مدارس في لبنان تختبر تلاميذها حول قاسم سليماني* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
كتبت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في أحد مقالاتها بعنوان Hezbollah’s foundation is built on youth أي “مؤسسة حزب الله تستند إلى عنصر الشباب”، نُشر في تاريخ 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2008، أنه “في الوقت الذي يشهد العالم الإسلامي موجةً من الإحياء الديني، يكون من الطبيعي أن يظهر الورع بين الشباب. أما في لبنان، فتمكن حزب الله من تعبئة تلك الطاقات في مشروع سياسي مهم، إذ يدرب الحزب جيل الشباب الجديد على الاستمرار في الكفاح المسلح ضد إسرائيل. وجعلت مرونة حزب الله في أرض المعركة، منه نموذجاً تحتذي به الجماعات المسلحة الأخرى في الشرق الأوسط، ومن بينها حركة حماس. كما يرجع النجاح الذي حققه الحزب، والذي ليس بقليل، إلى برامج التجنيد الشاملة غير المعتادة التي يتبعها الحزب، والأعداد الغفيرة من الشباب الذين يقودهم الفكر الديني. وتوجد شبكة كبيرة من المدارس، يدير حزب الله بعضها، أما المدارس الأخرى فإما أنها تنتسب إليه، أو يسيطر الحزب عليها، وهي محمية بصورة كبيرة من تسلل دخلاء. كما تتوافر أيضاً شبكة علماء وأئمة يعمدون إلى تقديم الدروس الدينية للشباب، كلٌّ في منطقة معينة. وهناك أيضاً مجموعة تلاميذ وطلاب في المدارس والكليات غير المنتسبة إلى الحزب يقدمون فكر الحزب إلى الجماهير العريضة. وينظم الحزب أيضاً معسكرات صيفية لا تتبع الكشافة، ورحلات ميدانية، وخلال العطلات الدينية الإسلامية، ينظم الحزب أعمالاً تحفز الشباب على إظهار ولائهم له علناً مع القيام بالأعمال الخيرية. إن الصحوة الدينية الشيعية بدأت بعد الثورة الإيرانية عام 1979، إلا أن حزب الله تجاوز ما قام به أي تنظيم آخر، إذ اتجه إلى تعبئة هذه القوة، من خلال بناء قاعدته الشخصية، وتحصين الشباب الشيعة من إغراءات المجتمع اللبناني المتنوعة. ومن العسير للغاية قياس مدى تأثير ونفوذ حزب الله على الشباب اللبناني، وهذا مرده إلى التكتم الشديد للحزب، وغياب الإحصاءات التي يمكن التعويل عليها في البلاد. ومن الواضح أن تلك المدارس الدينية الشيعية، والتي يمارس حزب الله هيمنته عليها كثرت على مدار العقدين المنصرمين، من مجرد عدد ضئيل منها، حتى أصبحت شبكة قومية كبرى. كما أن هناك سبلاً أخرى غير لافتة للنظر، على الرغم من أهميتها البالغة، تتمثل في العدد المتزايد من العلماء المنتسبين إلى تلك الحركة. وأعدّ حزب الله وحلفاؤه أيضاً طقوساً دينية يؤديها الأطفال، منذ نعومة أظفارهم. كما تُعد النساء أيضاً من الكوادر بالغة الأهمية على وجه الخصوص في خلق ما يُسمى “الجو الجهادي” بين الأطفال، وهن يلعبن دوراً بارزاً داخل حزب الله أكثر مما تفعل نظيراتهن في أغلب الجماعات الإسلامية الراديكالية الأخرى”. ينتهي اقتباس “نيويورك تايمز”.
امتحان مختلف
هذا منذ عام 2008، لكن ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي في 3 فبراير (شباط) 2020، كان مثيراً للجدل والاستهجان، حيث نُشرت صورة عن أحد الامتحانات والتي تحمل شعار “مدارس المهدي” التابعة لحزب الله في لبنان، أسئلة موجهة إلى طلبة الصف السابع حول سليماني، أسئلة ليست مخصصة لامتحان عادي، (بحسب ناشطين على مواقع التواصل). وطُرحت في ذلك الامتحان أسئلة عن قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أميركية في 3 يناير (كانون الثاني) الماضي. بعد الاستماع جيداً إلى رسالة مسموعة عن “عابر الأوطان” (وهذا يعني أن الامتحان أُرفق بتسجيل صوتي يشرح للتلامذة عن سليماني) طُرحت الأسئلة التالية (راجع الصورة المرفقة أدناه).
