ما أبرز المخاطر التي تحيط بالأسواق الناشئة… و ماذا حققت خلال عقدها الذهبي؟

النشرة الدولية –

عندما يتعلق الأمر بآفاق الأسواق الناشئة للعام الجديد 2020، فإنه يبدو معقدًا للغاية بفعل عدد من الأسباب، إذ يمر العالم بفترة استثنائية نظرًا للطبيعة غير المتوقعة لرئيس الولايات المتحدة “دونالد ترامب”، والذي من المحتمل أن يغدو سلوكه أكثر غرابة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

لتحسين فرص إعادة انتخابه في التصويت الذي يجري خلال خريف هذا العام، تتجه الأنظار إلى الأفعال المحتملة من قبل “ترامب”، مثل ما إذا كان سيفرض المزيد من الرسوم الجمركية على السلع الصينية أو ربما يشن هجومًا عسكريًا ضد إيران؟

على جانب آخر، يتساءل المراقبون هل يركز “ترامب” على ضمان استقرار الظروف المالية لتفادي التباطؤ الاقتصادي أو حتى الركود قبيل الانتخابات مباشرة؟ لكن حتى الآن لا توجد إجابات صريحة، ليبقى “عدم اليقين” العلة الواضحة المقوضة للاقتصاد والأسواق العالمية.

أضافت الأسواق الناشئة ثروة قدرها 14 تريليون دولار لمحافظ المستثمرين خلال العقد الماضي، ووفقًا لمسح أجرته “بلومبيرغ” شمل عشرات المستثمرين والمحللين الاستراتيجيين والمتداولين العالميين، من المتوقع أن تواصل أصول هذه الأسواق تفوقها على نظيرتها المتقدمة في عام 2020.

عادت جميع أصول الأسواق الناشئة (العملات والأسهم والسندات) لتقديم أداء جيد في عام 2019 بعدما سجلت أكبر خسارة منذ 3 سنوات في عام 2018، بفضل شروع البنوك المركزية العالمية في جولة جديدة من خفض الفائدة لدعم معدلات النمو الضعيفة.

ارتفعت قيمة أسهم 26 دولة تصنفها “إم إس سي آي” كأسواق نامية بمقدار 9.2 تريليون دولار منذ نهاية عام 2009 وحتى الرابع والعشرين من ديسمبر، فيما أظهرت بيانات “بلومبيرغ – باركليز” إضافة السندات المحلية والدولارية في الأسواق الناشئة ما قيمته 4.7 تريليون دولار.

يقول “تاكيشي يوكوتشي” كبير مديري الصناديق لدى “سوميتومو ميتسوي دي إس” اليابانية، والتي تدير أصولًا بقيمة 160 مليار دولار: ما زلت متفائلًا للغاية بشأن الأسواق الناشئة في العام الجديد، إذ لا تزال العوامل الداعمة لها قائمة، مثل الفائدة المنخفضة التي تدفع المستثمرين للبحث عن الأصول ذات عائدات مرتفعة.

يبلغ إجمالي حجم الثروة في أسهم وسندات الأسواق الناشئة ما يزيد على 27 تريليون دولار الآن، أي أكبر من اقتصادي الولايات المتحدة وألمانيا معًا، لكن مجموعة الأخطار ستظل تحوم في أفق هذه الأسواق وتنذر بتحول درامي في الأحداث أو على الأقل تقويض الفرص.

خلال قمة مجموعة السبع في فرنسا، خلال أغسطس الماضي، ادعى “ترامب” أنه تلقى مكالمات من الجانب الصيني بهدف بدء جولة جديدة من المفاوضات لإنهاء الحرب التجارية، لكن مصادر لم تسمها وسائل الإعلام الأمريكية قالت إن ذلك غير صحيح، وإنها مجرد محاولة لمنع هبوط الأسواق.

رغم أن المفاوضين الصينيين والأمريكيين أعلنوا مؤخرًا التوصل إلى المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري المزمع، لكن سلوك “ترامب” في معالجة المشكلة العالقة واحتواء مخاوف المستثمرين يعكس الكثير عن أولوياته، والتي بالطبع تركز على تهدئة الأسواق حتى لو عبر أخبار زائفة.

لكن “ترامب” ليس الخطر الوحيد الذي يواجه الأسواق الناشئة في 2020، فهناك أيضًا السياسة النقدية الأمريكية، حيث يتطلع المشاركون في الأسواق لمزيد من الوضوح حول المسار التالي للاحتياطي الفيدرالي وأثره على الدولار، لأن ذلك ينعكس بدوره على الأسواق النامية والناشئة، خاصة تلك التي لديها ديون دولارية كبيرة.

إذا استمر البنك المركزي الأمريكي في تخفيف سياسته النقدية كما هو متوقع، وتوقف الدولار عن الارتفاع، فستكون الأسواق الناشئة أقل قلقًا، لكن إذ اضطر الفيدرالي إلى بدء التشديد (ربما إذا ارتفع التضخم فجأة)، فإن الأسواق الناشئة ستصبح هشة وكذلك بقية الاقتصاد العالمي.

عادة، كان دور الدولار في الاقتصاد العالمي مرتبطًا بأدائه السعري مقابل العملات الأخرى، لكن هذه العلاقة تلاشت بسبب استخدام “ترامب” المسرف للعملة الأمريكية كسلاح في معاركه المختلفة في السياسة الخارجية، وهو ما دفع عدة بلدان للبحث عن سبل لمعالجة هذه المشكلة.

الخطر الثالث الذي يواجه الأسواق الناشئة هو الصين، التي ما زالت توصف هي نفسها بـ”السوق الناشئ” وهو الأمر الذي يراه البعض غير مناسب نظرًا للدور الواسع الذي تلعبه في الاقتصاد العالمي والإسهامات التي تسهمها في اقتصادات العديد من البلدان الأخرى.

على أي حال، يبدو أن الصين ستحتفظ بهذا اللقب لفترة من الوقت، ما دام دخل الفرد فيها يتخلف عن مثيله في الاقتصادات المتقدمة، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الاقتصاد الناشئ الأكثر أهمية يواجه مخاطر تراجع النمو في عام 2020 إلى ما دون 6%.

ستكون هذه خيبة أمل كبيرة لأولئك الذين ركزوا على معدل نمو قرب 7%، والأسوأ أنه من المرجح أن يكون عام 2020 بداية لعقد تحقق خلاله الصين متوسط نمو يبلغ 5.5%، ولا يمكن توقع أكثر من ذلك خاصة مع تقدم القوى العاملة في السن.

في النهاية، إذا قرر “ترامب” أن يكون لطيفًا، فسيظل الاحتياطي الفيدرالي ينتهج نهجًا هادئًا هو الآخر، وربما يساعد ذلك في استقرار معدل نمو الصين عند 6%، هو بالتأكيد ما يساعد الأسواق الناشئة على تقديم أداء جيد في 2020.

لا شك أن هذه القضايا حساسة ويجب مراعاتها، وتدهورها سيؤدي إلى أحداث لا تُحمد عقباها، خاصة أن الأسواق الناشئة لديها الكثير من التحديات الخاصة، لكن الكثير منها تظهر علامات تحسن هيكلي، وهو ما يتمنى المستثمرون ألا يتعثر بفعل عوامل خارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى