فياض على خطى باسيل: لا تعيين للهيئة الناظمة قبل إخضاعها لوصاية وزير الطاقة
النشرة الدولية –
كتبت نوال الأشقر لـ “هنا لبنان” –
على طريقته، مرّر وزير الطاقة وليد فياض المطلب القديم المتجدد للنائب جبران باسيل بتعديل صلاحيات الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء قبل تعيينها، أو بمعنى أدق إخضاع الهيئة لوصاية وزير الطاقة. ما قاله فياض بطريقة مواربة بعدما التقاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السراي الحكومي لمناقشة خطّة الكهرباء، يثبت أنّ الوزير المحسوب على التيار الوطني الحر تلميذ مطيع، لا بل مجتهد، فما كان يجاهر به وزراء الطاقة لا سيّما سيزار أبي خليل وندى البستاني بطريقة فجّة، لناحية رفض تعيين الهيئة الناظمة قبل نسف دورها والهدف من وجودها، غلّفه فياض بعبارات منمّقة في معرض حديثه عن تعديل قانون الكهرباء من السراي الحكومي بالأمس، بحيث قال “لقد بحثنا بإنشاء الهيئة الناظمة، وضرورة أن يكون هناك تعهد من مجلس النواب للنظر في الثغرات الموجودة في القانون رقم ٤٦٢ ليتماشى مع مستقبل القطاع ومن ضمنه مشاركة القطاع الخاص، والفترة الانتقالية التي يحتاجها لتكون الهيئة الناظمة فاعلة وتأخذ دورها كاملًا مع حفظ استقلاليتها”.
إذن فياض يريد تعهّدًا من المجلس النيابي بما سماه “ثغرات القانون.. لتكون الهيئة فاعلة”. موقف وزير الطاقة ليس مستغربًا، فالتيار الوطني الحر الذي رفض على مرّ السنين تعيين الهيئة الناظمة قبل تعديل القانون، لا زال متمسّكًا بنهجه، وفي حال اعتقد البعض أنّ الفشل المدوي في الكهرباء وهدر المليارات على قطاع كبّد الخزينة حوالي نصف الدين العام، سيجعل التيار يتراجع عن مقاربته المدمّرة للقطاع، أتى فياض ليثبت أنّ مثل هذا الاعتقاد خاطىء، وأنّ النهج نفسه مستمرٌ، بصرف النظر عن مسؤولية الفريق الذي استلم وزارة الطاقة عن العتمة شبه الشاملة. هذا الفريق لا يحقّ له طلب تعهد من أيّ جهة “فهم المشكوك بأمانتهم والتزامهم” يقول مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون لـ “هنا لبنان”. التيار الوطني الحر لا يمانع إنشاء الهيئة الناظمة، لكن ليس قبل تعديل صلاحياتها بما يبقي الوزير المتحكّم الأوحد بالقطاع، هذه الإشكالية عمرها سنوات، في الإطار يكشف بيضون أنّ “ما لا يعرفه معظم الناس أنّه سبق ورفع باسيل مشروع تعديل القانون 462 إلى مجلس الوزراء، وطرح التعديل بشكل جدي بعد صدور ورقة سياسة القطاع في عام 2010، ثمّ طرح مع إقرار القانون 181 في عام 2011. الحكومة طلبت رأي كلّ من هيئة التشريع والاستشارات ومجلس الخدمة المدنية بهذه التعديلات، أتى الرأي سلبيًّا من الجهتين، ومعارضًا للتعديلات التي تشوبها مغالطات عدّة. وزراء التيار لم ييأسوا، وما لبتوا أن عرضوا مشروع التعديل في ظلّ ولاية حكوميّة أخرى، ولم يفلحوا بتمريره لكثرة المغالطات التي تشوبه، كما أنّه يخالف الاتجاهات الحديثة للتشريع. منذ ذلك الحين وفي كلّ مرة كانت تطرح فيها مسألة تعيين هيئة إدارة القطاع، يعيد وزراء الطاقة نغمة التعديلات. على رغم أنّ القانون 181 نصّ بشكل واضح على عدم وجود رابط بين تعيين الهيئة الناظمة للقطاع وتعديل القانون، لا زالوا على طرحهم بأن لا هيئة قبل التعديل، لطالما قلنا لهم عيّنوا الهيئة، وذلك لا يمنع من تعديل صلاحياتها لاحقًا”.
تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء مطلب إصلاحي ردّده المجتمع الدولي على مسامع المعنيين عشرات المرّات، ولا زال يشكّل شرطًا أساسيًّا من شروط الجهات المانحة منها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن رغم كل ما يعانيه اللبنانيون من تداعيات أزمة الكهرباء وما يتكبّدونه من أكلاف باهظة لفواتير المولدات الخاصة، يستمر التيار الوطني الحر بالتعامل مع الوزارة وكأنّها ملكيّة خاصة به، ودائمًا وفق معادلة “لا هيئة ناظمة خارجة عن سلطة الوزير ووصايته، أو بمعنى آخر هيئة بلا صلاحيات”.
ما هي التعديلات التي يطرحونها؟
يريد التيار الوطني الحر تعديل المادة السابعة من القانون، ويطرح وزراؤه المتعاقبون وجوب أن تُنشأ الهيئة في وزارة الطاقة، وتكون قراراتها خاضعة للمخطط التوجيهي الذي تعدّه الوزارة، على أن ترفع اقتراحاتها وتوصياتها إلى الوزير للمصادقة عليها. يبررون ذلك بعدم تعارض مهماتها مع صلاحيات الوزير. بالمقابل هناك رأي آخر للعديد من القوى السياسية والكتل البرلمانية، مفاده أنّ التعديلات تعني تحويل الهيئة إلى هيئة استشارية، ليس لها أيّ دور تنفيذي في تنظيم قطاع الكهرباء، ليبقى الوزير متحكّما بالقطاع.
ماذا عن خطّة فياض للنهوض بالقطاع، والتي يعد من خلالها بكهرباء 24/24 بعد فترة انتقاليّة؟
“لا معنى لخطة فياض ولا تتضمن أيّ جديد، بل مجرد وعود غير قابلة للتطبيق، لنكون أمام المزيد من الهدر وإضاعة المزيد من المليارات” يقول بيضون، لافتًا إلى أنّ مشروع موازنة 2022 تضمن ذكر مبلغ الـ 5250 مليار للكهرباء مرتين، مرّة بشكل سلفة خزينة صريح، ومرّة تحت مسمى فروقات أسعار صرف المحروقات لكهرباء لبنان.
بالتوازي قدّم عدد من نواب تكتل “لبنان القوي” اقتراح قانون معجل مكرر بمادة وحيدة لتعديل قانون إنشاء مؤسسة كهرباء لبنان، يجيز من خلالها للبلديات بإنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائيّة لقاء تعرفة. وفق مقاربة بيضون هذا الإقتراح مفخخ، “من شأنه تدمير ما تبقى من مؤسسة كهرباء لبنان وتفتيت صلاحياتها، لإجهاض قانون تنظيم قطاع الكهرباء 462/2002 وطي صفحة تعيين الهيئة الناظمة وتمكين الوزير من السيطرة على المؤسسة، هذه هي الأفخاخ التي ينطوي عليها القانون”. لافتًا إلى وجود مشروع أُنجز حين كان مروان شربل وزيرًا للداخلية والبلديات، وهو اقتراح بسيط وقابل للتطبيق.
خطط ووعود، هذا ما جناه اللبنانيون منذ تسلّم جبران باسيل وزارة الطاقة عام 2011، وعلى رغم شعار “ما خلونا” بقي هذا الفريق مصرًا على حقيبة الطاقة، واليوم يطرح وزيره ما فشلوا في تحقيقه طيلة السنوات الماضية، تعطيل الهيئة الناظمة قبل ولادتها، تعديلاتٌ لم تمر سابقًا، فكيف اليوم بظل رقابة المجتمع الدولي؟