العجمي: لا يمكن أن أصف لحظة تناول الشباب لكتابي
النشرة الدولية –
فتح فضاء “بیت السرد” بابه لثلة من الشعراء وکتاب السرد لنتناول “شعرية السرد” من خلال نصوصهم، من بینهم الشاعرة سوسن العجمي عن ديوانها “کتاب اللیل” الذي کان موضوع ورشة قمنا بتأطيرها مع ثلة من هواة الشعر والادب (تسنیم النمري وآية الحسناوي ومریم ومرام العرفاوي واسامة الجلاصي ورسلان الحاجي بالتنسيق مع الأستاذة صابرین المهداوي).
حوارتها هيام الفرشيشي –
حول هذا اللقاء کان لنا الحوار التالي مع الشاعرة سوسن العجمي التي قالت: کل البيوت قابلة للفناء وترسم أطلالها في عيون الشعراء، سواء أكان البيت مسرحا أو قاعة أوبرا. ويثقل الحنين إلى “بيت السرد” هو فناء الذاكرة المبدعة، هو ضرب من استرسال نسقي لمشهد، أو صورة أو حنين، أو تفاصيل أو قلم متصل بجسوم كونية يحركها كما يشاء ويجعلها طيعة. فننحرف مع شوارع وأزقة بن عروس، ونصعد الربوة ونقف أمام دار الثقافة. فنتجه إلى مقهى طالما احتوى دواخلنا مع أقلام مبدعة، وكتبنا معا لحظة صباحية أو مسائية.
وأضافت: علاقتي بهذا البيت لم تكن منقطعة ككل البيوت لأنه ينشئ عوالم مختلفة واليوم قرر دون تفكير أن يقوم بعملية جلب. استدرج البيت أقلاما شابة كي تترعرع في رفوف مكتباتهم الثرية بالإبداع. اليوم هم يجربون النقد، والنقد رجل كبير طاعن في الصنعة. الناقد هو الذي يحدد هوية الرموز والقصد والصورة والأسلوب.
أحب الشعر التونسي وأفاخر بثرائه لكن لا نجد عناية حقيقية تشمل المبدعين. أنا ضد تقزيم المبدع التونسي الذي يجد نفسه خارج بلاده أحيانا كثيرة خاصة في الصحافة المكتوبة
رأيت نقادا كبارا أنا، رأيت أسئلة طافحة في عوالم الدهشة، رأيت أطفالا يقرؤون كتابي فكيف لا أبحث عن تجليات الملك بين أعينهم. كيف لي أن لا أعقد علاقة ثانية مع الله وأبايعه يا الله أبايعك كما بايعك جبريل في نقل كتابك لمحمد أن أبقى أكتب حتى حضوري إليك لأجل عيون من قرأ كتابي وأعجب به وكتب عنه وناقشه من أشبال.
كانت الجلسة ممتعة. كان الدفء يملأ القاعة والأمطار غزيرة في الخارج، وكأنّ الشباب الموعود بالقلم أرسل شذرات من روحه تعانق أرواحنا. نحن معك کمشرفة على “بیت السرد” مع رحيم الجماعي ورفيعة بوذينة وفائقة القنفالي وصابرين المهداوي والدكتور الباحث في علم الاجتماع علي الظاهري وبقية الحضور .
لا يمكن أن أصف لحظة تناول الشباب لكتابي، وما أنتجته الورشة التي أعلنت عنها سابقا على شاكلة صور ناطقة لأن ما حدث أبلغ بكثير من مجرد رقن أو توصيف، الأحداث الخارقة للعادة قليلة وأنا أصرّ على أن هذه التجربة خارقة للعادة لأني عشتها سابقا في رجيش التي صارت أكثر كآبة من الحزن مثلها مثل “سمرّاء”.
وقالت العجمي: كان حوارنا فاعلا ومؤثرا يصب في نهر البلاد عينة من اليافعين، على الثقافة التونسية أن ترعاهم كما ترعى المحارة لؤلؤتها.
أما عن كتابها “كتاب الليل الذي خصصته سوسن العجمي لموضوع الليل وتجلياته، وهل هو “كتاب حلمي” قالت الكاتبة: كتاب الليل أسميه حالة قدّت من معادن نفيسة القمر .. النجوم .. الألوان. كلها حياة عشتها لم تكن حياة عادية بل مرفهة أحيانا وأحيانا أخرى قاسية ومعتمة.
“كتاب الليل” أو غيره من الكتب التي كتبتها أو المخطوطات التي لم تنشر بعد، من المستحيل أن أدرجها في باب قصائد حلم أو بها قصيدة واحدة أعتبرها من قصائد الحلم.. لم أكتب ما يقنعني بعد، ولم أجد إلى الآن ما أصبو اليه مادامت كتاباتي لم تنقلني بعد من حال إلى حال، ولم تنقل بلادي من وضع الى وضع. كل محرّكي العالم منذ عصور فلاسفة وكتاب حتى الدكتاتوريين أصحاب العين الحمراء والنظرة الشريرة كتاب.
ونسألها عن كيفية تعاملها مع الشعر فتقول: كنت طفلة لثغاء لا أتقن نطق حرف السين في سن مبكرة أتدرّب على هذا الحرف الذي أرّقني، أقرأ كتب أخوتي ولم أدخل بعد باب المدرسة. من المؤكد أن هذه الكتب الكبيرة تقرٶني، أستدعي الشخصيات وأخاطبها، لا أبالغ وأنا أنظر في ملامح “تانتان” أصعد الكرسي وأفتح الرف فتسقط الكتب على رأسي وأتأرجح إلى الخلف. أعتبر نفسي مولودة المعنى من أول غيمة في السماء إلى آخر قطرة ماء في المحيط.
الشعر بدأته عبر أمنية أن أكون شاعرة كبيرة في سن يعدّ على الأصابع.
وعن مسرحيتها الشعرية “شفرة الريح” تقول العجمي: هي مسرحية تحمل كل شروط هذا الجنس الأدبي بدقة تفاصيله. تحدثت عن اللاّمعقول بحدس كونيّ جمعت فيه الكل برموز شتى وإيحاءات ممتلئة بالحنين إلى أرض خالدة يرتفع في أرجائها صوت القاضي العادل والشعب المهزوم والوطن المكلوم. في “شفرة الريح” لم تكن الأصوات رقيقة بل كانت حادّة نظرا لواقع سياسي مهترئ، قمت بتوليد المعاناة إلى صور شعرية وشخصيات ممسرحة. كانت الصورة مستحضرة في الذاكرة. استعدت أحداث الثورة وولّدت منها صورا جديدة إشارات وأماكن من صنع الخيال.
وهي ترى أن الرمز في كتابة الشعر عبارة عن مرصد تطلّ من خلاله على الواقع. هو مجموعة مفاتيح تعزل هشاشة الحياة وإرهاصاتها من جهة، ومن جهة أخرى تستعمله لتزيد من التباس القضايا دون الدخول إلى مباشرتية مقيتة. وتقول: التلميح ينتصر على التصريح، الرمز يجعل المتلقي يقرأ مرة واثنتين وثلاثا مع وجود الصورة الشعرية وعمق المعنى، لا أعتبره قناعا، أسميه ضرورة شعرية. في الأقوال التي يقولها العامة سنسميها شعرا إذا تخلينا عن الرمزية والإيحاء في الشعر وجب الخروج من التفاصيل العادية إلى العجيب.
وعن المشهد الشعري التونسي، ترى سوسن العجمي أن المشهد الشعري التونسي على أجمل ما يرام كتابة، لكن عناية وتشريفا من سلطات الإشراف يبدو الأمر محيرّا ولا أفهمه. يدفن الشاعر وتحمل الورود خلف جنازته. أنا أحب الشعر التونسي وأفاخر بثرائه لكن لا نجد عناية حقيقية تشمل المبدعين. أنا ضد تقزيم المبدع التونسي الذي يجد نفسه خارج بلاده أحيانا كثيرة خاصة في الصحافة المكتوبة.