الأردن وطنٌ يتسعُ لِكل بَنيه
بقلم: الدكتور سمير محمد ايوب
إضاءةٌ على المشهد في الأردنِ
على وقع الاوراق النقاشية السبع لسيد البلاد، أقرأ متبصرا في كتاب الوطن وفي خنادقه، فأجد أن من الضرورة بمكان، تذكير كل من لا يزال من الرسميين بحاجة لتذكير، أن الولاء للوطن تحديدا، لا يُؤتى بِغِلٍّ أو بسيفٍ شديد. بل تأتيه العقولُ والقولُ السديد والفعلُ الرشيد. وأن أهمس في الوقت ذاته، لنفسي ولكل شريك في الوطن:
لا يَهمُّني إن اعتمرت غطاء لرأسك، كوفية أوعمامة أو قلنسوة أو طربوشا أوحتى برنيطة، حوافُّ أيّ منها افرنجية كانت أو بلديةَ التشذيب والتهذيب والتهديب. ولا يهمني بالطبع بأيّ لونٍ جمالي من ألوان قوس قزح صُبغت. فكل الألوان جميلة. إنتقاؤك لايٍّ منها، شأنٌ من شؤونك الضيقة الخاصة. أقف على مسافة واحدة من جمالياتها ورمزياتها، بلا محاباة أو تمييز.
ولا يهمني يا رعاك الله، إنْ كنتَ خريج الجامعة الأردنية، او العربية، او اليسوعية او الإسلامية او الأمريكية او جامعة باتريس لومومبا في موسكو.
أو إن كنت ما تزال مُجتهدا في الرأي، أو أغلقت على عقلِك أبواب الإجتهاد ، وحرمته نعمة التفكير والتدبر والتدبير. تلك تفاصيلُ بِهاراتٍ ومِكياجاتٍ ونكهاتٍ فلسفية، لكل منا له فيها أسبابه.
لا يهمّني إن كانت ميولُك الرياضية فَيصلية أو وِحداتية او برشلونية أو زملكاوية. أو إن كنت ممن يطربهم ويُشجيهم، تنويعاتُ سميرة توفيق، أو عمرعبد اللات، أو محمد العساف، أو سلوى أو عبده موسى، أو كوكب الشرق، أو مطرب الجيل، أو فهد بلان أو قيصر العصر، أو مارسيل خليفه أو الشيخ إمام أو أبو بكر سالم بلفقيه أو طلال المداح أو شادي الخليج.
أو إن كنت ممن يبتسمون أويقهقهون، في حضرة الرائع سمعة (موسى حجازين، الكركي تجميع الخليل على رأيه) ، أو الثنائي المبدع نبيل صوالحه وأمل الدباس ، أو عادل إمام ، أو فاطمه حيص بيص أو حسين عبد الرضا.
ولا يهمني ، إن كان شاعرك هو عرار أو حيدر محمود، أو حافظ ابراهيم أو الأخطل الصغير أو مظفر النواب أو تميم البرغوثي. أو إن كنت من متذوقي أدب غالب هلسه أو رشاد ابو شاور، أو تيسير السبول او سناء الشعلان او مؤنس الرزاز او الرائع محمود الشمايله (أسأل الله له ولكل مريض الشفاء العاجل والتام).
لا تهمني ثروات العائلة الكريمة، ولا حتى حسبها او نسبها. ولا إن كان والدك تاجرا أوصانعا أو حراثا أومرشدا سياحيا، أو حتى من عمال الوطن.
وبالتأكيد لك أن تطمأن، أنه لا يهمني بالقطع، إن كنت مِنَ الشرق أو مِنَ الغرب، أو من القوقاز أو الشيشان، أو من أي بلاد تركب ألأفيال. أو انك تصل بأصولك إلى عدنان أو قيس أو مضرأو تغلب أو تميم أو بني كلاب أو بني كعب. فتلك تفاصيلُ بصمتك المدنية، لا أملك حيالَها ضُرّاً ولا نَفْعاً.
أعشق مَنسفَك وأتلذذ بِمقلوبَتك. وتذكّرأنني من مُتذوقي المَطازيز والمَكبوس والبرياني والملوخية بالأرانب. وأضعفُ كثيرا أمام التبولة وسمك المسقوف . وأضطر لكسر حِميَتي أمام الكبة الموصلية أو الحلبية. تبَّا للسفهاء من المُرجِفين حَوْلي ومِنْ حولِك، فتلك مذاهبٌ فرديةٌ في التذوق.
المهم مُواطَنَتك التي لا تُنتج إرهابا، ولا تُهادِنُ سَيفه او كَلِمَه. حتى لو قيل لك إنه بإسم الرب وللرب مُهدى. فربُّ كلِّ الناس رحمن رحيم غفورٌ، وإن كان شديد العقاب. ومِنَ المؤكد انه لم يفوض سلطاته لأي ممن نعلم اليوم من خلقه.
المُواطنةُ المقنّنة ، هي المعبِّر الحقيقي عن حبنا لوطننا الذي به نعتز. إعلانات الولاء والتفاني للأردن، تبقى مجردة ونظرية في غياب الإحترام المطلق، لك ولي ولها ولهم ولنا جميعا، وللقوانين والتشريعات المدنية ايضا.
إن مسؤولية تطبيق وإنفاذ سيادة القانون، بمساواة وعدالة ونزاهة، تقع على عاتق الأذرع الإستراتيجية السيادية للدولة دون إستثناء. مبدأ سيادة القانون وقيم المواطنة الكاملة والإيجابية الفعالية ، لا يمكن لها أن تُمارَس بانتقائية او بمحاباة او بتغول.
لتعيشَ وطنَك مع كلّ شركاءك، وكي لا ترثي أحلامك فيه يوما ما، لا تكتفي بالتغزل به. بل ثِق بأن الأردن مع شُحِّ موارده، وطنٌ يتّسع لكلِّ بَنيه. وعلى قدر عملك الشرعي، يتسع لك الوطن. وتذكر أنّ مَنْ يُفسد الأوطان، هم الذين يظنون بلا وجه حق وبالإغتصاب ، أنهم هم وحدهم الحريصون، ووحدهم هم المصلحون، ووحدهم هم المعصومون.