دور وزارة التربية
هذا الامتحان ونوعية الأسئلة تطرح سؤالاً، عن المؤسسات التربوية والكشفية التابعة لحزب الله، وهل هذه المدارس والمنهج التعليمي فيها يخضع إلى رقابة وزارة التربية؟
وسألت “اندبندنت عربية” المسؤول الإعلامي في وزارة التربية اللبنانية ألبير شمعون، عن التنسيق بين الوزارة ومؤسسات حزب الله التربوية، وهل تخضع نشاطاتها إلى الرقابة؟
وأجاب شمعون أن “مدارس حزب الله ككل المدارس الخاصة، لا تخضع نشاطاتها إلى الرقابة، وهم يقومون بتلك النشاطات من دون سؤال الوزارة. وككل المدارس ذات التعليم الديني، تملك مدارس حزب الله الحرية في ما تختاره من نشاطات إضافية”.
ولكن ماذا حول المسابقة التي خصصت موضوعها حول قاسم سليماني وحده؟ أوضح شمعون أنه لم يطّلع على المسابقة وليس على دراية حول ما جاء فيها. ولكنه يشرح أن “المنهج الدراسي موحّد، وكل الكتب الصادرة عن وزارة التربية والخاصة بالتعليم الرسمي، توزَّع مجاناً للطلاب حتى نهاية المرحلة التكميلية (البريفيه). أما عن المدارس الخاصة، فهي تعتمد كُتُباً خاصة بها، إلا أنها حائزة على موافقة المركز التربوي، بما يتوافق مع المنهج الرسمي، لأن كل الطلاب يخضعون لذات الامتحانات للشهادات الرسمية”.
ويعقب على موضوع المسابقة، قائلاً إن “لحزب الله توجهاته التعليمية الخاصة بما يتلاءم مع سياسته، وهم لا ينسقون مع الوزارة بخصوص أي من نشاطاتهم. كذلك بقية المدارس ذات التعليم الديني فإنها تقيم نشاطات كمسابقة حفظ القرآن، أو مسابقات اللغة العربية، من دون العودة إلى وزارة التربية”.
لا جواب
وتوجهت “اندبندنت عربية” بالسؤال ذاته إلى مدارس “المهدي”، قسم العلاقات والإعلام، حول التنسيق بين المدارس ووزارة التربية. مَن أجاب على الهاتف، قال لنا “يجب طلب الإذن من العلاقات الإعلامية في الحزب، حتى نستطيع الإدلاء بأي تصريح. لكن نحن نعلن عن كل فعاليتنا عبر موقعنا على الإنترنت”.
واتصلنا بمكتب العلاقات الإعلامية في حزب الله، فقيل لنا “سننظر بهذا الشأن ونعود إليكم”، إلا أننا لم نتلق حتى الانتهاء من إعداد هذا التقرير أي جواب.
تعرّف “مدارس المهدي” على موقعها على الإنترنت عن نفسها، بالتالي: “المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، جمعية تربوية، تهدف إلى العناية بالناشئة، وبناء جيل رسالي واعٍ مثقف، عبر تأسيس المدارس وإعداد المعلمين والمناهج التربوية. تعمل المؤسسة من خلال مدارسها على إرساء دعائم القيم الدينية والأخلاق الإسلامية في المجتمع اللبناني وترسيخ العلاقات الإنسانية بين أفراده، مع الاهتمام الكبير بتوفير العلم والمعرفة في جميع المجالات التطبيقية والنظرية”.
وتضم تلك المدارس 20 ألف طالب تقريباً في مختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي. وتتوزع الفروع كما يلي:
– مدينة قمّ في منطقة يزدان شهر، تحتضن أبناء طلبة العلوم الدينية من لبنانيين وعرب، تأسست عام 1993.
البزّالية، لبنان، محافظة البقاع اللبنانية، قضاء بعلبك. تأسست عام 1994.
بعلبك، محافظة البقاع، قضاء بعلبك. تأسست عام 1986.
شمسطار، البقاع، قضاء بعلبك. تأسست عام 1995.
النبي شيت، البقاع، قضاء بعلبك. تأسست عام 1991.
بنت جبيل، محافظة النبطيّة اللبنانية، قضاء بنت جبيل. تأسست عام 2002.
عين المزراب، محافظة النبطيّة، قضاء بنت جبيل بلدة الجميجمة. تأسست عام 1995.
المجادل، قرية المجادل، محافظة جنوب لبنان قضاء صور. تأسست عام 1993.
صور، محافظة الجنوب، قضاء صور. تأسست عام 2000.
الشرقيّة، محافظة النبطيّة، قضاء النبطيّة، تأسست عام 1993.
كفرفيلا، عين قانا، إقليم التفاح، محافظة النبطية، قضاء النبطية. تأسست عام 1994.
الغازية، محافظة الجنوب، قضاء صيدا. تأسست عام 1995.
الحدث، محافظة جبل لبنان، قضاء بعبدا. افتُتحت مطلع عام 2009-2010. إضافة إلى شاهد والأحمدية وروضة المهدي والقطراني على طريق المطار.
اللغة الفارسية
ويذكر الموقع أنها تدرّس باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية إضافة إلى الفارسية كلغة أجنبية ثانية. كما يشرح الموقع عن الأقسام والمساحة وعدد طلاب كل مدرسة.
ويقول مصدر مقرّب من “حزب الله” إن “مدارس المهدي تعلّم طلابها عن شخصيات علمية وثقافية وسياسية، في حقول الطب والفكر والشعر والأدب والاختراعات، بغض النظر عن جنسية الشخصية، لماذا التركيز الآن على شخصية اللواء سليماني؟”.
وأكد المصدر ذاته أن “تعليم اللغة الفارسية، مثله مثل أي لغة أجنبية أخرى يتعلمها الطالب اللبناني في المدارس”. ويسأل “لمَ لا تُسأل المدارس الدينية الأخرى عن نشاطاتها التربوية؟”.
“ثقافة مذهبية”
في المقابل، رأى مصدر أكاديمي مطّلع على النهج التربوي للحزب، فقال إن “مثل هذه المدارس تساهم في خلق ثقافة مذهبية، ليس فقط في المناهج المتبعة بل في طبيعة الفعاليات والثقافة التي تنشرها تلك المدارس. المشكلة ليست فقط في تعليم اللغة الفارسية، بل في المخيمات التي تُقام على مستوى الروضات والتي تحمل شعارات إيران وحزب الله السياسية، وصور علي خامنئي وحسن نصر الله. أضف إلى ذلك، الكل يتذكر لعبة الفيديو التي انتشرت عقب دخول حزب الله إلى سوريا والتي تتحدث عن الشاب أحمد الذي يدافع عن المقام الشيعي للسيّدة زينب في دمشق”.
وكان حزب الله أطلق في فبراير (شباط) 2019، لعبة فيديو باسم “الدفاع المقدس”، تحمل شعار “حماية الوطن والمقدسات”، حُذفت في ما بعد من قبل شركة غوغل. واللعبة كناية عن مطلق نار ثلاثي الأبعاد، يدعو اللاعبين إلى الدفاع عن المقامات الشيعية في سوريا ولبنان ضد حشود مقاتلي “داعش”. هذه اللعبة تدافع عن مشاركة قوات شبه عسكرية مدعومة من إيران في الحرب السورية في عام 2013. وتتحدث عن تسلّل “أحمد” إلى معسكر “داعشي” في محيط الحجيرة لإنقاذ السجناء والرهائن المحتجزين لدى التنظيم في أحد منازل منطقة القُصير الحدودية مع لبنان، قبل أن تجتاح المعركة الكبيرة البلدة. ويشارك أحمد في معركة “القصير” ثم يلقي القبض على العقل المدبر للتفجير الانتحاري المزدوج الذي أودى بحياة 46 شخصاً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 في ضاحية بيروت الجنوبية. وينتهي به المطاف كقنّاص في كمين نُصب ضد إحدى مجموعات “داعش” التي كانت تخطط لهجوم على منطقة رأس بعلبك، في سهل البقاع اللبناني، حيث قاتل “حزب الله” في صيف عام 2017.
وكان جاك جوي، وهو أستاذ مساعد في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، صرح لمجلة “فوربس” إن “اللعبة بتقنياتها العالية تُظهر مهارات حزب الله التكنولوجية إلى جانب الجهود التي يبذلها الحزب على الإنترنت”. وأضاف أن “التطبيق يشجع لبنانيين شيعة كثراً من الفئة الأصغر سناً على المشاركة في القتال، إذ يرون أنفسهم في شخصية البطل ويتخيلون أنهم يحققون تلك الأدوار العسكرية فائقة الذكاء التي يأمل حزب الله في النهاية توجيههم نحوها”، لافتاً إلى أن “اللعب يُصبح تلقائياً نوعاً من أنواع المشاركة”.
“باسيج لبنان”
من جهة أخرى، أنشأ “حزب الله” أيضاً “التعبئة التربوية”، وهي مستمدة من الثورة الإيرانية، والتي يقابلها في إيران مصطلح الـ “باسيج”. وظيفة هذه المؤسسة هي العمل مع الشباب والطلاب، وتنتشر فروعها في مختلف الجامعات والثانويات، بخاصة في المناطق والأحياء ذات الكثافة الشيعية. وتعرّف عن أهدافها بوضوح، وهي “دعم المقاومة وتعميم ثقافتها وتجذيرها ورفدها بالكفاءات المتخصصة، والتزام القضايا الكبرى للوطن والأمة”.
إلى ذلك، يصدر الحزب مجلة “المهدي”، التي انطلقت عام 2003 وتنشر برامج الجمعية وخططها وأهدافها وهي متخصصة بالفئة العمرية من 4 إلى 7 سنوات، و8 إلى 13 سنة، وتصدر أعداداً مخصصة إلى فئة الأعمار التي تتراوح بين 13 و17 سنة. وتتوزع على فروع “مدارس المهدي”.
غسل أدمغة
وتشرح أستاذة في علم النفس والاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتورة منى فياض، أن تلك الطريقة تُعد “عملية غسل أدمغة لعناصر حزب الله مصحوبة بأفكار عن الشهادة والمقاومة ترافقهم منذ صغرهم. ويتفرد حزب الله بهذا النموذج من التعبئة بين الأحزاب اللبنانية الأخرى، إذ يسلك خيار النظامين النازي والفاشي اللذين كانا سائدين في الفترة السابقة، حتى إن مادة التاريخ التي تُدرّس تبدأ من أيام سفينة نوح خلافاً للمناهج الدراسية المعتمدة. ويهدف حزب الله من خلال هذه المناهج التعبئة العسكرية ونشر أيديولوجيته ومشروعه السياسي”. وأضافت فياض أن “بعض الحصص التعليمية في مدارس حزب الله، تتضمن التدريب على نصب الكمائن العسكرية والقتال، كما أن الطالب وعند مناداته يُجيب بأعلى صوته “شهيد”، بدلاً من أن ينطق بكلمة: حاضر”.
وعن رسالة الحزب من خلال تسريب المسابقة حول سليماني إلى وسائل الإعلام، فتسأل فياض “ما الهدف من استفزاز اللبنانيين حيث أن أكثريتهم، يعتبرون سليماني قاتل الشعوب، بينما هم يروجوا له على أساس أنه بطل قومي”. وتعتبر فياض أن “بهذا العمل، يعبّر حزب الله عن نقص في الذكاء الانفعالي والتخطيط والاستراتيجية. حيث أنه، يتجاهل نصف الشعب اللبناني، الذي نزل إلى الشارع، وطالب بانتخابات نيابية مبكرة. بعمله هذا يقول، إننا متجهون نحو مزيد من النظام القمعي”.
نقلا عن “اندبندنت عربية”