هل تعقّد الموازنة اللبنانية التفاوض مع صندوق النقد؟
بقلم: هتاف دهام
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
لم يكن من الصحيح أن يناقش الوزراء في مشروع الموازنة قبل إنجاز فذلكتها، لأن الفذلكة هي التي توضح الخلفية الاقتصادية والمالية والسياسية للموازنة، بالإضافة إلى أن النقاش في الموازنة بمعزل عن الوجهة التي ستسلكها خطة التعافي المالي والاقتصادي يشكل نقطة ضعف ثانية، ويحيل الموازنة إلى مجرد مواكبة متواضعة لأزمة اقتصادية ومالية هائلة بتأثيرتها المختلفة، لكن يبدو أن الجهد الأساسي الذي حكم الموازنة برمتها، هو تعديل الأرقام المالية على مستوى النفقات والايرادات أخدا بعين الاعتبار التعديلات التي أصابت سعر الصرف في لبنان.
استندت وزارة المال في خلفية اعداد مشروع الموازنة إلى سعر صرف للدولار يساوي تقريبا عشرين ألف ليرة. وعلى هذا الأساس، لم تستحدث الموازنة إلى حد ما ضرائب جديدة لكنها عدلت في نسب احتسابها وترجمت هذا الأمر على مستوى الرسوم والضرائب.
يلاحظ في تفسير الأسباب الموجبة التي وردت في متن الموازنة لتفسير المواد القانونية أنه يتردد على نحو دائم العبارات التالية: مراعاة لأحوال المواطنين. بهدف زيادة إيرادات الدولة. وحرصاً على العدالة الضريبية، لذلك تضمنت الموازنة في مواد مختلفة تسهيلات عديدة تتصل بإعفاءات أو بتقسيط الضرائب على المكلفين أو فتح الباب أمام تسويات ضريبية لكنها في المقابل أيضا عدلت في رسوم الفراغ والانتقال العقاري فخفضت الرسم من 5 إلى 3 في المئة لكن على أن يتم ضرب القيمة التأجيرية ب 40 بعد أن كانت 12.5، و سعت إلى تعديل الدولار الجمركي بهدف زيادة إيرادات الدولة بما يتجاوز الـ 5000 مليار، علما أن تعديل الدولار الجمركي ربطا بسعر الصرف سينعكس سلبا على العجلة الاقتصادية، فالدولار الجمركي سوف يفعل التهرب الجمركي والتهريب، في حين أن زيادة الايرادات تستدعي وقف كل الاستثناءات وتخفيض الدولار الجمركي الذي سوف يزيد من مداخيل الدولة الجمركية.
لقد أدخل مشروع الموازنة تعديلات جذرية على نظام التقاعد وصرف المعاشات التقاعدية، فقيد حدود الاستفادة للورثة، كما أنه ألغى بصورة حازمة إمكانية الجمع بين المعاش التقاعدي وأي دخل آخر من الأموال العامة، مع الإشارة إلى أن النواب الذين هم عسكر متقاعدون يجمعون راهنا بين مخصصاتهم النيابية ومعاشاتهم التقاعدية من السلك العسكري.
ولاحظ المشروع أن العجز في هذه الموازنة يساوي 20 في المئة لكن في ما لو أخد بعين الاعتبار سلفة الكهرباء والمساعدات التي ستطال القطاع العام، فإن العجز سيقارب الـ 30 في المئة، أي ما يساوي 10000مليار ليرة، وارتفاعه إلى نحو 15000 مليار ليرة في ما لو اخدت سلفة الكهرباء والنفقات الأخرى. وهذا قد يعقد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مع الاشارة إلى أن موازنة العام 2021 كانت تقارب 19000 مليار، وكان يسجل العجز مقابل الناتج المحلي بـ 10في المئة، بينما مع موازنة العام 2022، فإن العجز يقدر مقابل الناتج المحلي بـ 3 في المئة.
وتجدر الاشارة إلى أن مجلس الوزراء يبحث اليوم في المادة 13 أي سلفة الكهرباء والمادة 15 المتعلقة بالمساعدة الاجتماعية المطلوبة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية للطبقات الأكثر فقرا، وفي موضوع الدولار الجمركي والمساعدات الاجتماعية للقطاع العام.
ثمة إشكالية كبرى سيواجهها المواطن وهي أن أرقام الموازنة على مستوى الرسوم والضرائب، زادت أضعافا عدة في حين بقي دخله نفسه، فكيف سيتمكن اللبنانيون من تأدية الرسوم والضرائب المضاعفة في ظل امكاناته التي لاتزال على حالها وأصيبت بتدهور أكبر؟ وفق مصادر اقتصادية، فإن زيادة الرسوم والضرائب الموضوعة بشكلها الحالي ستعمّق الركود والكلفة المرتفعة للرسم الجمركي ستزيد أسعار السلع وهذا من شأنه أن يخفض القدرة الشرائية ويزيد الانكماش .
على أي حال أن الهدف من الموازنة تحقيق التوازن والجمع بين تعزيز ايرادات الدولة وتقديم تسهيلات للمكلفين من ناحية أخرى وأعادة جدولة كل قوانين البرامج، علما ان المشروع ألغى كل انفاق في العام 2022، وخفض الإنفاق الاستثماري إلى الحدود الدنيا.
وبانتظار أن ينتهي مجلس الوزراء من دراسة مشروع الموازنة هذا الاسبوع واحالته الى البرلمان ومن المرجح أن المجلس النيابي سيسعى إلى تعديل في بعض أرقام المشروع الموازنة وتعميق البعد الاجتماعي وتخفيف بعض الإجراءات التي لا يستطيع المواطن تحملها، علما أن حقيقة مواقف الكتل النيابية من الموازنة ورسومها سوف تتضح خلال اجتماع الهيئة العامة بعيدا عن الخطابات الشعبوية وعندها يبنى على الشيء مقتضاه.