الجماعة الإسلامية تطمح إلى سدّ الفراغ الذي خلّفه “المستقبل”
بقلم: غادة حلاوي

عماد الحوت: على الساحة السنية أن تحسن الإختيار وإلا نصبح تابعين

النشرة الدولية –

في قراءة أولية فإن مشهد بيروت الانتخابي ينقسم إلى أربعة أقسام: الجماعة الإسلامية، الأحباش، فؤاد مخزومي والمجتمع المدني، تتفاوت الأحجام في ما بينهم. منذ مدة انطلقت مشاورات الجماعة مع العائلات البيروتية والمجتمع المدني ومع شخصيات سياسية متنوعة، هدفها الأول ملء الفراغ على الساحة السنية الناتج عن تعليق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري نشاطه السياسي. حسمت الجماعة الإسلامية قرارها وأفضت المداولات الداخلية إلى ترشيح رئيس المكتب السياسي في لبنان النائب السابق في البرلمان اللبناني عماد الحوت في بيروت ولكن ليس على رأس لائحة، ذلك أن الاتجاه يميل إلى تشكيل لائحة من دون رئيس مع «شركاء حقيقيين انطلاقا من منطق التعاون والتشارك. لا نحلّ مكان أحد بل نحاول ملء الفراغ». والعبارة الأخيرة تلك تضع الجماعة الإسلامية أمام تحدٍّ انتخابي لا سيّما مع غياب تيار المستقبل الذي أمّن تحالفها معه فوز الحوت في العام 2009، لكن الجماعة عادت ورشحت الحوت في مواجهة لائحة المستقبل فلم ينل أكثر من 4000 صوت. وكما في العاصمة كذلك في المناطق، نال مرشح الجماعة في صيدا في الانتخابات الماضية 3000 صوت والأفضل منهما كان مرشح الجماعة في عكار الذي نال 5000 صوت. فبقيت الجماعة بلا تمثيل نيابي. في المرة الماضية كان يؤخذ على الجماعة تبعثر أصواتها وعدم تنظيم صفوفها، وتشير الارقام الى حاجتها لحليف قوي يؤمّن نجاحها فأين ستكون ومع من ستخوض معركتها في الانتخابات المقبلة؟

 

أولى معارك الجماعة هي ملء الفراغ السني في ظل غياب تيار المستقبل. وفي حديث لـ»نداء الوطن» يؤكد الحوت « أن خوض الانتخابات سيكون تحت عنوانين: بناء دولة المواطنة، وعدم تهميش أي مكون من المكونات وعلى رأسها المكون السني». أقل من مئة يوم على الاستحقاق الانتخابي، فترة تتطلب التأهب والاستعداد لخوض المعركة ولاسيما أن «الساحة السنية تعاني حالة من الإرباك لأنها اعتادت التركيز على خيار معين وبالتالي هناك دور وعلينا أن نرمم وعي هذه الساحة لأن ذلك سينعكس على الواقع اللبناني عموماً وعلى الساحة السنية على وجه الخصوص وهذا ما نعمل عليه مع حفظ الحق لكل إنسان بالترشح ونيل رضى الناس» يقول الحوت كاشفاً أن الجماعة الإسلامية تعمل في بيروت «على محاولة ولادة لائحة يتوافر فيها ثلاثة عناصر: العنصر التقليدي أي العائلات البيروتية التقليدية والحالة الإسلامية والنفس التغييري، والمجتمع المدني أو جماعات شاركت في ساحة الشهداء».

 

وإذا كان المجتمع المدني تحول إلى فئات متعددة فالتنسيق «سيكون مع جماعات لها برنامج متماسك ونلتقي معها على النفس التغييري وقد قطعنا شوطاً كبيراً» مفضلاً «عدم الخوض في التسميات مع تأكيد أن خوض الانتخابات سيكون مع المكونات الثلاثة تلك على لائحة واحدة» متابعاً «الحوار مع المجتمع المدني مفتوح ولكن لا نعرف في النهاية إلى أين ستصل هذه الحوارات والقرار الفصل سيصدر في غضون الأيام القليلة المقبلة».

 

تسبّب تعليق الحريري نشاطه السياسي وانسحابه من الحياة السياسية ولو موقتاً بتصدعات داخل الساحة السنية في لبنان عموماً وفي بيروت على وجه الخصوص، وبفراغ سياسي تسعى جهات سياسية مختلفة لملئه ليس من داخل السنّة فحسب وإنما من الطوائف الأخرى التي ترى أن الفوز بمقاعد المستقبل السنية يضفي حيثية وطنية على الفائز. قرار الحريري استنفر القوى السنية الأساسية ومن بينها الجماعة الإسلامية ويقول الحوت في هذا المجال «سواء توافقنا معه في مساره السياسي أم لا، لكن لا ننكر أن الحريري رئيس أكبر كتلة نيابية سنية ورئيس تيار له جمهوره الواسع وبالتالي فإن عزوف هذا التيار عن المشاركة يتسبب بفراغ يطمح الكثيرون إلى ملئه، ما يفرض تحدياً على الساحة السنية لأن تحسن الاختيار وإلا نصبح تابعين وهذا لا يجوز».

 

على مستوى الاتصالات تخوض الجماعة الاسلامية مشاوراتها مع كل القوى السياسية والشخصيات السنية وضمنها جمهور تيار المستقبل من شخصيات غير محازبة رسمياً، ولا ينفي الحوت التفاوض مع مستقبليين انطلاقاً من كون «تيار المستقبل جزءاً من نسيج بيروت وهم إما من الحالة التقليدية وإما لديهم تطلع تغييري والمنطق الطبيعي أن يجدوا أنفسهم معنا» لكنه يوضح بالمقابل أن «لا جهة رسمية نتفاوض معها لكن نتفاوض مع جمهور مستقبليين ونبحث في تطلعاتنا المشتركة معهم» وعمّا إذا كان التفاوض مع الرئيس فؤاد السنيورة يدخل ضمن هذا الإطار قال الحوت «اللقاءات مع السنيورة قائمة لكن لم تبلغ بعد مستوى البحث في الشأن الانتخابي».

 

وعلى الصعيد المسيحي تحدث عن» اتصالات مع الكتائب ومع قوى أخرى في تناغم سياسي معنا» من دون الإفصاح عن هوية هذه القوى تجنباً لفشل المفاوضات الجارية، أما عن العلاقة مع الثنائي الشيعي فهي وفق ما يقول الحوت تندرج في سياق إمكانية «التعاون من ضمن مشروع سياسي يصب في مصلحة البلد، أما اليوم فالخلاف السياسي لا يتيح أن نتحالف انتخابياً». وماذا لو ارتأى «حزب الله» تبني ترشيح شخصية سنية ثانية إلى جانب حليفه والأحباش؟ يجيب الحوت «يكون حينها قد وضع نفسه في المواجهة على الساحة السنية ونحن سنبذل أقصى جهدنا لملء الفراغ وعدم ترك الساحة لأي طرف وبالمقابل هناك توازنات يجب أن تحترم». ومثل الحوت كمثل الكثيرين غيره «لا يمكن لأحد أن يحسم ولكن الأرجح حصول الانتخابات النيابية في موعدها». ولكن هل ستحمل هذه الانتخابات التغيير المرجو يقول: «قد لا تحدث الانتخابات تغييراً جذرياً ولكن نحن قررنا ألا نكون في هذا المحور أو ذاك وأن نكون بيضة القبان ونحسن الأداء كي نكون عنصراً ضاغطاً على أمل الوصول إلى مرحلة ثانية نشكل فيها أغلبية.

 

تراهن الجماعة على نجاحها، غياب المستقبل عن الحلبة يعطيها الأمل في أن تكون هي القوى البديلة فتسدّ الفراغ وتمنع الآخرين من التسلق عليه فيصبح قرار السنة تابعاً لقوى أخرى، كلام فيه من المعنى السياسي ما يفصح عن أن المواجهة مع أحزاب السلطة وضمنها «حزب الله» سيكون هدفاً أساسياً لمنع تجيير تمثيل السنة في اتجاهها. لا ينفي رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية أن «المشهد اللبناني فيه كثير من الغموض ولا يمكن لأحد التنبؤ مسبقاً بنتيجة هذه الانتخابات» من دون أن يفوته التعبير عن مخاوفه «من سلوك أركان السلطة بعدما وصلنا إلى قعر الحفرة نتيجة الرهانات الخارجية» ولذا «نحن قرارنا أن نحاول الخروج من القعر».

Back to top button