أحمد الحريري: التسوية الرئاسية اختزلت البلد بثنائيات طائفية* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
لا يشبه الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري باللقاء المباشر، ذلك الشخص الذي نتابعه عبر شاشات التلفزة. لطيف، مضياف، عفوي وغير متكلف. يدخل إلى الصالون بثياب غير رسمية، مستقبلاً “اندبندنت عربية”، في بيته ببيروت. يطفئ هواتفه، ونشغل جهاز التسجيل.
ويقول أحمد في بداية حديثه إن التيار حقق الكثير من الأمور ضمن جبهة 14 آذار منها الانتخابات النيابية عام 2009، “لكن مقتضيات الوفاق الوطني وإيماننا بأن الحل هو بالحوار ما بين كل الفرقاء اللبنانيين، دفعنا إلى عدم استخدام المكاسب التي حصلنا عليها للاستقواء على الطرف الآخر”.
خطاب 14 شباط
يعد خطاب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في 14 فبراير (شباط) الحالي، من قبل بعض المراقبين، أنه خطاب إعادة تموضع، كما أعلن خلاله صراحة، انتهاء التسوية الرئاسية.
يشرح الأمين العام، الذي استقبل منذ أيام مولودة جديدة سماها ندى، لمن يحمّل الرئيس الحريري مسؤولية التسوية “أنها تمت على مراحل، إذ قدمت بكركي لائحة من أربعة أسماء، سليمان فرنجية، الدكتور سمير جعجع، الرئيس السابق أمين الجميل، والعماد ميشال عون. فكان هذا بمثابة إشهار من قبل أعلى مرجعية مارونية. المرحلة الثانية كانت باتفاق معراب، حيث تنحى آنذاك جعجع عن ترشحه لصالح عون. علماً أن الرئيس الحريري كان قد طرح اسم فرنجية، لكن بسبب حلفاء الأخير لم تعقد جلسة انتخاب حينها”.
ويحمّل الحريري “اتفاق معراب” مسؤولية القانون الذي أجريت على أساسه الانتخابات النيابية 2018. ويؤكد “أن هذه التسوية بالمحصلة والممارسة أدت إلى اختزال البلد في ثنائيات محددة، الثنائية الشيعية الموجودة منذ 2005 من بعد اغتيال رفيق الحريري، واتفاق معراب الذي دفع باتجاه ثنائية مارونية، بحيث تقاسم الطرفان كل المراكز المسيحية في التعيينات. ونتيجة هذا الاتفاق، جاء قانون الانتخاب المشوه الذي لا يمت بصلة لاتفاق الطائف”.
لكن هذا القانون وافق عليه تيار المستقبل، فيجيب “طبعاً كنا ضمن الحكومة، والموافقة من ضمن الأخطاء التي حصلت آنذاك”.
ويشرح أنهم أجبروا على الموافقة، بعدما كان الخيار ما بين قانون الستين، وقانون مروان شربل. ونتج من هذه الانتخابات ظهور ثنائيتين جديدتين. درزية، طلال إرسلان ووليد جنبلاط، وسنية، بعد ظهور ما عرف باللقاء التشاوري. وهذا ما أبرز نظام المحاصصة بأبشع صوره”.
ثورة 17 تشرين
في المقابل يقول الحريري، “إن ثورة 17 تشرين أظهرت أن قانون الانتخابات لا يعبر عن تطلعات اللبنانيين، ونتيجة لذلك انفجر الناس في الشارع”.
ويرى أن “التيار الوطني الحر الذي نظم تظاهرة عصر اليوم أمام مصرف لبنان، سيحاول تحميل الفشل لطرف واحد”.
ويوضح أنه “لا أحد يستطيع ركوب موجة الحراك، لأنها صرخة صادقة ومحقة، ومطالب بديهية فشلت الطبقة السياسية وحتى تيار المستقبل في تحقيقها”.
ومن وجهة نظر تيار المستقبل، يشرح الحريري أن الحكومات التي كانت تشكل كحكومة وحدة وطنية وبطريقة المحاصصة، “لن تجدي نفعاً بعد اليوم”، مؤكداً وبحسب خطاب الرئيس الحريري أنهم مع انتخابات مبكرة، وسيكون في اليومين المقبلين خطوة للتيار بهذا الاتجاه.
ويكشف الحريري أنهم على تواصل مع مجموعة من الحراك، وأن بوصلة هذا الحراك في ما خص قانون الانتخابات ما زالت غير واضحة، مؤكداً أن الانتخابات على أساس القانون الحالي بوصفه “قانون طائفي ومذهبي، يكرس نظام المحاصصة”. ويرى أن “من كان غائباً حتى الآن عن الدولة هو المجتمع المدني النابض”.
في سياق متصل، يضيف الحريري أنهم كتيار جمعوا العديد من الطروحات، ويناقشونها، ومنها خفض سن الاقتراع إلى 18 سنة، وحق المرأة اللبنانية بإعطاء الجنسية لأولادها…
عودة إلى الخطاب
وفي العودة إلى خطاب الأسبوع الماضي، يأخذ كثيرون على الرئيس الحريري، أنه وجه سهام نقده إلى جهة وحيدة وهي جبران باسيل، أما المعرقل الأساسي، أي حزب الله، فكانت الانتقادات تجاهه خجولة نوعاً ما.
يوضح الأمين العام في هذا الإطار أن “الرئيس الحريري توجه مباشرة إلى حزب الله وقال إن أموال إيران تحمي الحزب ولا تحمي لبنان، لكن ما يهم الرئيس الحريري اليوم هو موضوع الفتنة السنية الشيعية التي عانت منه المنطقة من حولنا”.
وعن شكل الحكومة وتنصل حزب الله ونفيه أن تكون حكومته،
يعلق “شكل إعلان هذه الحكومة التي تنصل منها الكل إلا العهد، ومشاركة الحزب فيها يعني أنه مسؤول ولا يستطيع التهرب، ولن يتمكن من الإنكار بأنها حكومته، وللأمانة، إذا ما بحثت لدى حركة أمل وحزب الله لوجدت انزعاج من جبران باسيل، ومن العهد كما لدى بقية اللبنانيين”.
دور حزب الله
لكن أين دور حزب الله هنا، ألا يستطيع توجيه أو دوزنة تصرفات باسيل؟
يحاول أحمد الحريري شرح موقف الحزب ولماذا يتصرف بهذه الطريقة، “عام 2005 وبعد بروز ثورة 14 آذار بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تبين أن هناك طرفين معزولين، حركة أمل وحزب الله. اشتغل الحزب للتوافق مع ميشال عون ليكون له ستار مسيحي يتستر به، ويقول إنه الحامي للأقليات في رسالة موجهة للأوروبيين في حال لم تقتنع الولايات المتحدة. نجح حزب الله في مسعاه، حيث أمنت له ورقة التفاهم مع التيار عام 2006 الخروج من الانعزال. لا يريد الحزب أن يخسر هذه الورقة، كما أنه يريد أن يظهر كحامي للأقليات في هذا الإقليم”.
لكن هناك من يقول إن الرئيس الحريري أحرق كل مراكبه مع التيار الوطني الحر، فماذا عن فرضية أن يأتي جبران باسيل خلفاً لميشال عون رئيساً للجمهورية؟
يجيب الأمين العام الحريري “معركة الرئاسة ما زالت بعيدة”.
من جهة ثانية، يرى الحريري، أن هذا التقدير لم تقرأه القوات اللبنانية جيداً، حيث أتى تنحي الدكتور جعجع عن الترشح للرئاسة، في مقابل أن يسميه التيار الوطني لرئاسة الجمهورية في المستقبل، فقام التيار الوطني وأبرز باسيل فعادت المعركة بينهما إلى البداية.
وعن حرية التصرف لدى رئيس الحكومة الحالي حسان دياب، إذ لا حسابات سياسية له، في حين أن سعد الحريري لديه حسابات انتخابية خاصة، والمحافظة على الزعامة السنية، يلفت الأمين العام إلى “أن البيان الوزاري يعد محض إنشاء عربي، الواضح حالياً، أن هناك أجندتين، أجندة الإطباق على البلد والتعيينات التي من الممكن أن تحصل، والبلطجة. ورأينا ذلك مع ما حصل مع بعض النواب، والتعرض للناس في الشارع”. ويؤكد أنه “من أحد أهم أسباب استقالة الرئيس الحريري عدم الانجرار إلى قمع الناس. الحريات الآن في خطر”.
ولدى سؤالنا إن كان ثمة خلاف بين الشقيقين سعد وبهاء، يوضح أحمد الحريري “هناك أشخاص مشبوهون يحاولون اللعب على وتر الخلاف العائلي، أشخاص لا يريدون الخير للتيار. أما نحن فطريقنا واضحة، الرئيس سعد الحريري هو زعيم التيار السياسي الموجود. والعائلة توافقت على الرئيس الحريري لإكمال المسيرة، وما زالت”.
أما عن زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت، يلفت إلى أنها “لا تقدم ولا تؤخر، إنه يبيعنا كلاماً، اللبنانيون يعلمون من أين تأتي المساعدات والإنقاذ”.
ويستنكر الحريري موقف حسن نصرالله بمقاطعة البضاعة الأميركية، ويعطي أمثلة على استحالة مثل هذا الطرح. ويقول “نبدأ من تشييع سليماني الذي حصل عبر سيارة من نوع GMC أميركية، أيضاً في صورة لسليماني نفسه يرتدي حذاء من نوع Timberland، ابن السيد نفسه يظهر وهو يرتدي تيشرت عليه USA، كلام شعبوي. الصين والتي تعتبر من القوى العظمى لم تذهب الى تحدي الولايات المتحدة بهذا الشكل”.
وخلال احتفال 14 شباط تساءلت الناس لِمَ لَم يكن أحمد الحريري في المقاعد الأمامية، يجيب، “لقد اتخذت قراري منذ اغتيال رفيق الحريري، أن يكون ظهري للبيت حماية للحريرية السياسية، ووجهي للناس”.
وعن تنظيم البيت الداخلي لتيار المستقبل، يقول، “يعقد مؤتمر عام كل أربع سنوات. وسيعقد المؤتمر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، لأننا دخلنا السنة الرابعة. سيكون هناك شكل جديد للهيكلية التنظيمية، وستشارك كل المناطق بإعداد أوراق المؤتمر. اندلاع الانتفاضة كانت تحفيزية لنا، ومن هنا ستكون هناك أوراق سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة، مع تعديلات بناءً على التجربة الماضية لتصحيح الأخطاء”.
رأس حربة المعارضة
وبعد الاجتماعات المتكررة مع الحزب التقدمي الاشتراكي، نسأل هل التيار سيكون رأس الحربة في حلف معارض، وهل تنضم القوات اللبنانية لهذا الحلف؟
يرى الحريري، أن “هناك عقبات مع القوات يجب تذليلها. لكنه لا يرى أنها ستغرد وحدها، يؤكد “أن هناك الكثير من القضايا التي نتفق عليها”.
ويختم “نحن لا نزال نعتبر القوات حليفنا في النظرة العامة للبلد، ولكن في الأمور التفصيلية نحتاج إلى نقاش”. أما عن الاشتراكي فيقول “إنه حلف صامد وثابت إلى الأبد”.
نقلاً عن (اندبندنت عربية)