ضاع جنى العمر أم لا: ما حقيقية رفع قيمة تعويضات نهاية الخدمة؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
تتحسّر “الممرضة” نجوى على جنى العمر، عملت سبعةً وثلاثين عامًا من حياتها في مهنّة لا تعترف بالتعب أو الإستراحة، ولا تفرّق بين ليل أو نهار، كما لا تحتمل أي خطأ. بظروف صعبة مرّت على البلد، تخللتها حروب وجولات من الإقتتال الداخلي، أكملت نجوى سنوات خدمتها، وشارفت على بلوغ سن التقاعد، لتجد أنّ مجموع تعويض نهاية الخدمة لا يتعدّى الـ 3217 $، ليس هذا فحسب ما يقلقها، بل تركِها من دون أيّ حماية اجتماعية في الفصل الأخير من حياتها. قصة نجوى تشبه قصص كلّ العاملين في لبنان، في القطاعات كافة، وإن بنسب متفاوتة، انهيار الليرة لم يهدّد معيشتهم فحسب، بل نسف حقّهم بتعويض مادي يعينهم خلال سنوات التقاعد.
بصيص أمل بان في الأيام الأخيرة، بإمكان إجراء تعديل في تعويضات نهاية الخدمة، وذلك بعدما درست لجنة المال والموازنة النيابيّة اقتراحًا بهذا الشأن، كان قد تقدّم به النائب طوني فرنجية في 1 كانون الأول عام 2020، بصيغة معجل مكرّر، يرمي إلى تعديل في صرف التعويضات المالية للصرف ونهاية الخدمة. ينصّ الإقتراح على إلزام مصرف لبنان في حال استحقّ تعويض الصرف من الخدمة ونهاية الخدمة لأيّ موظف أو مستخدم من موظفي القطاع العام، القطاع الخاص، والقطاع العسكري، بتحويل المبلغ إلى الدولار الأميركي، وفقاً للسعر الذي يحدّده مصرف لبنان في تعاملاته مع المصارف أي 1515 ليرة لبنانية للدولار الأميركي، على أن يتمّ السحب وفقاً لسعر السوق المعتمد في المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة، على أن لا تتعدى السحووبات 5000 دولار شهرياً.
جابر: قضيّة محّقة ونتابع مع مصرف لبنان ووزارة المال
لجنة المال أحالت الإقتراح إلى لجنة فرعيّة برئاسة النائب ياسين جابر لتتابع الموضوع مع المعنيين بتنفيذه، أي مصرف لبنان ووزارة المال. النائب جابر وفي اتصال مع “لبنان 24” لفت إلى أنّ تعديل صرف التعويضات “قضيّة محقّة بأبعادها الإنسانيّة والإجتماعية ولا أحد يستطيع إنكار ذلك. ونتلقى العديد من المراجعات بهذا الشأن، هناك ظلم طال الموظفين ولو أنّ بعضهم ظلم أكثر من غيره، فهناك من قبض تعويضه وفق سعر صرف 3900 ليرة وأنفقه. لذلك يحتاج الإقتراح إلى مقاربة علميّة حول مسألتين الأولى تأمين التمويل، وفق الإقتراح مصرف لبنان هو الجهة التي ستتحمّل الفروقات الماليّة، من أين سيأتي بالأموال لتغطية فارق التعويضات؟ من خلال طباعة المزيد من العملة بالتالي المزيد من التضخم؟ المسألة الثانية التفاوت الكبير بين الموظّفين، فهناك مثلًا من اختار المعاش التقاعدي على التعويض، ورفعُ الظلم عن فئة دون الأخرى سيخلق تناقضات، كما أنّ هناك القطاع الخاص الذي يتساوى مع القطاع العام بخسارة قيمة التعويضات، وطالما الظلم طال الجميع وليس فئة دون أخرى من الطبيعي أن تنسحب المطالبة لتشمل كلّ الفئات المتضررة، كما حصل في سلسلة الرتب والرواتب التي بدأت بالقضاة وفتحت الباب على باقي الموظفين”. لذلك أضاف جابر “نقارب القضية بشكل جدّي، وسنقوم بدراسة متأنّية تراعي هواجس مختلف الفئات مع مصرف لبنان ومع وزارة الماليّة، خصوصًا أنّ مشروع الموازنة العامة يفتقد إلى مقاربة حول العدالة الإجتماعية”.
وفق اقتراح القانون، تُطبّق الفقرة الأولى من هذا القانون على مبلغ 500 مليون ليرة كحدّ أقصى من مجمل التعويض لمن انتهت خدمته لبلوغه السن القانونية، أو تمّ صرفه من الخدمة. ويطبق هذا القانون في حال إقراره بمفعول رجعي يعود إلى مطلع العام 2020. بمعنى أن إقراره يسري على كل المتقاعدين من تاريخ 1 كانون الثاني 2020.
اقتراحان من الضمان والعمالي
قبل اقتراح فرنجية بثلاثة أشهر أي في أيلول عام 2020، كان مدير عام الضمان الاجتماعي محمد كركي قد تقّدم باقتراح مماثل باسم صندوق الضمان، إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تحت عنوان “حماية القيمة الشرائيّة لتعويضات نهاية الخدمة” يطلب فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من وطأة الأزمة على المضمونين عند بلوغهم سن التقاعد، أو تركهم العمل أو بلوغهم 20 سنة خدمة، وتجنيبهم ضياع تعويضاتهم التي فقدت من قيمتها نحو 80 في المئة. مقترحًا تحويل تعويضات نهاية الخدمة من الليرة إلى الدولار ثم سدادها لأصحابها بالليرة، وفق سعر صرف 3900 ليرة للدولار.وفي السياق نفسه قدّم رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر اقتراحًا بتحويل التعويضات من الليرة إلى الدولار من دون إلزام أصحابه بسحب تعويضاتهم وفق سعر صرف المنصة. بموجبه يمكن للمتقاعد تحويل تعويضه من الليرة إلى الدولار والإبقاء عليه في حسابه المصرفي.
كلّ هذه الإقتراحات بقيت بلا ترجمة لغياب التمويل. وبعيدًا عن أحقيّة حماية قيمة التعويضات، يرى جابر أنّ ما نشهده من معالجات مجتزأة هو بمثابة لعب في الوقت الضائع طالما لم يتم البدء بعد بالإصلاحات، وأبرز مثال على ذلك التوجه لشراء الكهرباء من الأردن والغاز الطبيعي من مصر قبل معالجة الهدر الكبير في الجباية والتوزيع الشبكات وما إلى ذلك، وقبل تنفيذ الإصلاحات وفي مقدمها تعيين الهيئة الناظمة للقطاع. في قطاع الإتصالات يتم كذلك تجاهل تطبيق القانون، “نحور وندور ولا نقوم بالمطلوب أي بالإصلاحات، إذ لا قرار سياسيًّا بالعلاج، هنا التحدّي الحقيقي والفعلي، وكل ما نسمعه جعجعة بلا طحين”.