دول الممانعة استخدمت فلسطين شماعة* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في 28 يناير (كانون الثاني) 2020، عن بنود خطته للسلام، التي امتدت على 181 صفحة، وعرضت مختلف الملفات والحدود والمستوطنات والاقتصاد والعاصمة والأسرى واللاجئين، وصولاً الى حق العودة. وجاءت هذه الصفقة كما وصفها البعض “إملاءات للقيادة والشعب الفلسطينيين”.

ويرى مصدر مطلع على مآزق القضية الفلسطينية أن “ما يُعطى الآن للفلسطينيين قطع أرض متفرقة، تربط بينها أنفاق، لا تمت لشكل الدول بشيء. لكن إذا راقبنا هذه “الفلسطين” منذ عام 1967 إلى اليوم، لرأينا تقلص مساحتها في مقابل بناء المستوطنات. قد يكون من الأجدى القبول بما يُعرض، طالما أنه لا يوجد رأي فلسطيني موحد، ولا مشروع عربي في مواجهة هذه الصفقة، التي تعبر بشكل واضح، عما يجول في رأس الرئيس الأميركي، وهو الآتي من عالم الأعمال. أطلق عليها Deal Of The  Century  بالإنجليزية، وقد يصل الامر بدونالد ترمب إلى نتيجة معروفة في عالم الصفقات التجارية Take it or Leave it.”

وينتقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خطة السلام الأميركية هذه، ويدعو إلى منح الفلسطينيين حقهم في ممارسة تقرير المصير عبر استفتاء شامل.

فلسطينيو الشتات

أين يقف فلسطينيو الشتات الآن؟ ماذا يملكون في جعبهم للصمود؟ وهل يوافقون على بنود الخطة، وبالتالي توطينهم حيثما وُجدوا؟

“اندبندنت عربية” قابلت بعض الفلسطينيين الشبان، الذين يصح فيهم القول إنهم فلسطينيي الجنسية، لكن لم يولدوا على الأراضي الفلسطينية، ولا يعرفون منها وعنها إلاّ ما يظهر في الإعلام أو ما يتناقله الجيل الأول من اللاجئين.

سامر مناع، مدير مركز التنمية للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ولد في بيروت، يقول “خطة ترمب وكل الحلول التي تأتي على حساب اللاجئين، ولا تضمن لهم العودة إلى فلسطين، هي حلول غير مقبولة عند معظم اللاجئين. لأن اللاجئ الذي صبر 72 عاماً على معاناته وعلى الحياة في مخيمات تفتقر لأدنى شروط العيش، لم يصبر لكي يتوطّن في لبنان ولا لأنّ حياة المخيم تعجبه، ولا لأنه يحب المعاناة والألم، صبر فقط، لأنه يريد العودة إلى فلسطين، ولأن لديه أمل، وهذا الأمل تتوارثه الأجيال. هناك من يقول إن اللاجئ الذي ولد في فلسطين قد مات، هذا صحيح، لكن نحن لا نملك شيئاً كي نورثه لأولادنا سوى الأمل. وأية حلول غير حل حق العودة هي حلول غير مقبولة، ولا ترتقي إلى أمل وطموح الشعب الفلسطيني. إذا كانت هناك خيارات، فإنّ الخيارات جميعها تصب في خانة العودة إلى بلدنا. أكبر دليل على أن اللاجئ يريد العودة ويرفض التوطين هو ما حصل عام 2011 على الحدود مع فلسطين. وفي أي لحظة من الآن إلى يوم القيامة، عندما تفتح الحدود سيحاول أن يدخل، مهما كانت التضحيات وعدد الشهداء. الشعب الفلسطيني الذي قدم مئات آلاف الشهداء، وملايين الجرحى والأسرى، سيبقى يعاني حتى تحقيق حلمه بالعودة. أي صفقة لا تحسب حساب حقوق اللاجئ وحقه بالعودة هي غير مقبولة عند معظم الشعب الفلسطيني اللاجئ في لبنان”.

