قصة مؤلمة: عائلة في بيروت تملك بناية وتنتظر صندوق إعاشة
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
خلف جدران العديد من المنازل في لبنان، قصص مؤلمة، أزمة انهيار الليرة هدّت حياة أسر كانت مستورة، وأضحت تحت خط الفقر. في بيروت، تحديدًا في منطقة الأشرفية، قصّة قد تكون صعبة التصديق، ولكنّها وبكل أسف واقعيّة. نتحدث عن عائلة، أفرادها ثلاثة من كبار السن، يملكون بناية في محلّة الجعيتاوي، وفي الوقت نفسه يحيون بظلّ فقر مدقع، ولا يملكون المال لتأمين المأكل والمشرب. في الآونة الأخيرة علمنا أنّهم تواصلوا مع بعض الفعاليات المحليّة، وأمنّوا لهم صندوق إعاشة فيه المواد الغذائيّة الضرورية.
تواصلنا مع نقابة المالكين لإستيضاحها حقيقة الأمر، فأّكّدت لنا أنّهم على علم بأحوال العائلة التي ليس لديها أيّ مورد تعتاش منه سوى بدلات الإيجار، وأنّ منزلهم تضرر بشكل كبير في تفجير مرفأ بيروت. أمّا البناية التي يملكونها فبدلات إيجارها قديمة، لا تساوي شيئًا، كما أنّها معلّقة في القضاء وغير قادرين على قبضها، بفعل تقديم المستأجرين طلبًا للإستفادة من الحساب الذي نصّ عليه قانون الإيجار، واللجان المختصّة لا تجتمع للبتّ بالطلبات، على رغم قرارات مجلس القضاء الأعلى بتفعيل عمل اللجان.
“عدد كبير من المالكين مسنّون، يطلبون الإعانات ليأكلوا ويشربوا، نتلقّى يوميًا اتصالات ومراجعات من مالكين غير قادرين على تأمين أدويتهم ولا حتى مأكلهم” يقول رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة باتريك رزق الله لـ”لبنان 24″ ، مشيرا إلى أنّ المالكين لم يتقاضوا الزيادات التي نصّ عليها القانون، بحيث أنّ اللجان لم تبتّ بطلب واحد منذ تشكيلها. والمساعدات التي خُصّصت للمتضررين من انفجار المرفأ وصلت للمستأجرين فقط، وهناك منازل لا زالت إلى اليوم متضررة لم يتمكن أصحابها من ترميمها”.
أين اللجان ولماذا لا تجتمع بعد سبع سنوات على إقرار قانون الإيجارات؟ وكيف لها أنّ تعلّق تطبيق القانون وتحرم المستأجرين من ذوي الدخل المحدود من الإستفادة من دعم الصندوق، وتحرم المالكين من الزيادات؟ لا جواب. أين الأموال التي رُصدت في الموازانات السابقة للصندوق؟ أيضًا لا جواب.
قصة هذه العائلة التي تملك بناية وليس لديها المال لتأكل، لا تعني أنّ الفقر لا يطال المستأجرين، على صفحات موقعنا كتبنا مقالًا قبل أيام عن وضع المستأجرين وعكسنا حالهم ووجهة نظر نقابتهم، واليوم نستكمل الشق الآخر من القضيّة المأساوية.
المالك القديم بلا مدخول
يوضح رزق الله أنّ “بدلات الإيجار حتّى الجديدة منها لا تساوي نصف فاتورة المولد، أمّا الإيجارات القديمة فعدا عن كونها مجانيّة تكلّف المالك صيانة وترميم، والمسؤوليّة الجزائيّة تقع عليه في حال تعرّض المنزل للسقوط، تمامًا كما حصل في انهيار مبنى فسوح بحيث سُجن المالك. ونسأل كيف للمالك أن يدفع أكلاف صيانة وترميم بوقت هو غير قادر على أن يعتاش من ملكه؟ من هنا نطالب أن تكون أكلاف الصيانة على عاتق المستأجر الذي يشغل المأجور بشكل شبه مجاني”.
لن نؤجّر
يضيف رزق الله”في الإيجارات القديمة نحن أمام إعدام شرعي للمالك، وفي حال بقي الوضع على ما هو عليه، المالك ذاهب حتمًا نحو رفض التأجير، الأمر الذي سيخلق مشكلة لدى المستأجر أيضَا. وأكثر من ذلك يتوعّدون المالك في مشروع الموازنة بضريبة 50% على الأملاك المبنيّة الشاغرة، ونسأل من أين يدفع المالك الضرائب الجديدة والقديمة وهو غير قادر على أن يعتاش من ملكه؟”.
الإيجار غير السكني من تمديد إلى آخر
حال الأبنية غير السكنيّة المؤجرة قبل عام 1992 ليست أفضل، فالقانون لم يصدر بعد، والمجلس النيابي ومشرّعوه ولجانه يتفاجأون في كل مرّة بقرب انتهاء المهلة، دون أن يكونوا قد وضعوا قانونًا جديدًا، فيلجأون من تمديد إلى آخر. آخر تمديد حصل في جلسة عقدت في 30 حزيران الماضي، وتمّ تمديد عقود إيجار الأماكن غير السكنية المعقودة قبل 23-7-1992 لغاية 30-6-2021 ضمنًا. ولكن ورد في المحضر أنّ هذا التمديد هو “للمرّة الأخيرة”. هل يحترم النواب عبارتهم هذه؟ وماذا يفعلون في الوقت الفاصل عن انتهاء المهلة “الأخيرة”؟
سألنا رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، فأحالنا إلى زميله النائب جورج عقيص، كون لجنة الإدارة شكّلت لجنة فرعية برئاسة عقيص لدراسة الموضوع. وبالفعل درست اللجنة اقتراح القانون المقدّم بهذا الصدد، واستمعت إلى وجهة نظر كلّ من المالكين والمستأجرين، كما أكدّ لـ “لبنان 24” النائب سمير الجسر مشدّدا على وجوب البتّ بالقانون بشكل نهائي. عقيص بدوره أكّد لـ “لبنان 24” استكمال المهمّة “أنهينا دراسة القانون في اللجنة الفرعية، وأحلناه إلى لجنة الادارة والعدل بتاريخ ٢١/١٢/٢٠٢٢”.
رزق الله وصّف ما يحصل بالإيجارات غير السكنيّة القديمة بالمجزرة “إذ ليس من المعقول أنّ المستأجر لمحل تجاري أو مكتب أو مستودع، يعمل ويبيع ويتقاضى الأموال وفق سعر الصرف في السوق الموازية، بينما يدفع 50 ألف ليرة بدل إيجار ما يوازي دولارين فقط، وهي بدلات تعود إلى خمسين عامًا، في حين أنّ فاتورة المولّد تخطّت المليوني ليرة وصفيحة البنزين على أبواب الأربعمئة ألف، وكل الخدمات والسلع تسّعر وفق دولار السوق الموازية، إلّا الإيجار. والمشكلة التي لا يستوعبونها، أنّ المالك يعتاش من رزقه، فهناك شريحة كبيرة من كبار السن لا مداخيل أخرى لديها سوى بدلات الإيجار”.
وردًا على سؤال أنّ المستأجر أيضًا يتقاضى راتبه بالليرة، ولا يمكن له أن يدفع بدل الإيجار بالدولار أو بما يوازيه، قال رزق الله “هذا الواقع لا ينطبق على الجميع، ولتكن هذه القاعدة موحّدة في السوبر ماركت والصيدليات والمستشفيات والمدارس، ولكن لا يجوز أن تكون كل السلع والخدمات وفق معايير متفلّتة من الضوابط، ووفق سعر السوق، حتّى أنّ أصحاب المهن الحرة يتقاضون أتعابهم بالدولار، وفقط يُمنع على المالك أن يعدّل بالبدلات، كما ويُكبّل بعقود على 3 سنوات. وفي كل مرّة نخسر لا نجد من يعوّض خساراتنا، لا بل تشنّ الحملات علينا. بالمقابل تنظر الدولة دائمًا إلى حماية فئة المستأجرين على حساب المالكين”.
رزق الله يلفت إلى الزيادات الخجولة التي تطرأ على بدلات الإيجار غير السكني، بموجب معدل التضخم الصادر عن دائرة الإحصاء المركزي عن عام 2021 وقد بلغ 154،8 %، ما يعني أنّ الزيادة على الإيجارات غير السكنية القديمة التي ترتبط بالمعدل لا تتخطى 5 % بدءًا من 2021/1/1. “هذا يعني أنّ إيجار محل تجاري بقيمة 600 ألف ليرة سنوًيا، طرأت عليه زيادة بقيمة 30 ألف ليرة سنويًّا، بمعدل 2500 ليرة شهريًّا”.
نقابة المالكين ترى أنّ التاريخ يعيد نفسه وأنّ المأساة التي حلّت بهم جراء انهيار سعر الليرة في الثمانينيات الماضية تتكرر اليوم ” لبنان هو البلد الوحيد التي لا تحترم فيه الملكية، فيموت المالك من الجوع جراء قوانين بالية ضربت جنى عمره”. نقابة المالكين تطالب رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان بإقرار قانون تحرير الإيجارات غير السكنية بشكل فوري، وبرفع الضوابط عن الإيجارات الجديدة بشكل نهائي، كما تطالب مجلس القضاء الأعلى بتطبيق قراره بتفعيل عمل اللجان. “نحن نختنق، وفقدنا الثقة نهائيًا بخدمة الإيجار”.