتقال الحوار بين واشنطن وطهران إلى مستوى المفاوضات بالنار سينعكس مباشرة على العراق الذي تواجه فيه العملية السياسية حالة انسداد شاملة.
استهداف سليماني سيزيد هذه العملية تعقيدا، خصوصا أن هذا التعقيد يرتبط بكيفية التعاطي الأميركي مع العراق في اليوم التالي للاغتيال، حيث تكبر المخاطر من أن الخطوة التي اتخذتها واشنطن ضد إيران في العراق لن تتجاوز حدود الردع والتحذير لطهران فقط من دون الأخذ بعين الاعتبار ما قد تسببه هذه الخطة من تداعيات سلبية على انتفاضة الأول من أكتوبر وعلى العملية السياسية بشكل عام.
فمنذ استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي فشلت القوى السياسية الموالية لإيران في طرح اسم لرئاسة الوزراء مقنع للشارع، كما أدى موقف رئيس الجمهورية برهم صالح تجنب ترشيح أسماء مستفزه للانتفاضة لا تحظى بشروط المرجعية إلى خسارة هذه القوى السياسية المسلحة للغطاء الدستوري بالرغم من ادعائها أنها تشكل الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها دستوريا تسمية رئيس الوزراء.
عمليا، وبالنسبة لواشنطن، فإن الطرف السياسي الذي يسيطر على السلطة في بغداد بات في مواجهة مباشرة معها، خصوصا أن قياداته تقدمت التظاهرات التي حاولت اقتحام سفارتها في بغداد، ما يعقد احتمال التوصل إلى تسوية سياسية مع هذه القوى المسلحة في المدى القريب والمتوسط.
ينذر هذا الأمر بحالة من الفوضى السياسية بتبعات أمنية ستصيب العراق، وذلك تبعا للانعكاسات الاستراتيجية لقرار الاستهداف وما سبقه من خطوات بإرسال وحدات النخبة 82 التابعة لقوات المارينز إلى بغداد، والتهديد بالرد القاس قبل وبعد العملية، ما يشير إلى قرار أميركي بالانغماس المباشر وهو مخالف لبعض التوقعات التي راهنت على قرار أميركي بالانسحاب من العراق في حال تعرضت مصالح واشنطن المباشرة للاعتداء.
حاليا، هذه القوى ليست في وارد التراجع أمام الضغوط الأميركية بالرغم من انسداد الأفق السياسي أمام أغلب من يمثلها، وستستخدم في إطار الدفاع عن نفسها كل ما تملكه من أدوات رسمية وغير رسمية في هذه المواجهة، وستدفع البرلمان العراقي في جلسته المقبلة نهار الأحد إلى التصويت على قرار انسحاب القوات الأميركية من العراق وإلغاء اتفاقية الأطر الاستراتيجية الموقعة بين البلدين العام 2008 الأمر الذي، في حال نجاحه، سيغير من طبيعة الوجود الأميركي في العراق وخصوصا العسكري بالرغم من ارتباطه بالتحالف الدولي للحرب على الإرهاب.
انتقال الحوار بين واشنطن وطهران إلى مستوى المفاوضات بالنار سينعكس على العراق
في المقابل، أعادت العملية خلط الأوراق الأميركية في العراق على المستويات كافة، خصوصا على المستوى العسكري، حيث تربط القوات المسلحة العراقية علاقة استراتيجية مع واشنطن، ما يضع الجيش العراقي أمام امتحان صعب؛ فهو سيستفيد من الحضور العسكري الأميركي في العراق في توسيع حضوره الميداني ولعب دور في منع الفوضى والحفاظ على ما تبقى من العملية السياسية وحماية المتظاهرين. لكنه في المقابل يخضع للموقف السياسي الذي تسيطر عليه قوى سياسية حذرة من زيادة حضوره في مرحلة انقسام عمودية بين أقلية سياسية تتحكم بمراكز صنع القرار وتستند في حضورها إلى قوى ما دون الدولة، وأغلبية شعبية تراهن على مؤسسات الدولة في حمايتها.
ليست المرة الأولى التي تقوم واشنطن بعمل استراتيجي دون البحث في تبعاته، تاريخيا عندما التقت ثلاث شخصيات عراقية الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش عشية الحرب لم يسمعوا منه ما يريحهم حول البرنامج الأميركي في اليوم التالي بعد سقوط نظام صدام حسين، فهل هناك في واشنطن من خطط لليوم الثاني لإسقاط نظام 2003 في العراق؟ أم أن العراقيين أمام يوم تالي مفتوح على المجهول؟
عن موقع الحرة