أشرف ريفي: الدعم لن يأتي لمن يرتبط بإيران* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

يستقبلنا اللواء أشرف ريفي في مكتبه في الأشرفية (شرق العاصمة بيروت)، بابتسامة ونبرة هادئة في النقاش، ما يجعلك تشعر أنك مرحَب بك. يستأذننا للرد على اتصال، ومن ثم يضع التلفون صامتاً. يقدم لنا القهوة لكنه يتناول الشاي.

لم تتغير وجهة نظر اللواء ريفي في أمور كثيرة، هو الآتي من السلك العسكري إذ شغل منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، بين عامَي 2005 و2013. وأصبح وزيراً للعدل بين عامَي 2014 و2016 في حكومة تمام سلام، لم يتوان عن تقديم استقالته حينها بسبب “دويلة حزب الله”.

يقول عن الحكومة الجديدة إنها “تضم أشخاصاً لهم كل الاحترام لسيرهم الذاتية”، لكن في موضوع سلاح “حزب الله”، “هل ستتذاكى هذه الحكومة بموضوع المقاومة وتبقي على الثلاثية الخشبية؟”. ويتابع “كل الشعوب لها الحق في المقاومة لكن المقاومة في لبنان لا تشمل كل اللبنانيين، هناك مَن اعتبر أن له الحصرية في مقاومة إسرائيل، مع العلم أنه ليس وطنياً أكثر من غيره”. ويرى ريفي أن المقاومة الحالية “مشروعها إقليمي ولا تقاوم حباً بلبنان، لهذا هي بحاجة إلى غطاء فاستعملت قضية فلسطين المقدسة عند العرب والمسلمين”. ويضيف “حتى فيلق القدس، نراه قاتل في كل الأراضي العربية إلا القدس. لم يطلق رصاصة واحدة باتجاهها”.

الارتباط بإيران

ويصف الحكومة الحالية “بحكومة محاصصة، واللون الواحد” تمثلت فيها الطبقة السياسية السابقة بقناع آخر. وتحدث ريفي عن الدعم المنتظر لهذه الحكومة فقال إن “لبنان كله بحاجة لدعم، وهذا الدعم لن يأتي إلى من هو مرتبط بإيران، وأداتها أي “حزب الله”. كما أن الشارع قال كلمته في هذه الحكومة وطريقة تشكيلها، لذلك عليها ألا تتنكر لثورة الشارع وإلا سنكون أمام بيان إنشاء لغة عربية”.

ويعتز ريفي بإنجازات قوى الأمن الداخلي في موضوع تفكيك أجهزة التجسس الإسرائيلية، ويقول “كنا أول جهاز أمني عربي استطاع أن يفكك منظومة تجسس إسرائيلية كاملة على أراضيه. كان إنجازاً لم يُسجل في التاريخ”. ويضيف “استلمنا جهاز قوى الأمن الداخلي وكان أشبه بشرطة بلدية، وتمكنا من تطويره في فترة قياسية”.

ويشرح ريفي في موضوع “الإستراتيجية الدفاعية”، أن لكل الدول إستراتيجيات دفاعية لكنها تقوم على “الاعتماد على القوى الشرعية فقط”، حيث أنه “من غير المعقول وجود شريك للدولة في قرارات الحرب والسلم”. وأضاف أن “حزب الله يقدم سلاحه كقيمة مضافة، في وقت لا يحوز فيه على إجماع لبناني. لذلك لا تستطيع الدولة وضع إستراتيجية دفاعية ويكون سلاح حزب الله من ضمنها. فكيف سيبرر ذلك لبقية الفرقاء على الأراضي اللبنانية؟ حيث أن هذا الحزب مسؤول عن قتل كل شهداء 14 آذار، كما أنه مسؤول عن قتل واغتيال المقاومين الحقيقيين من الأحزاب اللبنانية، الذين كانوا يشكلون المقاومة اللبنانية (الشيوعي والقومي وحركة أمل أيضاً). لذا لا يستطيع الحزب أن يتفرد بالمقاومة لأنها بدأت قبل نشأته، كما أنه لا يوجد مقاومة مذهبية، بل مقاومة لبنانية أو عربية وتلك هي المقاومة التي ستحرر فسطين”.

وعن المحكمة الدولية وأين أصبحت؟ يقول “المحكمة الدولية ماشية (مستمرة). القرار أصبح بيد المجتمع الدولي. العدالة هي مَن تقيم الأمن والاستقرار وليس سلاح حزب الله”. ويعتبر أن قرار الأمم المتحدة رقم 1701 “لا يُطبق بشكل كامل وذلك بسبب علة العلل أي الدويلة في قلب الدولة. وينافي هذا الوضع الشاذ كل هيكليات الدول. وهو ما دفع البلد إلى أن يكون ملحقاً بمحور تعتير” (أي لا قيمة له بالعامية).

وتطرق ريفي إلى وزير الخارجية السابق جبران باسيل، فاعتبر أنه “أخد موارنة لبنان إلى مكان يناقض تاريخهم ومصالحهم. وأضاف “أين المصلحة اللبنانية بإلحاق البلد بمحور معزول دولياً وعربياً؟ لن تُحَل مشاكل البلد طالما إنه محكوم من قبل دويلة وهذه الدويلة فوق القانون وفوق المحاسبة”.

الدور السوري

يخالف اللواء ريفي الآراء التي اعتبرت عند تشكيل الحكومة، أن للنظام السوري دوراً. وكانت هناك بعض المقالات التي أشارت إلى أن النائب جميل السيد هو من اقترح اسم حسان دياب. وتربط تلك المقالات هذا الدور بالدور الروسي الذي بدأ يتعاظم شيئاً فشيئاً في المنطقة. يشرح اللواء ريفي “أن النظام السوري ضعيف على أراضيه وليس ممسكاً بالوضع، لكن يحاول بعض من رجالات ما يسمى النظام السوري أن ينعش دوره، لكنه يعيش بالأوهام، على بشار الأسد أن يمسك بالوضع السوري أولاً، ومن ثم يفكر في لبنان”. ويضيف إنها حسابات غير عاقلة على النظام أن يسيطر عل بيته الداخلي قبل التفكير بالهيمنة على “بيت الجيران”. ويعتبر استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للأسد، في مركز القيادة الروسية، “إهانة بحقه وقمة الضعف”. ولا يرى أن هناك دوراً لروسيا في الداخل اللبناني.

“يحمي نفسه من المحاسبة”

وعن دور جميل السيد، يقول “من رافق 24 عبوة ناسفة من النظام السوري إلى لبنان، دخل إلى مجلس النواب كي يحمي نفسه من المحاسبة”. ويعتبر أن السيد تآمر على أمن وطنه، بدل أن يلعب دوره كرجل أمن في حماية لبنان. ولولا تدخل “حزب الله” بقرار المحكمة العسكرية، كان من المفترض أن يكون السيد في السجن. “لولا اعتراضنا على الحكم الصادر بحق ميشال سماحة، كان من الممكن أن نراه إلى جانب السيد في مجلس النواب، إنه لمشهد شاذ أن نرى جميل السيد ينظّر، ويدعي أنه يشكل حكومات، وهو أضعف من ذلك”. ويرى أن مجلس النواب الحالي “مرتع لمن تآمر على أمن لبنان”.

ويعتبر اللواء ريفي أن التسوية الرئاسية كانت “خطيئة تاريخية ووطنية، هي من أوصلت البلد إلى هذه الحالة”، ويتساءل “هل يقوم عاقل في الصراع الدائر بين المشروع الإيراني السوري والمشروع الآخر، بتسليم رئاسة الجمهورية لمرشح إيران في لبنان”. ويذهب أكثر من ذلك، ويقول إن تلك التسوية هي “جريمة وطنية”.

وعن اعتبار سعد الحريري ضحية في التسوية الرئاسية، يقول “سعد الحريري كان شريكاً ولا يستطيع المسؤول السياسي أن يكون ضحية”. ويعتبر أن ليس لسعد الحريري الحق بالقول “كان يجرب، الأوطان ليست مسرحاً للتجارب”. ويستشهد بقول للإمام علي بن أبي طالب “من اجتهد ولم يصب فله أجر واحد، ومن اجتهد وأصاب فله أجران”، لكن بالنسبة إلى شريك التسوية الرئاسية ليس له أي أجر، بل يعتبر “مسؤولاً عن الانهيار الذي وصل إليه البلد”.

التفاؤل بالثورة

ويستبشر ريفي بـ “الثورة اللبنانية”، ويقول ” كان لنا رأي مخالف بهذا الجيل، لكنه فاجأنا بشكل إيجابي، ما أعطانا الأمل بأنه جيل واع مدرك ومتابع لما كان يجري بصمت، إلى أن انفجرت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) ثورة تجاوزت المذهبية والطائفية والمناطقية والحزبية”، ويتابع “على هذه الثورة أن تتابع، وعليها أن تدرك أن مشوارها ليس نزهة ولا المشي على سجاد أحمر”، لكنها استطاعت أن تستعيد القرار والميثاقية من طبقة أتت بفضل تسوية رئاسية مشؤومة، بعدما كان “حزب الله” قد استلم سلفاً القرار الحكومي بالكامل، بفضل قانون انتخابات أمّن له الغالبية المطلقة. ما دفع بهذا الحزب إلى أخذ الميثاقية من بقية الطوائف، بعدما أصبح له ثمانية نواب من السنة، ونواب من الدروز والمسيحيين كذلك.

“ويضيف الفساد غير المسبوق والنهب المنظم للدولة، والانهيار على المستويات كافة، أدت إلى تفجر الشعب اللبناني. نراهن كثيراً على نجاح هذه الثورة، تملك من العدد والوعي، كي تحقق نتائج، لكن على مراحل. أسقطوا الحكومة، وأصبح لهم دور رقابي على كل الشأن السياسي العام. ويحسب لهم حساب. الحكومة ستأخذ الثقة من مجلس النواب، لكنها بحاجة لثقة الشعب اللبناني”.

ويرى أن هذه الثورة هي تكملة لمشروع وحلم “14 آذار”، الذي “توقف وانتهى للأسف”، مع أنه ساهم بخروج الوصاية السورية من لبنان. لكن لم تستطع القوى السيادية في تلك المرحلة، أن تؤسس لوطن وفق تطلعات اللبنانيين. أخرِجت الوصاية السورية لتحل مكانها الوصاية الإيرانية، التي كانت مستترة.

وطالما أن “14 آذار” قد انتهت، أين يصنف اللواء أشرف ريفي نفسه؟

يجيب “نحن من القوى السيادية المعارضة الشرسة لهذه الحكومة، ولكل الوضع القائم”، ويتابع “أنا رجل مبدئي لا أؤمن بأنصاف الحلول”. وينفي أن يكون من تيار المستقبل، ويصف نفسه بأنه “حالة حريرية سيادية”، “في مرحلة معينة كنت إلى جانب الشهيد رفيق الحريري، ومن ثم إلى جانب سعد الحريري، إلا أننا اختلفنا، وتفاقم الخلاف تحت عنوانين، التسوية الرئاسية وملف ميشال سماحة”.

وعن مسيرة سعد الحريري السياسية يقول “لا أريد أن أوصف من باب الهدنة التي بيننا، ولكنه مسار غير مرضي وغير ناجح”.

وعن إمكانية ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة، يجيب “ليس ضرورياً”، ويقول إنه يحمل قضية، وهو الوزير الوحيد منذ تأسيس الجمهورية، الذي قدم استقالته بقرار ذاتي “لم أقبل أن أكون شاهد زور لرجحان كفة “حزب الله” حينها في الحكومة، وعلى تعميم الفساد وقطع العلاقات مع الدول العربية عمداً، من قبل وزير الخارجية حينها جبران باسيل، الذي كان يمثل “حزب الله” وليس الخارجية اللبنانية، وقام بإلحاق لبنان بالنظام الإيراني”.

وكيف كان ليتصرف لو كان ما زال مديراً لقوى الأمن الداخلي؟

“كنت لحميت الحراك، لأنه حالة صحية وتصحيحية لبنانية. لا يوجد حراك من دون أعمال شغب، سبق لرئيس الجمهورية أن قال إذا لم تأتكم الكهرباء، اذهبوا واحتلوا مجلس النواب. هناك تجاوز للقانون بمرحلة معينة، لكنها ثورة، كما أن مجلس النواب يعتبر بيت الشعب، ويحق للحراك أن يدخل إلى المجلس، هذا حقه الطبيعي”. وعن سبب منع الحراك من الدخول، يقول “لأن هناك طبقة سياسية خائفة، تريد أن تحمي فسادها ووجودها. تخاف من هذا الشعب النظيف النزيه أن يحاسبها”، يضيف “انتصار الثورة هو حتمي ولكن يحتاج إلى وقت”.

معلقاً على بنود خطة السلام الأميركية، “لا نستطيع تحمل التوطين ونحن نرفض التوطين، حتى الشعب الفلسطيني لن يرضى بالتوطين”، ويضيف “لن يستطيع أحد أن يلغي القضية الفلسطينية من قلوب وعقول الفلسطينيين. إقامتهم مؤقتة في كل دول وجودهم، وأنظارهم تتجه نحو فلسطين”، ويعتبر أن للفلسطيني الحق في أن يحمل جواز سفر وأن يختار وجهته، إذا كان لا يريد الرجوع إلى فلسطين.

النظام الإيراني

ويحمّل ريفي مسؤولية ما آلت إليه ظروف بعض الدول العربية ولا سيما العراق، إلى النظام الإيراني، الذي كلف بمهمة قذرة في المنطقة العربية، حيث شرذم المجتمعات العراقية واليمنية والسورية، ووضع يده على لبنان. وأحيا الصراع المذهبي السني الشيعي، الذي كان قد انتهى من مئات السنين، والصراع القومي العربي الفارسي. ومن خلال جرائم الاغتيال والتهجير والتدمير التي قام بها، أصبح الخطر الأكبر على الأمة الإسلامية والعربية. وأصبحت مهمته الدفع باتجاه وتبرير قبول أي حل غير كامل وغير وناضج.

ويختم عن الوضع اللبناني بالقول “نحن في نفق مظلم، وهناك بصيص نور من خلال الثورة اللبنانية. إنها ثورة أولادنا، وبنجاحها سوف نؤدي التحية، ونخرج من الحياة السياسية، لأن طروحاتها سبقت طروحاتنا. هذه الثورة كسرت قوقعاتنا المذهبية والطائفية والجغرافية”، ويضيف “هذا الجيل أعطانا أملاً بوطن كنا نحلم به وسوف نسلمه الراية”.

نقلاً عن ” اندبدنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button