ضحى عاصي: “غيوم فرنسية” تكشف عن مصير جيش “المعلم يعقوب”
النشرة الدولية –
تصل الكاتبة المصرية ضحى عاصي في روايتها “غيوم فرنسية” إلى ضفاف زمنية بعيدة تجوب منطقة مفصلية في التاريخ الإنساني وغير مستهلكة روائيًا، تتبع بها مصائر أبطالها الذين فرقتهم خيارات الانتماء والهوية وأثمانها الفادحة التي بذلوها من أجلها.
تتبع “عاصي” قصة رحيل عدد من المصريين مع الحملة الفرنسية عام 1801 إلى فرنسا برفقة “المعلم يعقوب”، أحد أكثر الشخصيات جدلًا في التاريخ نظرا لتعاونه مع الحملة الفرنسية التي احتلت مصر بقيادة نابليون بونابرت، مُتكئة في سردها تارة على روايات التاريخ وتارة أخرى على التخيل.
وتناقش الكاتبة ضحى عاصي أحداث رواية “غيوم فرنسية” الصادرة عن دار “ابن رشد للنشر والتوزيع”، مساء السبت في مكتبة القاهرة الكبرى.
حازت ضحى عاصي أخيرا على جائزة “الأوليمب الأدبي” الدولية بروسيا عن مجموعتها القصصية “سعادة السوبر ماركت” التي تُرجمت إلى الروسية، ومن أعمالها أيضا رواية “القاهرة 104″، وفي الحوار التالي مع “العين الإخبارية” تتحدث ضحى عاصي عن عوالم روايتها الجديدة “غيوم فرنسية”.
أعمالك السابقة كانت أكثر ارتباطا بالحالة المصرية المعاصرة، ما الذي ألهمك لطرق عالم “غيوم فرنسية”؟
التاريخ في الأصل هو عالمي وعملي، وربما على العكس عندما بدأت الكتابة كنت أتحدى نفسي أنني أستطيع الكتابة عن المعاصر الذي تقريبا لا أعيشه، فقد قضيت أكثر من 25 عاما بين المعابد والمتاحف والأهرامات ما جعلني أصدق أن ما يفصل بيننا وبين ما نتصوره ليس بعيدا، وأن هناك ما يربطنا بماضينا.
ربما كانت لعبتي الدائمة البحث عن الرابط الخفي بين الماضي والحاضر، لذا فالكتابة في التاريخ هي في الحقيقة كتابة عن مصريتنا المعاصرة وعن الأسئلة التي تشغلنا، ولكن في حقب تاريخية مختلفة بتنويعات مختلفة، ولكنها تظل جزءا لا يتجزأ من حاضرنا.
في الرواية ساحات للحرب والقتال ورحلة إنسانية قاسية، كيف اقتربت لهذا الحد من تلك التفاصيل؟
قليلة جدا هي المصادر المتاحة عن المجموعة التي رحلت مع المعلم يعقوب، يمكن أن نقول إنها نادرة، ولذا لجأت للتخيل ولكن التخيل كان يحتاج إلى الدراية بمدخلات العصر.
وعلى عكس ندرة المراجع عن هذه المجموعة، هناك في المقابل وفرة شديدة ومتنوعة عن هذه الحقبة الزمنية، مثل الجبرتي ونيقولا ومذكرات رفاعة الطهطاوي، التي كانت بعد ذلك بحوالي 25 عاما ولكنها في وقت قريب نسبيا من مذكرات الضباط الذين شاركوا في الحملة، وكذلك مذكرات نابليون نفسه، والكتابات عن الثورة الفرنسية والأفلام والروايات الأدبية التي كتبت في ذلك العصر.
الصعوبة كانت في حصر تلك المصادر لأنني وعلى مدار كتابتي الرواية كنت أقرأ كل ما أتوصل إليه ويكون مرتبطا بهذه الحقبة التاريخية، حتى لو لم يكن له علاقة بموضوع الرواية بشكل مباشر.
أحيانا كنت أقرأ كتبا كاملة لم يكن بها حتى جملة واحدة تشتبك مع شخوص روايتي، ولكن هذا البحث ساعدني في أن أشعر بشكل كبير بأنني هناك في هذا الزمن وهذه الأماكن، وحقا أغراني مصير من رحل مع الحملة الفرنسية لأرض الثورة الفرنسية.
من واقع تجربتك، هل يستطيع خيال الروائي سد ثغرات نقص المصادر التاريخية؟
لا أعتقد أن خيال الروائي يستطيع سد هذه الثغرات بالتاريخ، ففي النهاية هي شخصيات وأحداث ساعدها هذا الخيال في قراءة هذا التاريخ وفتح أفق التصور وهذا يعطي فرصة أكبر للفهم وإعادة النظر فيه.
من المعروف أن المعلم يعقوب من الشخصيات النادر التطرق لها في التاريخ لما يثار حوله من جدل وهو ما تطرقت له الرواية، ما الذي مثله تناول هذه الشخصية؟
عندما بدأت الرواية لم أكن أبحث عن يعقوب، كنت أبحث عن الرجل الذي قرأت عنه في بعض المراجع أنه عاش في فرنسا وعلّم شامبليون اللغة القبطية، والتي استخدمها فيما بعد لفك رموز حجر رشيد والكتابة المصرية القديمة.
نحن المصريون لا نعرف عنه شيئا، وكان هناك أسئلة لم أجد لها إجابة مثل لماذا لا نعرفه رغم دوره المهم؟
في الحقيقة لم أجد إجابات واضحة عن هذا السؤال ولكنني اصطدمت بشخصية “المعلم يعقوب” الذي أسس فرقة من الشباب تحت اسم جيش المعلم يعقوب مكون من شباب مصريين ليكون نواة لجيش مصري بعد أن حرماننا من حمل السلاح وتكوين جيش من كل من حكم مصر منذ انتهاء عصر الفراعنة وجيوشه القوية.
اصطدمت بكل هذا الجدل حول شخص يعقوب والأسباب التي دفعته لذلك، وحاولت ألا أقع تحت إغراء شخصيته المثيرة، فكان بالنسبة لي متكئا لبداية النص الذي تحمل شخصياته الروائية تساؤلات وأزمات وأحلام لحظة فارقة من تاريخ مصر والعالم.
لكل شخصية في الرواية مفهومها عن الاختيارات والهوية والوطنية والحرية وصل بعضهم إلى حد الهلاك. حدثينا عن فكرة الاختيارات؟
مصر كانت في محك اختيار خلال هذه الحقبة، بين مستعمر عثماني حكمنا وقتها قرابة 300 عام ومستعمر جديد بشكل وأداء وروح مختلفة، وربما الإرهاصات الأولى لفكرة الوطنية المصرية كان أيضا في محك الثورة الفرنسية بأفكارها عن الحرية والمساواة والإخاء، وعروش ملوك أوروبا بنظمها القديمة تهتز، والبشرية كانت تحبو تجاه منظومة إنسانية جديدة بما فيها من الارتباكات والاختيارات والتمزق بين القديم المعتاد والجديد المجهول، فكيف تخلو الشخصيات الروائية من تأثير هذه التغيرات وارتباكاتها وتمزقها؟
في الرواية انحياز واضح للغة المكثفة الشاعرية واستخدام للأغاني القديمة، كيف صنعت لغة خاصة بالرواية؟
كل نص يختار لغته وما يعبر عنه، الأغاني أيضا مهمة جدا، يستطيع الروائي أن يستشف من خلالها اللغة المستخدمة في ذلك الوقت كما أنها مخزن للموروث والأفكار، فمثلا مقطع الأغنية التي أدرجتها في النص تساعدنا في قراءة المشهد بوضوح، فهم يغنون لجيش السلطان العثماني الغازي الذي أتى هو والإنجليز لطرد الفرنسيين.
هل كنت مستقرة على عنوان “غيوم فرنسية” من البداية أم كانت لك خيارات أخرى؟
لم يكن هذا العنوان الأول، وكنت أشعر مع كل عنوان أختاره بأنه يمثل جزءا من العمل، لذا كنت أبحث عن عنوان أكثر تعبيرا وشمولا.
في رأيك ما أكبر التحديات التي واجهتك في كتابة الرواية؟
تصوري أن أكبر التحديات كانت في الاحتفاظ للنص بروح التاريخ “الزمان والمكان والوعي” دون أن يؤثر ذلك على علاقة القارئ بالشخوص الروائية فيشعر بالغربة عنها ويفقد التواصل معها، وأتمنى أن أكون قد وُفقت في هذا.