“لا أعرف شيئاً عن فلسطين”

يقول ماهر، (اسم مستعار) عمره 27 عاماً ولد في بيروت “ولدتُ وترعرعتُ في بيروت، عائلتي من صفد في فلسطين، معظم أصدقائي لبنانيون من خارج المخيم، تخصصتُ في القانون، لكن للأسف لا أستطيع أن أعمل كمحامٍ في لبنان، لذا، أمارس مهنة التعليم داخل المخيم (عين الحلوة). تابعتُ إعلان خطة ترمب ككل الفلسطينيين، ولكن بكل موضوعية، أنا لا أعرف شيئاً عن فلسطين إلاّ ما تنقله وسائل الإعلام، طبعاً هي غالية على قلبي، خصوصاً ما كنتُ أسمعه من جدي. لكن أعطني حلاً. الدول العربية وما يوصف بدول الممانعة التي تدّعي محاربة إسرائيل، لم تضرب حجراً على إسرائيل منذ حرب 1967، وحدود فلسطين وأراضيها تتقلص منذ عام 67، فلو كانت هناك جدية من قبل تلك الدول، منذ ذلك التاريخ، لكنّا حافظنا على البقية من أرض فلسطين. ولكن ها نحن الآن، وما يُسمى بصفقة القرن، أعطتنا قطع أرض منفصلة، لا تمت لشكل الدولة بشيء، وإذا رفضنا ما قُدّم لنا، سنستمر بتكديس الهزائم. الحقيقة، أنا مع إعطاء حق اللاجئ باختيار بلد اللجوء، لأنني طبعاً لا أريد أن أُوَطّن في لبنان، مع كل العنصرية التي مورست ضدي كفلسطيني”.

أما حازم وهو ناشط اجتماعي، فعمره 35 عاماً، من مواليد سوريا. يقول “هناك جانب واقعي للموضوع، أعتقد أننا كلاجئين فلسطينيين في الشتات، ندرك حقيقة وجود إسرائيل وقدراتها العسكرية ونفوذها السياسي في العالم ومدى تأثيرها في الدول العظمى، خصوصاً الولايات المتحدة. كان لمخيماتنا هدفان رئيسان، الأول الحفاظ على النسيج والترابط الاجتماعي الفلسطيني لحين العودة إلى بلدنا. والثاني الخزان البشري للثورة الفلسطينية، لكن هذه الحقبة انتهت بعد اتفاقيات السلام العربية وخروج الثورة في لبنان، ولم تعد هناك ساحات اشتباك، فالهدف الثاني لم يعد موجوداً”.

جزر بؤس وحرمان

ويتابع حازم “بالنسبة إلى الهدف الأول، تحوّلت هذه المخيمات من عنوان لحق العودة، وشاهد تاريخي حي على نكبتنا، إلى جزر بؤس وحرمان ومعاناة يومية وأصبحت حياة اللاجئ الفلسطيني فيها ما يشبه الاحتضار السريري والمعاناة اليومية. وبعدما تراجعت خدمات الأونروا إلى أدني مستوياتها بفعل التقليصات المالية، بعد قطع المساعدات الأميركية عنها، نتج من ذلك، تراجع في التعليم والصحة والخدمات (البنية التحتية). أضف إلى ذلك القوانين اللبنانية التي تحرم اللاجئ الفلسطيني من مزاولة 42 مهنة كطبيب ومحام وسائق تاكسي… ويحتاج اللاجئ الفلسطيني إلى إجازة عمل كأي عامل أجنبي موجود في لبنان، من دون مراعاة لخصوصيته منذ 72 عاماً، إضافةً إلى الحرمان من حق التملك “.

ويوضح “حتى إنّ منظمة التحرير (الممثل الشرعي والوحيد) عاجزة عن التقديمات الاجتماعية والإغاثية والخدماتية، ومواكبة الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اللاجؤون في الشتات. كل هذا أوصل اللاجئ إلى حالة من الإحباط واليأس العام من المستقبل، لا سيما لدى فئة الشباب. وأحياناً، هذا الشعور يدفع الشباب إلى التعاطي بمنحى سلبي، كالمخدرات وغيرها من الظواهر السلبية في المجتمع”.

انقسام عمودي

وعن الانقسامات داخل المجتمع الفلسطيني، يقول حازم “سياسياً، يعيش الفلسطينيون في الداخل والخارج بحالة انقسام عمودية (فتح وحماس)، أدت إلى حالة من التشرذم والتفكك والتنافس السلبي على المستويات كافة، مع انسداد الأفق في التوافق والوصول إلى مصالحة وطنية منذ 13 عاماً. بالتزامن مع هذه الأوضاع السياسية والاجتماعية والمعيشية المزرية، أتى الإعلان عن الخطة الأميركية للسلام غير واضحة المعالم. ردة الفعل الأولية في الشارع الفلسطيني، وفي المخيمات، جوبهت بالرفض التام، ليس لأنها تحرم اللاجئين من حق العودة فقط، ولكن لأنها صفقة منحازة إلى إسرائيل بالكامل وغير عادلة. فالفلسطينيون يطمحون إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وحل لقضية اللاجئين بشكل عادل وفق القرار 194، وليس توطينهم في الدول العربية التي يهربون منها، ومن الأنظمة القمعية كسوريا مثلاً، ويتعرضون للغرق في البحار من أجل الخروج منها. الخطة ليست رابحة، لكن ظروفنا ليست جيدة لرفضها”.

أما جلال من مواليد دمشق، مخيم سبينة، من ملاحة قضاء صفد، فيعيش حالياً، وبعد الحرب السورية في مخيم عين الحلوة في لبنان. يقول “الخطة الأميركية التي أُعلن عنها، كانت تُطبق فعلياً منذ اتفاقية أوسلو، ولكن توقيت إعلانها الآن هو استغلال لعددٍ كبيرٍ من الظروف الموضوعية والإقليمية، منها الضرورات الانتخابية لكل من ترمب ونتنياهو. أُجلت كي تستطيع إسرائيل بناء أكبر عدد من المستوطنات على أراضي الضفة الغربية. وجاء الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل كجس نبض لردود الفعل العربية والدولية. كلاجئ فلسطيني، أحمل مسؤولية كل ما وصلنا إليه، إلى السلطة والفصائل الفلسطينية، إذ تملك أجندة سياسية تخدم مصالح غير مصلحة الشعب الفلسطيني. أيضاً إلى الدول العربية والإقليمية سواء الذين يدّعون الممانعة والمقاومة، أو الدول التي اتخذت مسار التطبيع والتسوية. استخدمت الأنظمة الممانعة الورقة الفلسطينية لمصلحة أنظمتها، ومارست القمع والتشريد والقتل لشعوبها، تحت عناوين الممانعة والمقاومة. واستخدمت فلسطين شمّاعة ولم يسلم منها الشعب الفلسطيني في المخيمات، حيث هجرت ودمرت المعتقلات، ومخيم اليرموك في سوريا شاهد على ذلك”.

لا يمت… للقدس بصلة

ويتابع جلال “كذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الإقليمية كإيران، التي أسست فيلق القدس وهو لا يمت للقدس بصلة، لم يتوانَ هذا الفيلق عن تدمير وقتل مقدرات الشعوب العربية، ما أوصل هذه الشعوب، لكره القدس وفلسطين. كما نظّمت ميليشيات مذهبية، زرعت الانقسام وارتكبت أبشع المجازر بحق شعوب المنطقة الحاضنة الحقيقية للشعب الفلسطيني. ولا نستثني دور الدول العربية التابعة للولايات المتحدة، التي اتخذت من البعبع الإيراني ذريعة كي تتخلى عن دورها في مساندة الشعب الفلسطيني. هنا، يقع اللاجئ الفلسطيني ضحية لتلك التناقضات، فعمدنا إلى تشكيل هيئة شبابية لفلسطينيي سوريا في لبنان، تطالب باللجوء الإنساني إلى دولة تضمن حقوق الإنسان وحقوق اللاجئ الفلسطيني، بحياة حرة وكريمة إلى حين العودة. اعتصمنا أمام السفارة الكندية وسفارة الاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية، للمطالبة بممرات إنسانية. لا شك أن الهجرة لم تكن يوماً هدفاً لنا، إلاّ أن ضيق العيش والحرمان من أدنى الحقوق الإنسانية، هو الدافع الوحيد للهجرة. وهذا لا يعني أننا بصدد التنازل عن حق العودة إلى فلسطين، فحق العودة حق مقدس ولا أحد يستطيع التنازل عنه، لكن المخيمات تحولت من مخيمات نضالية لأجل العودة إلى بؤر معاناة وحرمان وبؤس”.

ويختم جلال “أنهم ومن بعد تنظيمهم الاعتصامات أمام الهيئات الدولية والسفارات الأجنبية، خُوِّنوا، وطالتهم بعض الاتهامات وحملات التشويه”. لذا يصر على أن يوضح أن “هذه الهيئة الشبابية شُكّلت بمبادرة فردية، من عدد من الشباب الفلسطينيين من سوريا ولبنان وتعمل بإمكانيات ذاتية. كما أنها لا تحمل أجندة، وغير تابعة لأي جهة سياسية. والتأكيد على أن هذه التحركات تحمل هدفاً واحداً، هو السعي إلى حياة كريمة لحين العودة إلى فلسطين”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button