صبحي الطفيلي: نأمل بأن يأتي مقتل سليماني بالفرج* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
أول أمين عام لـ “حزب الله” اللبناني الشيخ صبحي الطفيلي الذي عُرف بمواقفه الرافضة للسياسة التي ينتهجها الثنائي الشيعي في لبنان (حركة أمل وحزب الله)، والتدخل الإيراني في العراق، كان له موقف بارز بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، بضربة أميركية في العراق، حين قال “على العراقيين طرد الأميركيين وعملائهم من العراق… وعلى إيران أن تتأدب”.
الشيخ الطفيلي، الذي انتُخب أول أمين عام لحزب الله عام 1989 قبل أن يتسلم قيادة الحزب الشيخ عباس الموسوي عام 1991، قاد “ثورة الجياع” عام 1997 ما دفع بالحزب إلى إصدار قرار بفصله لإعلانه العصيان المدني على الدولة اللبنانية احتجاجاً على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشيعة في لبنان.
“اندبندنت عربية” كان لها لقاء مع الأمين العام السابق لـ “حزب الله” في بيته في مدينة بعلبك (البقاع الشمالي)، فكيف علق على مقتل اللواء قاسم سليماني؟ وماذا يقول بعد مرور 23 سنة تقريباً على ثورته الاحتجاجية.
حول مقتل سليماني
يقول الشيخ الطفيلي عن قراءته لحدث مقتل سليماني، “أنا لا أعرف سليماني شخصياً. وربما جاء اغتياله بقرار من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، كي يدعم موقفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. مقتل سليماني في هذا الوقت لا يعكس المشهد الذي يحدث في العراق، باعتبار أن مقتل متعاقد أميركي لا يبرر هذا الرد المبالغ به”.
وعن المعلومات التي سرت في الإعلام عن أن عملية الاغتيال جاءت بعلم إيران أو بالتنسيق معها، يجيب الطفيلي: “لا أعتقد أن الإيرانيين مجانين حتى يفكروا بالمشاركة أو التآمر على قتل سليماني، لأنه من أهم جنرالاتهم ويعتزون به، وهو كان قدم لإيران خدمات كثيرة بغض النظر إن كنا نؤيد ما فعله في المنطقة أو نعارضه”.
لا اعتقد أن الأمور ستصل بين أميركا وإيران إلى حد تدمير ما وصلا إليه من تفاهمات ضمنية
خدمات متبادلة
وحول تداعيات الحدث، واحتمالات أن يكون لبنان ساحة للرد الإيراني، يقول أمين عام حزب الله السابق: “في ما يتعلق بالرد في لبنان، أعتقد بشكل عام أن توسع إيران وتمددها في المنطقة جاء بسبب تناغم مواقفها مع الولايات المتحدة، وهما تبادلا الخدمات. ولا اعتقد أن الأمور ستصل بينهما إلى حد تدمير ما وصلا إليه من تفاهمات ضمنية، فهما حتماً سيسعيا إلى حفظ ماء الوجه أمام أتباعهم داخل إيران وخارجها، بالتفاهم مع الأميركيين على صيغة ومخرج لائق. كما حصل قبل فترة حين ضرب الصهاينة في بيروت المركز الإعلامي لحزب الله، حينها جرى التفاهم مع الإسرائيليين على مسرحية رد. الرد سيكون من هذا القبيل… ونأمل بأن يأتي مقتل سليماني بالفرج على المساكين والشعوب المسحوقة تحت الغطرسة الأميركية وجنون العظمة الإيرانية”.
“حزب الله” جزء من الفساد
وللشيخ صبحي الطفيلي رأي لافت حول دور حزب الله وموقفه من الانتفاضة الشعبية في لبنان، إذ يقول: “حزب الله جزء من النظام، بالتالي هو يتحمل جزءاً أساسياً من الفساد، خصوصاً أنه الأقدر على الإصلاح ويُعتبر الأكثر مسؤولية في هذا الشأن، ولكن انهيار الفساد يعني انهيار حزب الله. حينما نقول انتصار الانتفاضة أو انتصار العدالة أو هزيمة الفساد، يعني هزيمة كل أركان الفساد، ولا يستطيع هنا الحزب أن يدافع عن نفسه ويقول أنا لست جزءاً من الفساد وهو المدافع الأساسي عن المفسدين. عام 1997 وقف في وجه ثورة الجياع والدعوة إلى الإصلاح هو وإيران وسوريا. حينها كانت الدولة اللبنانية قريبة من أن تستجيب للمطالب، ولو نجحت ثورتنا حينها، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. كما أن حزب الله يحمي الفساد خارج منظومته وداخلها، التي تضم الكثير من المفسدين، وإن كانت أسماؤهم غير ساطعة مثل الآخرين، لذا نراه يتمسك بهذه المنظومة ويرعاها، وهو أصر بشكل لافت على بقاء الحكومة ومنع استقالتها، ثم حاول أن يجددها وبقي شهرين تقريباً مصراً على الرئيس سعد الحريري، وأن يعود بحكومة كسابقتها. هو الوحيد الذي أصر بشكل لافت على بقاء الحكومة والدفاع عنها”.
ولا يتوانى الطفيلي عن تسمية جميع من هم خارج المنظومة، والذين يحميهم حزب الله، ففي رأيه: “كل الأسماء اللامعة، الزعامة الدرزية والسنية والمارونية وعلى رأسهم الزعامة الشيعية، كلها من دون استثناء متأصلة في ممارسة الفساد”.
الراعي الأول والحامي للفساد في البلد هو حزب الله… كلهم يرغبون أن يكونوا سباقين في ممارسة الفساد، لكن ما يمنعهم هو ضعفهم
وعما إذا كان يقصد الثنائية الشيعية عندما يتحدث عن زعامة الطائفة، يقول: “لا ليس الثنائية، أقصد أن الراعي الأول والحامي للفساد في البلد هو حزب الله، كلهم يرغبون أن يكونوا سباقين في ممارسة الفساد، لكن ما يمنعهم هو ضعفهم. بعضهم لديه رغبة جامحة للنهب لكن سيفه قصير، ولكن من ينهب أكثر هو الذي يملك سيفاً طويلاً، كزعامة حركة أمل”.
إيران تحمي الفاسدين
وكان الطفيلي قد وصف الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي بأكبر حام للفساد في العراق ولبنان، وأن من قتل أكثر من 250 شخصاً وجرح 11 ألفاً، هم مسلحوه، وأضاف”كما قتلنا مسلحوك في لبنان”، وعن ذلك يقول: “الحزب يأتمر مباشرة وبشكل كامل بالأوامر الإيرانية، باختصار السياسة التي يتبعها حزب الله في لبنان هي سياسة تعتمدها إيران، وطهران تريد حماية الفاسدين في لبنان وليس من مصلحتها أن تكون هناك دولة أو اقتصاد ناجح، أو أن تكون هناك لحمة بين اللبنانيين. المعادلة واضحة كلما ضعف لبنان كلما استطاعت إيران أن تمسكه والعكس صحيح، كلما تمتع البلد بالقوة على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، كلما ضعُفت قبضة الخارج. إذاً من مصلحة إيران أن تتلاشى قوة لبنان بشكل نهائي وهذا ما فعلته”.
“الأمر الثاني، لا أحد ينكر أن في سوريا ديكتاتورية فاسدة وطاغية وقاتلة، والشعب السوري حاول أن يتحرر، وأن يبني دولة كريمة، وأن يلحق ركوب العدالة. إيران وعلى لسانها أعلنت أن رئيس النظام السوري بشار الأسد كان يفكر بالرحيل، لكنها ضغطت عليه وطلبت منه البقاء، وجهزت لحرب أهلية في سوريا، وقالت إنها تتحمل كامل المسؤولية عما جرى لاحقاً، وهي التي زجت بشيعة لبنان تحت عنوان حزب الله في الحرب السورية، هذه الحرب الظالمة على الشعب السوري وعلى المنطقة، وعندما فشلت اضطرت للاستعانة بالروسي الذي قضى على البلد. طهران تتحمل مسؤولية قذرة عما حصل في سوريا”.
من قتل حوالى 500 عراقي و200 ألف جريح من المتظاهرين؟ من يقوم بخطفهم واغتيالهم أمام بيوتهم؟
“أما في العراق الذي يشبه لبنان، ونحن لا نتحدث عن احتمالات أو تصورات أو تكهنات أو تحليلات أو ما قيل لي، أنا كنت شاهداً، الإيرانيون هم أنفسهم سعوا جاهدين للتحالف مع الأميركيين، وأرغموا الحركات السياسية الشيعية المعارضة في ذلك الوقت لصدام حسين، على تقديم الطاعة والولاء للولايات المتحدة. وبالفعل لم يدخل الأميركيون إلى العراق إلا بالتفاهم والضمانة من إيران على أن يكون الشيعة في خدمة الغزو الأميركي وهذا ما حدث. إذاً فقد دخلت الولايات المتحدة إلى العراق بالتعاون والتنسيق مع الإيرانيين وكانوا حلفاء عملياً على الأرض. والحشد الشعبي الذي تستغيث منه أميركا اليوم هو ربيب التفاهم بينها وبين الإيرانيين. العراق بلد غني جداً، ثاني أكبر احتياط بترول في المنطقة، وإمكاناته الاقتصادية هائلة، وها هو منهوب بالكامل وباعتراف الجميع، وظلم وقُتل أبناؤه بشكل مروّع. واليوم هناك تظاهرات ليست أميركية ولا إيرانية، هذا صراخ الناس من جوعهم. من قتل حوالى 500 عراقي و200 ألف جريح من المتظاهرين؟ من يقوم بخطفهم واغتيالهم أمام بيوتهم؟ هناك مجازر في الساحات وإلى الآن السلطات العراقية لم تكشف في أي من تحقيقاتها حول ما يجري لإنها جزء من منظومة الفساد. بماذا يطالب العراقيون، يطالبون بدولة عدالة ودولة قانون وبحكومة غير فاسدة؟ لمَ يقف الإيرانيون في وجه الانتفاضة ولمَ يطالبون السلطات العراقية بالحزم؟
“وكما الولايات المتحدة ليس من مصلحتها أن يكون لدينا دول قوية عزيزة وعادلة وشعوب منيعة، كذلك إيران يهمها أن يبقى العراق ضعيفاً كي تتمكن منه، مثله مثل لبنان… آلامنا وجوعنا وقهرنا وإذلالنا يصبون في مصلحة هاتين الدولتين. هناك نوع من الغزل بين الأميركيين والإيرانيين، جاء على ظهر العراقيين والعاصمة بغداد، ومن قام بضرب السفارة الأميركية وبعض المواقع الأميركية، رداً على الهجوم الصاروخي في كركوك والذي أسفر عن مقتل أميركي وإصابة العديد منهم. إنها السياسة الإيرانية، من مصلحتها إشغال العراقيين علهم ينسوا جوعهم وآلامهم تحت عنوان الأميركي المحتل، كي يأخذوهم إلى مكان آخر لإفشال التظاهرات، عندها يستطيع الإيراني أن يتابع ما بدأه على الأراضي العراقية تحت عنوان الصراع مع الولايات المتحدة. أميركا تتصرف بالطريقة نفسها، كلاهما يريد السوء للبلد، الإيراني يقتل المتظاهرين والأميركي يقتل الحشد الشعبي وكلاهما من الشعب العراقي المظلوم”.
الشيعية السياسية تأخذ منحى متطرفاً
ولا يوفر أمين عام حزب الله السابق الدول العربية من سهام انتقاده، بسبب غياب المشروع العربي الذي يستطيع أن يواجه الهيمنة الإيرانية، ووقف تدخلات الولايات المتحدة، فيقول: “لا توجد دول عربية، هناك أقزام صهاينة، هناك من يفتخر أن صديقه هو بنيامين نتنياهو. الأنظمة الحاكمة في بلادنا، أنظمة مدعومة من الغرب، بلادنا مباحة، ولهذا عندما تنتفض الشعوب تُقمع ويُدعم القامع.
هذا بالنسبة للأنظمة، أما الشعوب فكريمة وتدفع دماء. في فلسطين كل القهر وكل الظلم وكل الاستباحة، والنساء والأطفال والرجال داخل وخارج السجون لم يستكينوا، هذا شعب كريم. الشعب السوري دُمر وهجر وأُذلَ في كل بلد هُجِّر إليه، ووضعه في لبنان شاهد على ذلك وما زال السوريون صابرين. في لبنان وفي العراق مع كل القهر والقتل، شعب يقف في الشارع يُقتل ويُجرح ويبقى صامداً، هناك مشهد لشاب عراقي يحمل رايةً، والرصاص من حوله، لم يتحرك من مكانه بقي صامداً بوجه الرصاص. الشعب الليبي يتحمل أيضاً الكثير. في السودان أيضاً تظاهرات لإسقاط النظام، أدخلوا الجيش وأتوا بالحاكم الحقيقي من الجيش، ممنوع على الشعوب أن تحكم. شعوب المنطقة شعوب حية قوية تضحي، وهي شجاعة واعية على الرغم من الظلم والقهر والبطش والعدوان والفساد”.
يجب أن يُفهم بوضوح أن التمدد الإيراني في المنطقة بالشكل الذي حصل في لبنان وسوريا واليمن والعراق حتى في بعض دول أفريقيا، كان يحصل تحت أعين الأميركيين
على الرغم من كل الانكسارات العربية نرى أن إيران تستطيع تحقيق مطامعها. ماذا يعني أن تكون شيعياً في هذه الأيام؟ في وقت تأخذ الشيعية السياسية في المنطقة منحى متطرفاً، بخاصة بعد تدخل حزب الله في الحرب السورية؟ سأتكلم عن حادثة جرت بين وزيرَي خارجية الولايات المتحدة (مايك بومبيو) وإيران (محمد جواد ظريف)، قال الأميركي نحن لا يوجد لدينا مانع من تعزيز وجودكم في المنطقة. يجب أن يُفهم بوضوح أن التمدد الإيراني في المنطقة بالشكل الذي حصل في لبنان وسوريا واليمن والعراق حتى في بعض دول أفريقيا، كان يحصل تحت أعين الأميركيين. لو كنا مكان الأميركيين وعيوننا على منطقة غنية اقتصادياً وحضارياً، وتشكل قوة مرعبة إذا ما نهضت، كنا مارسنا السياسة الأميركية نفسها، أي تشجيع جهة لا تستطيع أن تكون مستقبل المنطقة، الشيعة لا يمكن أن يكونوا مستقبل المنطقة، إذ إنهم طائفة جانبية في العالم الإسلامي وفكرها ليس مقبولاً، ولا يمكن لأحد أن يدافع عن هذا الفكر، يوجد جوانب في الفكر الشيعي لا علاقة له بالإسلام ولا بأهل البيت ولا بالإمام علي بن أبي طالب ولا بأحد. هذا الفكر قدم من ديانات غريبة عن المنطقة، لا يمكن له أن يسوق، فضلاً على أنه نحنا مجموعة عددية ووجودياً متواضعين، لا يمكن لنا أن نشكل مستقبل المنطقة، مستقبل المنطقة يشكل من قبل السواد العام للمسلمين وهو ما يعرف اليوم بالعالم السني. الوجود الشيعي مجرد معيق، حيث أن هذه الوجود إذا كبر وأصبح ذي فعالية، فإن فعاليته سوف تكون ضارة للأمة وليس نافعة على الإطلاق. من هنا تأتي مصلحة الولايات المتحدة بتمكين الشيعة”.
لست سنياً ولا شيعياً
ويبرر الطفيلي كلامه هذا رغم انتمائه للطائفة الشيعية، بالقول: “نعم، لكن أنا لست سنياً ولا شيعياً، أنا أعمل ما يقوله القرآن، لأن ما يفعله السنة اليوم لا علاقة له بالصحابة وبرسول الله، وما يفعله الشيعة لا علاقة له برسول الله وبأهل البيت والقرآن، بل له علاقة بمشاريع أخرى. نحن لا نتاجر بالدين، مَن يتعامل مع ربه ليس بحاجة للتصفيق والتهليل. الإيراني يتاجر بالدين، ومن هنا فتح له الأميركي الأبواب، فدمّر لبنان وسوريا واليمن.
كل مَن يريد أن يدخل إلى المنطقة يستخدم إيران المذهبية لتحقيق أهدافه ومآربه. بغض النظر عن أن صدام حسين ديكتاتور وفاسد، لكن لولا الدعم الإيراني ما كانت الولايات المتحدة قادرة على الدخول إلى العراق وإسكات الشيعة وجعلهم في خدمة المركبة العسكرية الأميركية. هذه حقيقة، واليوم لا يحق لأحد من الإيرانيين أو من حلفائهم، أن يهاجموا الأميركيين، أنتم المسؤولون أو أنتم المجرمون، إذا الأميركي قتل عراقي فأنتم شركاء، وإذا الأميركي أساء إلى فلسطيني أنتم شركاؤه، وإذا الأميركي ضرب سوريا فأنتم شركاء، لأنكم أنتم مَن أتيتم بهم إلى المنطقة، وأنتم تآمرتم على المنطقة، وأنتم مَن دمَّر المنطقة. أنا قاتلت الأميركيين بضراوة، وأقف ضدهم (الإيرانيين) كوقوفي بوجه الأميركي”.
الإيراني استخدم لبنان تحت عنوان المقاومة
وعن الذي تغيّر في سياسة حزب الله بعدما غادره، وأين أصبح مساره الآن؟ هل ما زال مقاومة؟ أو أنه تسيّس وأصبح من أحزاب السلطة؟ يجيب: “الحزب، مؤسسة بُنيت على ضوء أفكار، لا أحد في هذا العالم يخطو خطوة من دون أن يخطط لما يفعل. بعدما انهار لبنان وسقط بيد الإسرائيليين واستسلم كل الجهابذة في لبنان، وعلى رأسهم رئيس حركة أمل نبيه بري، وجدنا أن البلد احتُل وانتهى الأمر وأصبحنا جزءاً من الفلك الصهيوني، وأصبح لبنان نجمةً تدور حول إسرائيل. اضطررنا حينها، وأنا رجل دين ولست جنرالاً، لكن الضرورة لها أحكام، وكانت لنا علاقة حسنة بالإمام الخميني حينها، وكانت هناك ثورة في إيران، وكنت في إيران قبل الثورة وبعدها، فاستفدنا من هذه العلاقة، كي يقدموا لنا دعماً. العمل العسكري والتحرير يحتاج إلى إمكانيات. لكن مثل كل الدول ومثل كل الناس التي تملك مشاريع دنيوية ومصلحية، الإيراني حاول أن يستخدم لبنان ويقبض على الناس تحت عنوان المقاومة. في تلك الأيام كنت على بينةٍ، فأنا لست بأعمى، وكنت أعرف أنني لست فقط أقاتل العدو الإسرائيلي. أريد أيضاً أن أحمي اللبنانيين من مشاريع هيمنة ليست لمصلحتهم، أذكّر في هذا الإطار أنه كانت للإيرانيين مشاريع عسكرية بعيدة عن المقاومة، هم دخلوا في حروب مذهبية في زواريب بيروت وعمليات اغتيال”.
وبصراحة معهودة عنه، يشرح الطفيلي من هم وسائل الإيرانيين لتحقيق غاياتهم، بالقول: “أشخاص لبنانيون، نحن استعنا بكوادر عسكرية إيرانية وبخبرات، هؤلاء الكوادر كانوا موجودين مع شبابنا حينها، وكان لدينا بعض الضباط نستعين بخبرتهم في موضوع التخطيط والتوجيه وما شابه ذلك في قتال العدو الإسرائيلي. استغل هؤلاء مكانهم وهاجموا مدينة النبطية (جنوب لبنان) في بداية الاقتتال بين أمل وحزب الله، إذ كان للإيرانيين مشروع إقامة دويلة في النبطية، مقابل دويلة حركة أمل في مدينة صور، ويصبح بالتالي لهم نفوذ خارج السيطرة السورية. اشتبكنا معهم حينها، وقاد الإيرانيون فتنةً لثلاث سنوات بين حزب الله وحركة أمل. الإيرانيون يتحملون كامل المسؤولية. أحلنا قيادة العسكر إلى المحاكمة لأن المعارك أتت مخالِفة لأوامري، لكن الإيرانيين أتوا بوفد وذهبوا إلى أعضاء الشورى وطلبوا ألا يُحاكَم مواطنيهم، وكان معهم رسالة من طهران موجهة إليّ، مفادها بأنهم لا يريدون محاكمة العسكر، لكني بقيت مصرّاً على رأيي بالمحاكمة. وتبيّن لاحقاً أنه وبطريقة دنيئة وغير محترمة، كلّف الإيرانيون حسن نصر الله بقيادة العسكر، من دون علمي، وما كنت أحسبه تمرداً عسكرياً ليس بتمرد، بل أنهم بالحقيقة كانوا يطيعون أوامر القيادة المتمثلة بحسن نصرالله وخامنئي. نحن كنا ضد مشروع الفتنة الإيرانية، نعم أنا كنت الأمين العام لحزب الله في ذاك الزمان، لكن مَن قتل ومَن فتن كنت أريد أن يحاكَم، وفي جلسة مع لجنة أتت من إيران تحت عنوان علاج الفتنة مع حركة أمل، راوغوا بدايةً، وأخيراً قالوا طلبهم، وهو أن ننسحب وينتهي مشروع المقاومة. الإيراني صاحب الإمكانيات كلها، ومن يمّول مشروع المقاومة، هو مَن طلب وقفها، إذ قال لنا: لا يوجد مال للشهر المقبل، يعني انتهينا. وافقت حينها ولكن بشرط، الوفد كان يضم سفيرهم في بيروت وسفيرهم في الشام وأشخاصاً من وزارة الحرس ووزارة الأمن ووزارة الخارجية وعلى رأسهم الدكتور بشارتي، شرطي كان أن تقف المعارك بين حركة أمل وحزب الله، لأنها من دون سبب، قلت لهم أنتم أدخلتمونا في هذه المعارك، أريد ضمانة، لكنهم رفضوا إعطائي ضمانة، وأخيراً قلت، إما وقف الحرب وإما يكون رئيس الوفد وسيطاً بيني وبين نبيه بري وينقل رسائله لي من دون تدخل منكم، رفضوا أيضاً، حينها قلت: أنا الأمين العام لحزب الله وأعرف أن الأمانة بيدكم، أنا لا أريدها. نحن نعرف سياستهم منذ ذلك الزمان، ونعرف تلاعبهم وحيلهم، هم لا يخافون الله”.
بطريقة دنيئة كلّف الإيرانيون حسن نصر الله بقيادة العسكر من دون علمي وما كنت أحسبه تمرداً عسكرياً ليس بتمرد بل كانوا يطيعون أوامر نصرالله وخامنئي
وعما إذا كان الهدف الإيراني هو تسليم لبنان للقيادة الشيعية أي أن يصبح الحكم شيعياً كما هو حاصل في العراق، يقول الطفيلي: “هل بهذا الأسلوب وهذه الطريقة يصل الشيعة إلى الحكم، ماذا لديهم ليقدموه؟ كما يحصل في العراق الآن؟ جوع وقهر وإذلال، المداورة والمجلس التأسيسي الذي يُحكى عنه، مَن سيصبح رئيس جمهورية نبيه بري أو السيد حسن، هؤلاء فاسدون وهم مَن خرب البلد. في العراق رئيس الحكومة إيراني ماذا جنى العراقيون؟ الموت والقهر والنهب والإذلال. سيذهبون وسيُشتمون من الشيعة قبل غيرهم، وسيُلعنون كما يُلعَن الشيطان. الدول والحضارات لا تُبنى باللصوص ولا بالأرذال، تبنى بالرجال الكرام وبالعدل. لا أعتقد أنهم يريدون تغيير شكل النظام في البلد، هدفهم إضعاف المنطقة من حولهم، فتصبح متهتكة وهم الأسياد. إنها أمة محمد وأمة القرآن وأمة الإسلام وأمة حكمت البشرية أكثر من 1300 سنة، ليس بهذه السهولة يُقضى عليها، تارةً نتعاون مع الأميركيين عليها وتارةً أخرى مع الروس وطوراً مع الإسرائيلي”.
مشكلة لبنان سرطانية
وحول التحديات التي يواجهها لبنان بعد الانتفاضة الشعبية، يقول: “لو لم تُستفرد ثورة الجياع عام 1997 لكنا وفرنا على أنفسنا كل هذه السنوات من الألم والعذاب، والذي وصلنا له اليوم. الفساد في لبنان كبير جداً، أكبر مما يظن كل اللبنانيين. اللبناني البسيط لا يدرك فعلاً حجم الفساد الحقيقي، وكيف ينظر هؤلاء الحكام إلى الشعب اللبناني. قد يظن اللبنانيون أنه ببضع تظاهرات يمكن أن يعالج المشكلة، ولكن لا، لبنان مشكلته سرطانية، يحتاج إلى جهود وصبر وثبات، ومَن نظن أنهم على خلاف، هم في الحقيقة متفقون. الساسة زعماء الطوائف متفقون، ويمارسون خطة مجرمة لإكراه اللبنانيين وإخضاعهم لرغباتهم. أعتقد أن الأمور إلى الآن جيدة، قطعنا خطوات لا بأس بها، الانتفاضة يجب أن تستمر بزخم أكبر وبوعي أكثر وبضغط. كلما بقينا في الشارع، وكلما بقيت عيوننا مفتوحة على أخطائهم، نتقدم خطوة. ولبناء بلد عزيز وكريم ومحترم وعادل وحيوي، لا يمكن بناؤه بعقد أو عقدين من الزمن، هذا يحتاج إلى شعبٍ واعٍ وناضج، وأعتقد إن شاء الله أن غالبية اللبنانيين على هذا الطريق”.
ويستبعد الشيخ صبحي الطفيلي حصول حرب أهلية في لبنان، ويقول: “أنا مطمئن، لا يوجد حرب أهلية، لأن الإيرانيين عزيز عليهم أن يضيعوا السلاح الذي يحموا به إسرائيل بحرب أهلية داخلية. السلاح الذي نعتقد أنه يحمينا يحمي حقيقةً الحدود الإسرائيلية، والأميركي حماهم في لبنان طوال هذه الفترة ودعمهم لأنهم يحمون إسرائيل. لنفترض أن حزب الله خرج من الحدود، مَن سيؤمّن حماية بديلة كحماية حزب الله، لا الإيراني مستعد أن يفرّط بسلاح حزب الله، ولا الأميركي ولا الإسرائيلي. ولهذا اطمئنوا لا حرب أهلية لبنانية. الإيراني يعلم أيضاً أن حرباً أهلية داخلية ليست كلمة سهلة، في سوريا كان الإيراني ومعه اللبناني والعراقي والهندي والباكستاني والأفغاني والجيش السوري، ووصلت أرواحهم إلى رؤوس أنوفهم، ما اضطرهم إلى الاستعانة بالجيش الروسي، سلاح الدمار، حتى يمنعوا عن أنفسهم الموت. فالحرب الداخلية ليست كما يتخيل أحدهم أنه يستطيع أن يحسم النتائج، وإنها في جيبته ومضمونة”.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”