لا يحصل إلّا في لبنان… جهازاً أمنياً يخرج بمهمة إلقاء القبض على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويتصدّى له جهاز قوى الأمن المكلف حمايته!
بقلم: غادة حلاوي
خطة التعافي في خبر كان وصندوق النقد ممتعض
نداء الوطن –
النشرة الدولية –
لا يحصل إلّا في بلد كلبنان أن جهازاً أمنياً يخرج بمهمة إلقاء القبض على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويتصدّى له جهاز قوى الأمن المكلف حمايته. الجهازان يعملان بتكليف من مجلس الوزراء وهما ضابطة عدلية يفترض بهما تنفيذ مذكرة توقيف سلامة فهل رياض سلامة هو المشكلة أم إنّه انفصام الدولة والسقوط المتسارع لمؤسساتها؟ تعكس عراضة توقيف حاكم مصرف لبنان والتصدّي لها صراعاً على السلطة بين مجموعات تدافع عن نفسها ووجودها وأخرى تريد تحقيق إنجاز ما قبل مغادرة السلطة. هو صراع بالوكالة بين القاضية غادة عون وسلامة بما يمثلان ومن يمثلان. الأولى يعني رئيس الجمهورية ميشال عون والثاني يمثل فريقَ رئيسي مجلس النواب والحكومة وقوى خارجية.
شكّل ما حصل بالأمس إساءة لصورة البلد بكامل سلطاته. كيف لدولة أن تعجز عن تعيين بديل عن موظف مهما علت رتبته؟ وهل صحيح أن وزيراً في الحكومة لا يستمع لطلب رئيس الجمهورية بتسمية بديل عن سلامة وطرحه أمام مجلس الوزراء؟ إنه الانحدار الذي احتار معه صندوق النقد الذي ينقل عن مسؤوليه قولهم إنهم غير قادرين على استمرار التفاوض مع الحكومة اللبنانية، بعد أن خلفت بوعدها ولم تقدّم حتى اليوم خطة التعافي التي كان يجب أن تقدّمها للتفاوض وطلب المساعدات على أساسها، كما أن أيّاً من الإصلاحات لم ينفذ بعد، بعدما أولت الحكومة اهتمامها لتقديم الموازنة على أساس أن الأخيرة بما تتضمّنه يمكن أن تشكل بديلاً عن الخطة. منذ تشكيل الحكومة ولغاية اليوم لا تقدّم في الخطة بينما تنتظر الحكومة من مجلس النواب إقرار الموازنة والتي قد يطول نقاشها إلى فترة تزيد على الشهر. وبكل تأكيد لا اتفاق مع صُندوق النَقد قبل إنجاز الخطة وموافقة مَجلِس الوزراء عليها والحصول على مصادقة مَجلِس النواب، خُصوصاً لناحية القوانين والإجراءات الإصلاحية.
لم يطل الإعلان عنها حتى توقّفت المفاوضات مع صندوق النقد. مصادر متابعة قالت إنّ ما شهدناه كان عبارة عن مناقشات وليس مفاوضات، لأن المفاوضات الجدية لم تبدأ بعد علماً أن الحكومة كانت أعلنت أن الخطة ستكون جاهزة في 31 أيلول ولم تلتزم. ما توارد للمستفسرين هو خطة توزيع الخسائر وليس خطة تعافٍ اقتصادي ومصرفي واجتماعي وتربوي، فلماذا تتقاعس الحكومة عن تنفيذ وعدها؟
والمؤكد أن لا مفاوضات انطلقت ولا خطة تعافٍ والسبب تخلّف حاكم مصرف لبنان عن الالتزام وإعداد ما يلزم، ما اضطر صندوق النقد الى الانسحاب فاستنجدت الحكومة بشركة «لازار» لإنقاذ الوضع.
وكيف يعلن عن خطة تعافٍ فيما لم نتفق بعد على توزيع الخسائر عموماً والاكتفاء بإعلان خسائر القطاع المالي دون الخسائر المتبقية والتي ستبقى على عاتق الدولة. علماً أن الخطة ليست خسائر بل هي خطة إصلاح ونهوض اقتصادي وهيكلة للقطاع المصرفي التي يتنكر لها أصحاب المصارف.
الغريب في الموضوع أن صندوق النقد كما البنك الدولي، ومن خلال مقاربتهما المواضيع اللبنانية، باتا لا يترددان في تسمية الأشياء بأسمائها والاتهام علانية بالتقصير، فتحدث البنك الدولي في كانون الثاني عن «الإنكار الكبير» للمسؤولين للأزمة المالية، وبعده بأيام تحدث صندوق النقد عن الحاجة إلى الشفافية وضرورة إعادة هيكلة المصارف، فلماذا هذا الإنكار المتعمّد والتهرب من الواقع؟
وما الأسباب الحقيقية التي تقف خلف تخلّف الحكومة عن إعداد خطة التعافي المطلوبة كشرط أساسي لطلب المساعدة من صندوق النقد، وما القطبة المخفية في هذا المجال؟ وهل يمكن الاستعاضة عن خطة التعافي بالموازنة التي سيكون لها النواب بالمرصاد خلال المناقشة، والتي قد يطول نقاشها في مجلس النواب ليتم ربطها بالمواقف الشعبوية المطلوبة على عتبة الانتخابات النيابية؟ وكيف لبلد غارق «في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية»، حسب توصيف البنك الدولي، أن يتلهى بخلافات عقيمة داخل مجلس الوزراء وخارجها ويختلف على تعيين مدير أو نائب مدير؟
شكّل ما حصل في ما يتعلق بملاحقة حاكم مصرف لبنان عيّنة واضحة عن سقوط منطق المؤسسات في الدولة، سبقه اعتراض وزراء الثنائي على إقرار الموازنة والتي كانت عبارة عن عراضات سياسية وكيديات كان الأوجب الترفع عنها والذهاب باتجاه خطوات معالجة سريعة، وإقرار خطة تعافٍ تحاكي شروط صندوق النقد للشروع في مفاوضات جدية. ولكن هل الحكومة جدية في إقرار مثل هذه الخطة؟ وما المبرّرات التي ستقدمها إلى صندوق النقد؟ أسئلة قد تبقى بلا أجوبة إلى ما بعد إقرار الموازنة وإلا فخلاف جديد عنوانه خطة التعافي قد يجد رئيس الحكومة أنه بغنى عنه في الوقت الحاضر.