رحيل… قصة قصيرة

https://scontent-hbe1-1.xx.fbcdn.net/v/t39.30808-6/274308156_4889163601177873_7667186597694185968_n.jpg?_nc_cat=100&ccb=1-5&_nc_sid=8bfeb9&_nc_eui2=AeEI0WgyFZt6RDEucTPffwtmLJoew-Q-MXMsmh7D5D4xc-YrrsmrkG0uV-VAkEdO5-nnjjgQyJMjaMUJAfHyMrWX&_nc_ohc=tmCdmry7Ph0AX_QziD2&_nc_oc=AQl58qRFhZqN3QDCcde5SC7EOsngXLdVA3Q0VlZuVapgWe_tQuEji-bIN6rt247RKCk&_nc_ht=scontent-hbe1-1.xx&oh=00_AT8OJhs_ixG8QLfe972uLRuBFSu2tzs8RTF410VrOqH80g&oe=6218125A

فوزز حمزة

النشرة الدولية –

توقفت بسيارتها عدة أمتار بعيدة عني ثم رجعت للخلف  لتسألني:

– أين وجهتك؟..

قلت لها:

– إلى ساحل مدينة بورگاس.

أخرجت يدها تدعوني إليها قائلة:

– سأوصلك في طريقي فأنا أيضًا ذاهبة إلى هناك.

سألتني بعد انطلاقها وإغلاقها للمذياع في سيارتها:

–  من أية مدينة أنت؟..

–  من صوفيا.

هواء النافذة بعثر شعرها الطويل فشممت منه رائحة عطر انعشتني ..

تساءلت  بعد إشعالها سيجارة:

– ما الذي تفعله في هذا المكان المنقطع ؟..

–  تعطلت سيارتي فجأة ..

ضحكت وهي تقول:

–  تتعطل السيارات فجأة من أجل حدوث أشياء أخرى. ابتسمت  ونظرت لنفسها في مرآة السيارة.

– شكرًا لأنكِ توقفتِ لي

–  كان من المفترض أن تسافر معي صديقتي .. لكن تطلب وجودها في المدينة لشأن يخص العمل .. فاضطررت للسفر من دونها .. جميل أنني صادفتك !!

بحديثها هذا كأنها قطعت دهليزًا طويلًا مظلمًا لتستقر إلى جانبي.

– ماهو عملك؟

–  نحات على الحجر..

صمتت هنيئة قبل أن تقول بصوت طفولي:

– إذن أنت من يجعل الحجر ينطق بعد أن تمنحه أصابعك الروح !!

ابتسمت ولم أجب .. مسندًا رأسي على زجاج النافذة محدقًا في أشجار الطريق التي بدت داكنة حد السواد وأغصانها تشابكت من الأعلى لتلقي بظلالها على الشارع الممتد بلا نهاية.

استيقظت لأجدها واقفة تدعوني للنهوض فقد وصلنا مدينة بورگاس .. كنت كمن في حلم.

قالت:

–  استغرقت في النوم وتركتني أحدث نفسي وهذه ليست من علامات الرفقة الجيدة.

كانت هذه هي المرة الأولى التي أراها بوضوح وجهًا لوجه .. فأذا بها تشبه الشمس ساعة الشروق، هادئة ورائعة ..

قالت بعد أن أخرجت الحقائب:

–  لدي حجز في هذا الفندق .. ماذا عنك ؟

أشارت إلى فندق كبير له اطلالتان .. واحدة على شارع المدينة .. والأخرى تطل صوب جهة البحر.

أجبتها :

–  لم أخطط سوى للمجىء ..

وهي تسحب حقيبتها قالت:

– إن رغبت بالإقامة في نفس الفندق؛ اتبعني.

أخذت موظفة الاستقبال بياناتنا وسلمت لنا مفاتيح الغرف والتي حرصنا على أن تكون شرفاتها مطلة على البحر الذي انعشتني نسائمه القادمة من النوافذ الكبيرة.

دخلنا ممر الطابق الرابع لتدخل حجرتها التي كانت جوار حجرتي.

خرجت للشرفة لأجدها قد سبقتني إلى شرفتها تحدق في الأفق مرتدية روب الحمام بينما تركت شعرها منسدلًا على ظهرها وقطرات الماء علقت بنهايته، بادرتني قائلة:

– عند الفجر .. سأكون على الساحل أترقب شروق الشمس .. ما رأيك في الذهاب معي؟

–  لهذا أتيت ..

– أممممم .. أراك إذن عند البحر فجرًا..

– ما اسمكِ؟

– رحيل.

ثم اختفت داخل حجرتها.

…………………………..

كات المدينة صاخبة تلك الليلة.. وأنا أنظر للقمر المنتفخ، فكرت في الذهاب إلى رحيل أدعوها للخروج معي لاحتساء عبوة من البيرة .. لسبب أجهله .. فضلت في تلك اللحظة البقاء لوحدي.

عند الفجر ..

هتفت حين رأتني سائراً نحوها:

– آه يا فجر بورگاس !! .. هل تراه جميلًا مثلي ؟؟

شعرت بالعالم ينبثق من خلف حلم .. كانت جميلة إلى حد إنها لا تشبه أي شيء .. ترتدي ثوب سباحة بلون البحر.

وأنا أنظر للشمس القرمزية وهي تخرج من بين الأمواج  مرسلة أشعتها  على سطح البحر المضطجع تحتها، قلت لها:

– هنا أجد نفسي بأحلام جديدة.

سألتني وهي لم تزل تنظر صوب الأفق:

– لم أنم ليلة أمس .. غالبًا ما يصيبني هدير الأمواج بالأرق !!

ثم اضطجعت على ظهرها فوق رمال الساحل الدافئة بينما شفتاها تدندن بأغنية حب قديمة.

لطالما نظرت إلى النساء دون اكتراث ثم التقيت هذه المرأة.

………………………..

بدأت استيقظ  ساعة الفجر بدقة لا تعرف الخطأ، أسير نحو المكان الذي يجمعني برحيل .. نعبُّ من أنفاس الفجر الندية الممتزجة برائحة البحر لتنشر بيننا عبق غريب .. سألتها:

– بماذا تحلمين؟؟

قالت وكأنها تحدث البحر:

– ليس مهمًا بماذا أحلم .. المهم أن أحلامي ما زالت تقف إلى جانبي.

قلت لها ونظراتي مصوبة نحوها:

– كأنك ابتسامة حياة على ثغر حزين يمشي في الطرقات.

ابتسمت لترفع رأسها ترقب آخر نجمة تودع سماءها.

………………………………………………………….

مضت ساعتان ورحيل  لم تأتِ لتشهد الفجر معي .. مكانها على الساحل الذي غطته مياه البحر كان شاهد زور على إنها كانت هنا.

لم تحضر حتى خطت لوعتي يومها الثالث .. خيل إلي أن كل شيء في الكون عاد إلى مكانه الطبيعي بعودتها.

– أين كنتِ .. ولِمَ هاتفك مغلق  ؟؟

– قابلت صديقات لي .. ذهبت معهن ولم يكن الشاحن معي .. آسفة لأنني لم أتمكن من إخبارك.

لا أقول أني أحببتها .. بل رؤيتها تجعل ذاكرتي متقدة وعيناي تلمعان.

–  أرجوكِ !! لا تفعليها ثانية.

فردت ذراعيها كأنها تطير وركضت نحو البحر تدعوني للحاق بها.

تلك الليلة، استقبلنا الفجر من شرفة غرفتها  .. صخب البحر تلك الليلة أغراني في البقاء مستيقظًا حتى الفجر، ثمة أشياء تستحق لأجلها أن نبقي أعيننا مفتوحة.

قالت لي وهي تضع رأسها على صدري العاري :

– الحب الذي يولد على ساحل البحر، له طعم الغرق.

أجبتها وأنا مغمض العينين:

– أحبكِ.

سألتني:

–  هل تهجرني يومًا وتقرر الرحيل؟؟ هل ينجح الأمر معك إن فعلت ؟

عانقتها بصمت  .. هل يمكن لكلمات من حروف قليلة تحديد خريطة الغد ؟؟

…………………………………….

مع إشراقة أول خيوط الشمس التي أزاحت دجى الليل بضيائها شمّمت رائحة عطرها تملأ أنفاسي وأرجاء المكان.

ناديت باسمها فردّ علي صفير الهواء .. قارصًا كان الجواب.

لم أجد منها إلا شال فيه عبقها يلتف معانقًا مقبض الباب المفتوح وكأنها أرغمت على الرحيل، كما هو اسمها.

يكاد يقتلني الحزن ويمزّق أوصالي، نور الصباح يدعوني للخطى خلف الحلم.

سارعت إلى محطة القطار استقل أولها منطلق  حيث لا أعرف وجهتها، هاتفها المغلق أكد لي أنني فقدت زمن العودة.

أخذت يداي تعنفان الريح وقدماي تدوران بجسدي حول اللاشيء.

.. ذهبت كالفراشة مع الريح ترفرف .. لم أقصد ألا أجيبها .. فأنا رجل يؤثر الصمت بينما أصابعي تستنطق الحجر.

سار بيّ القطار يقتلع من روحي كلما ابتعد زفير..  وبقي زفير واحد صعب عليّ إخراجه.

إنه الوداع، لم يكن بيننا وداع .. هكذا فعلت رحيل ٠٠ رحلت وتركتني أسال البحر:

هل ستعيدها أمواجك ثانية؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى