لماذا تنفق دول الخليج بسخاء على قدراتها الدفاعية؟

النشرة الدولية –

بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، ظن الكثير من المراقبين أن الوقت قد حان لدول الخليج العربية الغنية بالنفط، أن تتنفس الصعداء وتقلص إنفاقها الدفاعي الذي كان يلتهم ما يقارب من ثلث ميزانياتها على حساب نفقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بحسب ما نشره موقع “إرم نيوز”.

لكن توقعات هؤلاء كانت خاطئة تماما؛ إذ أعطى سقوط صدام حافزا قويا لإيران بأن تطلق العنان لاستفزازاتها وتحرشاتها في المنطقة وتهديداتها لدول الخليج؛ ما أعطى بدوره حافزا لتلك الدول لأن تسرع من البرامج المكلفة لتعزيز قدراتها العسكرية للدفاع عن نفسها وحماية إنجازاتها الاقتصادية التي استنزفت منها مبالغ باهظة بعد اكتشاف النفط في العقود الماضية.

وشهدت تلك البرامج دفعة قوية عندما اكتسحت المنطقة العربية ما تسمى ثورات ”الربيع العربي“، التي نظر إليها على أنها تعد خلاصا لبعض الشعوب العربية المتطلعة للحرية، قبل أن تتحول تلك الثورات إلى اضطرابات عشوائية شرعت الأبواب للتدخلات الخارجية وزادت التهديدات لدول الخليج.

اتفاق 2015 النووي

وبعد أن هدأت الأوضاع بشكل نسبي تنفست دول الخليج الصعداء، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى عام 2015، والذي ظنت دول الخليج أنه سيضع حدا لتدخلات طهران في شؤونها ولاستفزازاتها ودعمها للنشاطات الإرهابية والتخريبية في المنطقة، ويدفع النظام في طهران إلى التركيز على تحقيق التنمية والرفاهية لشعبه.

وعلى الرغم من أن الاتفاق وضع بعض القيود على برامج إيران النووية، إلا أنه لم ينجح في تقييد أنشطتها المزعزعة للاستقرار، بل إنه أتاح لها توسيع تلك الأنشطة مع بدء تدفق الأموال للنظام في طهران، بعد قرار الولايات المتحدة وحلفائها تخفيف العقوبات عنها.

وقال محلل استراتيجي في مجلة جينز الدفاعية بلندن: ”أعتقد أن دول الخليج لم تشهد فترة هدوء وطمأنينة حقيقية ومتواصلة.. لهذا السبب أنا أدرك لماذا تخصص هذه الدول أموالا ضخمة لميزانياتها الدفاعية، وهذا أمر طبيعي جدا لأي دولة تشعر بأنها مهددة وأمنها في خطر، خاصة وأن دول الخليج لم تعط اهتماما كبيرا في عملية التسليح في السابق؛ بسبب تركيزها على بناء اقتصادها وبنيتها التحتية مباشرة بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية“.

وأضاف: ”أنت رأيت ما حدث عام 1990، وأيضا العام الماضي، وكيف تمت مهاجمة ناقلات نفط في الخليج ومنشآت إنتاج النفط في السعودية.. وترى الآن ما يحدث وما يمكن أن يحدث، وهذه في الحقيقة كلها أمور لا يمكن أن تعطي دول الخليج سوى الشعور بمزيد من الخطر وعدم الأمان“.

تركيز على سلاح الطيران

وتتركز البرامج الدفاعية والتسليحية لدول مجلس التعاون الخليجي على شراء أسلحة متطورة وتحديث التدريب ورفع عدد القوات المسلحة وتعزيز المنشآت العسكرية، بالإضافة إلى إقامة صناعات دفاعية متنوعة؛ بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص فاتورة الاستيراد الضخمة.

ومن أجل سد النقص في الموارد البشرية؛ نظرا لضآلة عدد السكان المحليين، ركزت دول الخليج بشكل كبير على سلاح الجو، من خلال الحصول على مقاتلات متطورة إلى جانب تعزيز قدراتها البحرية.

وبرزت دول المجلس ضمن أكثر دول العالم إنفاقا على القطاع الأمني والدفاعي في العقدين الماضيين نسبة لناتجها المحلي الإجمالي ونفقاتها العامة، التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط.

ارتفاع الإنفاق الدفاعي

وعلى سبيل المثال، يقدر خلال الفترة بين 2010 و2015 أن تكون دول الخليج قد أنفقت ما يزيد على 450 مليار دولار على القطاع الدفاعي والأمني، فيما قفزت هذه النفقات إلى أكثر من 700 مليار دولار في السنوات الخمس التالية؛ نتيجة الارتفاع الحاد في إيراداتها النفطية وتصاعد الأخطار.

وأشارت مجلة ”جينز“، إلى أن الإنفاق الأمني والدفاعي لدول الخليج قد يكون تجاوز 100 مليار دولار، العام الماضي، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، وإنه من المتوقع أن يواصل ارتفاعه في السنوات الخمس المقبلة، ليصل إلى أكثر من 117 مليار دولار عام 2023.

وقالت المجلة: ”يتركز الإنفاق الدفاعي لدول الخليج العربية على تحديث معداتها الدفاعية وقواتها العسكرية؛ بهدف تعزيز الأداء القتالي ورفع مستوى الاستعداد؛ بسبب التوترات في المنطقة“.

السعودية وعمان

ولم تورد المجلة حجم الإنفاق لكل دولة خليجية، إلا أن المملكة العربية السعودية تعتبر أكثرها إنفاقا على القطاع الدفاعي؛ نظرا لارتفاع عدد سكانها والتزاماتها الدفاعية المحلية والإقليمية.

وزادت المملكة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير في السنوات الماضية؛ ردا على التهديدات والاستفزازات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة عبر عملائها في اليمن ودول أخرى.

وتعتبر السعودية من الدول العربية القليلة التي تكشف عن ميزانيتها الأمنية والدفاعية السنوية، والتي بلغت العام الماضي 198 مليار ريال (52.8 مليار دولار)، وتم تخصيص 182 مليار ريال (48.5 مليار دولار) في ميزانية عام 2020، التي أعلنت قبل نهاية السنة الماضية، أي ما يزيد على 15 % من إجمالي النفقات العامة البالغة نحو 1.02 تريليون ريال (272 مليار دولار) وفقا لبيانات رسمية.

وفي سلطنة عمان، بلغ الإنفاق الدفاعي حوالي 2.62 مليار ريال (6.8 مليار دولار) في أول 10 شهور من العام الماضي، ما يشكل نحو 25% من إجمالي الإنفاق العام.

مشاريع دفاعية

وقال بنك الإمارات دبي الوطني في تقرير أصدره أخيرا: ”الإنفاق الدفاعي في دول الخليج يبقى مرتفعا؛ نظرا للأوضاع التي تسود المنطقة، وهي الآن تركز على إقامة مشاريع دفاعية وجذب الاستثمارات الأجنبية لتطوير صناعات عسكرية متطورة، رغم أن مثل هذه البرامج تتطلب وقتا“.

ورأى التقرير أن الإنفاق الدفاعي في السعودية سيواصل ارتفاعه في السنوات المقبلة؛ نظرا لالتزامات المملكة المتزايدة في المنطقة، مشيرا إلى أن المملكة تخطط لتوطين 50% من الصناعات العسكرية بنهاية رؤية 2030 في مجالات متنوعة، بما فيها المعدات الدفاعية والاتصالات وتقنية المعلومات.

وقد أدى ارتفاع النفقات العسكرية في دول الخليج إلى حدوث عجوزات كبيرة في ميزانياتها؛ ما أثر على مخصصات مشاريع التنمية والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ إن هذه النفقات لم تتأثر بالتقلبات الحادة بأسعار النفط، وبالتالي الإيرادات المالية لتلك الدول.

وظل الإنفاق الدفاعي في مجلس التعاون يشكل نسبة عالية من النفقات والناتج الإجمالي رغم تراجع الإيرادات النفطية؛ إذ يشير تقرير بنك الإمارات دبي الوطني إلى أن هذه النفقات بلغت عام 2018 حوالي 10.4% من الناتج المحلي الإجمالي، و27.6% من إجمالي النفقات العامة في السعودية، في حين بلغت على التوالي 5.7% و17.5% في الإمارات، و6.5% و10.5% في الكويت، و16.7% و29.6% في سلطنة عمان، و4.8% و12.4% في البحرين، و1.5% و4.9% في قطر.

عجوزات الميزانية

وترتبط ميزانيات دول الخليج بشكل وثيق مع إيراداتها النفطية التي تحكمها أسعار النفط العالمية؛ ولذلك رزحت ميزانيات معظم الدول الأعضاء تحت عجوزات كبيرة؛ بسبب التقلبات الحادة بالأسعار.

وعلى سبيل المثال، وصلت الإيرادات إلى واحد من أعلى مستوياتها عام 2013، عندما قفز متوسط سعر البرميل إلى 105 دولارات، إذ بلغ الدخل 284 مليار دولار في السعودية، ثم هبط إلى 261 مليار دولار عام 2014، بعد تراجع الأسعار إلى 96 دولارا، ثم هوت الإيرادات إلى 136 دولارا عام 2015، بعد أن انخفضت الأسعار بشكل حاد إلى 44 دولارا للبرميل، ثم وصلت إلى 117 مليار دولار و 139 مليار دولار عامي 2016 و2017 على التوالي، قبل أن تقفز إلى 237 مليار دولار عام 2018.

وعانت أيضا الإمارات والكويت من نفس المشكلة؛ إذ هبطت إيراداتها في نفس الفترة من 94 مليارا و97 مليار دولار على التوالي، إلى 76 مليارا و81 مليار دولار، ثم واصلت هبوطها لتصل إلى 43 مليارا و37 مليارا عام 2017، قبل أن تعاود الارتفاع إلى 74 مليارا و61 مليار دولار عام 2018.

وفي تقرير أصدره، الأسبوع الجاري، لخص المعهد الملكي للخدمات الدفاعية في لندن، وضع منطقة الخليج بهذه الكلمات القليلة:“إن مستقبل الأمن في منطقة الخليج بات واضحا جدا.. فتصاعد التوتر وارتفاع مستويات العسكرة سيصبح حقيقة واقعة، فيما ستبقى حالة التوتر عالية في الأمد المتوسط“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى