برداً وسلاماً… دعوة لم تصل السماء
نيسان سليم رأفت
النشرة الدولية –
لم يحب أهل العراق عراقهم كل تواريخ العراق دامية ملوثة بالغدر والقتل والانقلابات لم تحظ هذه البلاد بمن يحبها ويعمل لاجلها أحزاب بمبادئ وفكر خارجي ودعاة أشتراكية لم ينتج عنهم غير شعارات لم تأخذ بثأر رفاق المسيرة وأكتفت بالهروب والأستنكار
لعنة العراق في أبنائه والكنز الذي كان سببا لدمارهم
نزعة الآنا والمصلحة غالبة على صفة الأنتماء الرخوة فهم أغنياء بحجم الخيانة والوفاء الذليل لحكامهم وبهذا كانوا خير من ينفذ غايات عمالة الساسة فأوغلوا بالغدر بأصداقائهم من سكان العراق وثوابت أصولهم من اليهود والمسيحين وكل من حصل على مسمى التبعية من الكرد الفيلية
كم فجر رفعت فيه الدعوات برداً وسلاماً
دون إجابة
إنها لعنة من هجر غدراً ونقمة هذه الأرض والأثر الذي بكته قلوبهم ليومنا هذا
كثيرة هي فواجعنا كما في يوم كهذا حينما شنت 33 دولة حرب الخليج الثانية على العراق
تعودت أن أتفق مع صديقاتي للذهاب إلى ملجا العامرية، وقتها كنت في السابعة عشر من العمر في حين أغلب سكان المنطقة قد غادروا بغداد خوفا من القصف، كان أبي قد أتفق مع صديقه للخروج والتوجه إلى سامراء توسلته أن يسمح لي بأن أكون معهم بهذه الساعات
الأخيرة والقصيرة المتبقية لنا في بغداد لكنه رفض ومنحني ثلاث ساعات فقط ومن ثم أعود للبيت
كان ملجأ العامرية 25 مجهزا بالعاب الفيديو والماء والغذاء والكهرباء و كل وسائل الترفيه، كان وقت القصف الجوي لا يربك مسامعنا كوننا معزولين عن العالم الخارجي لوجود عازل للصوت في الملجأ
أنتهت الساعات الثلاث وودعت صديقاتي وقررت العودة للمنزل
كان الوقت متأخراَ و الجو دافئا و شارعنا بمنتهى الهدوء
كان الليـل يشبه سواده حزينا بأسرار نجومه وكان هاجس الخوف شديدا شعرت بأرتجاف قلبي
كنت أبكي شوارع خطاي، وواقعا مريرا ومستقبلا أشد مرارة
عدت للمنزل، كان أبي ينتظرني وقال بلهجة غاضبة: رتبي حقيبتك سنغادر مع بيت أبي عادل في الثامنة صباحا
لم تغمض جفوني بقيت أكتب رسائل وكلمات للصديقات حتى سمعت دوي أنفجار منقطع صرخت بأسم أبي
أحتضنني بقوة وخبئت وجهي تحت طيات معطفه، كان قلبي يدق بشدة، ودمعي ينسكب بغزارة
الانفجار بالعامرية الانفجار بشارعنا..الانفجار قريب
كانت لحظات لا توصف، وما هي الا دقائق دوى انفجار آخر اقوى
قام ابي من فوره.. خرج مسرعاَ ليشاهد ما حصل.. و كان شديد الوثوق بأن الانفجار قريب جداً
دقائق و عاد ابي باكياً ..شديد التأثر.. احتضنني مرة اخرى و قال: (الملجأ يحترق
.. سنغادر بغداد في الصباح باكرا
بعد مرور بعض الوقت هرع الناس الى الملجأ
لم يصدق أحد ما يراه
كان الناس بحالة صدمة
انهيار تام
دخان متصاعد ورائحة الحريق تعم المكان
و الناس تتفرج
و فرق الدفاع المدني تحاول الوصول الى الداخل
أناس تترقب معجزة
ارتفعت الايدي بالدعاء
أعين بكت دماً ودمعاَ لمصير أحبتهم المجهول
كانت الساعة الرابعة فجراَ
لم تنم أعين البغداديين ذلك اليوم كانت قيامة كبيرة ومرعبة جريمة بحق البشر والانسانية
ملجأ العامرية
مكان هربنا اليه من هول الواقع
أسمه ملجأ..فمن الطبيعي ان يحوي المدنيين الآمنيين
كيف يكون هدفا لضربة عسكرية؟؟
**كيف ضرب الملجأ**
في الساعة الرابعة والنصف فجراً قصفت طائرتان من نوع (أف – 117) مزودتان بقنابل صنعت خصيصا لهذه العملية، من نوع (جي بي يو/27)، المخصصة لحرق الأهداف الكونكريتية والموجهة بأشعة الليزر من أحد القواعد الامريكية من احدى الدول الشقيقة المجاورة، مع تشكيل من طائرات الحماية والحرب الالكترونية، لتصل إلى ملجأ العامرية، وتطلق عليه صاروخين صمما خصيصا لدخول فتحة التهوية الخاصة بالملجأ، كان هدف الصاروخ الأول أحداث خرق يولد عصفا، يؤدي إلى إغلاق الأبواب، فيما يقوم الصاروخ الثاني من خلال الخرق، ليحقق النتيجة المطلوبة للعدوان.
ضرب الملجأ رقم خمسة وعشرين في حي العامرية غرب مدينة بغداد، نفذت القنبلة الثانية للطابق الأرضي حيث ينام الملتجئون بأمان، وكان الانفجار وكان الحريق، انغلقت الأبواب، فلا يدخل منجد ولا يخرج طالب نجاة، وفي الصباح استيقظ الكثيرون في عالمنا بهدوء، لأن جدران العامرية التي صممت لتعزل دوي الموت وصوت الدمار عن سمع الأطفال وبصرهم عزلت هذه المرة صوت استغاثاتهم عن سمع العالم، واستيقظ الكثيرون في هذا العالم بهدوء، واستمرت الحرب على العراق.
لقد حامت الطائرات الأمريكية لثلاثة أيام متتالية حول منطقة الملجأ، قبل ارتكابها الجريمة البشعة وبارتفاعات منخفضة، لغرض التصوير والتعرف على مواصفات الملجأ وتحديد كيفية إصابته وإلحاق الأذى به وبالناس الموجودين فيه، وبعد إصابته وصلت درجة الحرارة فيه إلى آلاف من الدرجات وانصهرت الأجساد، حتى أن كثيراً من الجثث في الطابق السفلي قد تفحمت واختلطت بالاسمنت والحديد المنصهر، فتحول هذا الطابق إلى مدفن جماعي، ولم يتمكن أهالي العامرية من التعرف على الجثث، التي تحولت إلى أكوام من
لحم محترق
أواه ياعراق
ستبقى هذه الجريمة وصمة عار في جبين الدولة التي تدعي الديمقراطية و الحرية والانسانية
أما أنا
فمن يومها لم تسكت أصواتهم ولَم تغيب صورهم من ذاكراتي لم أعد قادرة
على المرور بالملجأ الكلمات لا تصف بشاعة الجريمة و لا تضمد جرح و لا تنشف دمعة انسكبت حزناً على أناس راحو ضحية لغاية في نفس أشرار هذا العالم القبيح
وبعد كل الي أحبهم يغنون أغنية مالي صحت يمة أحو جا وين أهلنا جا وين أهلنا.