ربع قرن من الرجعية
بقلم: صالح الراشد

 

الرجعية تُطاردنا وربما نُطاردها، وقد تكون موجودة في العديد من القوانين والأنظمة التي تخنق الأصوات وتمنعها من الإنطلاق بحرية وجرأة، ولسنوات طوال يُمنع أن يتحدث أحد عن وجود رجعية في الفكر وإدارة الدولة، ودوماً يأتي النقد كالزكام الخفيف سرعان ما يزول، حتى غدا هذا المصطلح من المحرمات في الوطن، كون غالبية المناصب العليا يُسيطر عليها متنفذون بارزون أصواتهم عالية وقادرون على حجب الأصوات الهامسة، ليتراجع حجم النقد والإنتقاد لنسير بلا بوصلة كون الرقابة على كبار الموظفين وهمية، فمن ذا الذي يجرؤ أن يتهم الحكومة أو مجلس الأمة وبقية الأذرع بالرجعية حتى في الحلقات الضيقة، فوزن الكلمة ثقيل وحجمها كبير ومساحتها شاسعة.

صمت الناقدون إلا من امتلكوا الشجاعة وتطرقوا لظلم القوانين وقهرها، لكن لا حديث جدي ووازن عن الرجعية في القوانين والأنظمة حتى نطق بها وزير المالية الدكتور محمد العسعس، حين وصف الظلم الصريح بإقرار ضريبة المبيعات بأنه رجعية كونه لم يُميز بين غني وفقير، ففي قانون ضريبة المبيعات الجميع سواسية ليدعم الفقير الغني ويزيد من ثروته، ولتدفع الطبقة الوسطى مبالغ مالية تفوق ما تحصل عليه الحكومة من الطبقة الغنية، لقد قالها العسعس بصراحة أذهلت المتابعين للشأن الأردني، وبقوة تعبر عن حجم الألم الذي يجتاح النفوس من ضريبة لا تميز بين من لا يملك قوت يومه وبين أصحاب الثروات، لذا فإن ضريبة المبيعات أرجعت العديد من أبناء الطبقة الوسطى لمنطقة الفقر، وأرجعت العديد من الفقراء إلى حالة الفقر المُدقع، فهل هذه الرجعية التي قصدها العسعس أم يقصد الرجعية الفكرية باختراع أنظمة وقوانين غايتها الجباية.

لقد تم إختراع قانون ضريبة المبيعات قبل ربع قرن، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تولى المناصب عشرات الوزراء والرؤساء، وسمعنا منهم الكثير الكثير عن قدسية ضريبة المبيعات وأهميتها في رفد الموازنة بالمليارات، ولم يتحدث مسؤول حكومي عن العاهة المُتأصلة في هذه الضريبة، ولم نتوقع أن يملك وزير الجرأة على المساس بقداستها كونها السلاح الذي تضغط به الحكومات على الأغلبية الصامتة عن الكلام والصائمة عن ملذات الحياة، لكن العسعس نطق بها ووضع النقاط على الحروف بإظهار بداية القهر الضريبي المُلقى على كاهل الشعب، فهل تعتذر الحكومة والحكومات التي سبقتها عن أساءتها بحق الشعب والوطن، هذا إن اقتنعت الحكومة بكلمات العسعس، وإن كان عكس ذلك فليخرج من يرفض كلمات الوزير ويُعيد لضريبة المبيعات قداستها.

آخر الكلام..

ما قاله العسعس هام ومؤلم بإظهاره واعترافه أن الطبقتين الوسطى والفقيرة تحملتا فوق طاقتهما بفضل قانون رجعي تم صياغته دون رحمه، وحصل على القداسة وجعلنا سجناء ربع قرن في غياهب ضريبة المبيعات، لتمتص دماء الشعب بجرأة وتغوص في جيوبهم بقوة حتى جعلهم يُطبقون أفواههم عن الكلام والطعام، فهل هي صحوة ضمير أم بداية ضريبة جديدة بمسمى جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى