من هو محمد حسني مبارك “العسكري” الذي حكم مصر لثلاثة عقود
النشرة الدولية –
أمضى محمد حسني مبارك قرابة ثلاثين عاما في الحكم، وحفلت حياته بالكثير من الأحداث بدأت بسجل عسكري حافل إلى أن اطاحت به ثورة شعبية في يناير 2011، وفيما يلي نبذة عن الرئيس المصري السابق:
امتدت فترة حكم محمد حسني مبارك لمصر ثلاثة عقود، مما يجعلها الأطول منذ 1952 العام الذي أنهت الحكم الملكي.
ولد مبارك في الرابع من مايو/ أيار 1928 في قرية كفر المصيلحة في محافظة المنوفية، بمنطقة الدلتا شمال القاهرة.
وعقب انتهائه من تعليمه الثانوي التحق بالكلية الحربية في مصر وحصل على البكالوريوس في العلوم العسكرية عام 1948 ثم حصل على درجة البكالوريوس في العلوم الجوية عام 1950 من الكلية الجوية.
وتدرج في سلم القيادة العسكرية فعين عام 1964 قائداً لإحدى القواعد الجوية غرب القاهرة.
وتلقى دراسات عليا في أكاديمية “فرونزا” العسكرية في الاتحاد السوفيتي السابق.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1967 عُين مديرا للكلية الجوية في إطار حملة تجديد قيادات القوات المسلحة المصرية عقب هزيمة يونيو/حزيران 1967.
ثم عين رئيساً لأركان حرب القوات الجوية المصرية وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى تعيينه قائداً للقوات الجوية ونائبا لوزير الدفاع عام 1972.
وفي عام 1973، اشترك في التخطيط لحرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول حيث بدأ الهجوم المصري بعبور قناة السويس والتوغل في جزيرة سيناء التي كانت تحلتها إسرائيل منذ حرب يونيو/ حزيران 1967. بدأ العمليات العسكرية بغارات جوية مكثفة ساعدت في دعم عبور القوات المصرية لقناة السويس واقتحام خط بارليف وهو ما كان له أثر كبير في تحويل مبارك إلى بطل قومي.
وقد رقي مبارك في العام التالي للحرب إلى رتبة فريق، ثم اختاره الرئيس المصري السابق أنور السادات نائبا له في عام 1975.
كان دور مبارك أساسيا أيضا في المفاوضات مع إسرائيل إلى أن تم التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام بين البلدين عام 1979، والتي انقسمت حولها الآراء في الشارع المصري حيث اعتبرتها عدة قوى معارضة ولا سيما الإسلامية بمثابة تنازل لإسرائيل.
اغتيل الرئيس السادات خلال عرض عسكري في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1981، وكان مبارك جالسا إلى جواره خلال العرض حين تعرضت المنصة الرئيسية لهجوم قتل فيه السادات بينما نجا الرئيس مبارك.
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 1981 أدى محمد حسني مبارك اليمين الدستورية كرئيس للبلاد.
أعيد انتخابه رئيسا للبلاد في استفتاءات شعبية عليه كمرشح أوحد أعوام 1987، و1993 و1999 حيث أن الدستور المصري وقتها يحدد فترة الرئاسة بست سنوات دون حد أقصى للمرات التي يمكن أن يترشح فيها.
في عام 2005 أقدم مبارك على تعديل دستوري جعل انتخاب الرئيس بالاقتراع السري المباشر وفتح باب الترشيح لقيادات الأحزاب وأعيد انتخابه بنسبة كبيرة من أصوات الناخبين.
كان مبارك شأنه شأن من سبقوه من رؤساء ابن المؤسسة العسكرية، لكنه افتقر إلى الكارزيما التي كان يتمتع بها الرئيسان الراحلان جمال عبد الناصر وأنور السادات.
كما لم يتبن أيديولوجية معينة بقدر ما اعتمد أسلوبا براغماتيا في ما يتعلق بمعالجته للمعضلات التي واجهتها بلاده والقضايا الإقليمية الشائكة خصوصا الصراع العربي – الإسرائيلي. لكن معارضيه اعتبروا ذلك افتقارا لرؤية سياسية واضحة.
التزم باتفاقية السلام متحديا القوى المعارضة لها. وفي حين لقيت سياسته الخارجية ترحيبا وإشادة من الغرب، خلقت له خصوماً في الداخل وفي العالم العربي. وقد تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995.
وواجهت سياساته مصاعب كثيرة، فعلى الصعيد الداخلي لم يتمكن من حل معضلات عويصة مثل البيروقراطية الواسعة الانتشار والبطالة العالية والتضخم المتفاقم والنمو السكاني السريع.
لكن عهده شهد تنفيذ مشروعات كبرى مثل مترو الأنفاق وتوشكي وإسكان الشباب في المدن الجديدة.
قاوم المطالب بإجراء إصلاحات سياسية على مدى سنين، إلا أن تطبيق إصلاحات خاصة في ولايته الخامسة لم يمكنه من تفادي الانتقادات بشأن ما يصفه معارضوه بـ “الشلل السياسي وغياب الرؤية الشاملة وانتشار الفساد والبيروقراطية”.
وواصل مناوئوه الاعتراض على سياساته، خصوصا ما كان يشاع عن نيته توريث الحكم الى نجله جمال مبارك الذي كان يسعى إلى أن يلعب دورا سياسيا عبر تسنمه منصبا عاليا في هيكلية الحزب الحاكم. لكن الرئيس مبارك نفى مرارا أن يكون قد اتخذ أي قرار بمن سيخلفه.
خلال سنوات ولايته الخامسة تعرض لضغوط داخلية متزايدة لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، وتصاعد مد المعارضة بعد انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010 التي أسفرت عن انتخاب برلمان يسيطر عليه الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم بأغليبية كاسحة تزيد عن 90%.
واعتبارا من 25 يناير/كانون الثاني 2011 شهدت مصر سلسة تظاهرات حاشدة امتدت أياما وبلغت اوجها في 28 يناير/كانون الثاني الذي سمي بجمعة الغضب والذي انتهى بفرض حظر التجوال ونزول الجيش إلى شوارع القاهرة ومدن عدة.
وظهر مبارك على شاشة التلفزيون في ساعة متأخرة ليعلن حل الحكومة، وفي 29 يناير/كانون الثاني 2011 أقدم مبارك على إجراء ظل يرفضه ثلاثة عقود وهو تعيين نائب له واختار مدير المخابرات اللواء عمر سليمان للمنصب كما كلف وزير الطيران في الحكومة المقالة أحمد شفيق بتشكيل الحكومة.
ورغم أنه تحدث أكثر من مرة لكنه لم يشأ التخلي عن الرئاسة استجابة لمطالب الجماهير المحتجة.
وفي يوم 11 فبراير/ شباط أعلن نائبه تخلي الرئيس عن منصبه وتكليف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد.
وبعد شهرين من تنحيه تم التحقيق مع مبارك في مستقره بمدينة شرم الشيخ لاتهامات تتعلق بقتل متظاهرين، واستغلال النفوذ ونهب المال العام.
وبعد قرار إحالته للمحاكمة ومعه نجليه ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من معاونيه ظل مبارك يتلقى العلاج في المستشفيات العسكرية.
وظهر راقدا على سرير طبي أثناء حضوره جلسات محاكمته.
وفي الثاني من يونيو / اذار 2012، قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة مبارك بالسجن المؤبد لمسؤوليته عن قتل المتظاهرين وهي العقوبة ذاتها التي نالها وزير داخليته بينما برأت المحكمة المعاونين الستة.
وقضت المحكمة أيضا بانقضاء الدعوى المقامة ضد مبارك ونجليه بتهم استغلال النفوذ ونهب المال العام.
وخرجت مظاهرات غاضبة بعد النطق بالحكم احتجاجا على هذه الأحكام التي اعتبرها المحتجون أحكاما مخففة.
ونقل مبارك إلى مستشفى سجن طره حيث يقضي عقوبته وتدهورت حالته الصحية بشكل خطير.
حياته الشخصية
عرف عن مبارك رفضه الدائم للحديث عن تفاصيل حياته الشخصية، وكان متزوجا من سوزان ثابت وهي مصرية تحمل أيضا الجنسية البريطانية لأن والدتها من ويلز في المملكة المتحدة، وقد درست في الجامعة الأمريكية.
وعرف عنه أيضا أنه رجل رياضي يستيقظ في السادسة صباحا، ويمارس رياضة الإسكواش ولا يدخن أو يشرب الخمور.
ودخل مبارك المستشفى في المانيا للخضوع لجراحة انزلاق غضروفي عام 2004، واسند مهامه الرئاسية حيندئذ الى رئيس الوزراء انذاك عاطف عبيد.
وفي مارس/ آذار 2010 أجرى مبارك في مستشفى هايدلبرج الجامعي عملية جراحية “لاستئصال المرارة وورم حميد في الاثنى عشري”، وغاب مبارك عن البلاد حينها نحو شهر أسند فيها السلطات بموجب الدستور إلى رئيس الوزراء أحمد نظيف.
لمبارك ولدان هما علاء (49 عاما) وهو بعيد عن العمل السياسي ويعتقد انه رجل أعمال كبير، وجمال(47 عاما) وهو الذي اقتحم مجال السياسية في عهد والده ووصل إلى منصب امين لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وتردد الحديث خلال ولاية والده الخامسة عن الاستعداد لتوريثه الحكم خاصة وأنه تم فرض قيود على الترشح لرئاسة الجمهورية.
السياسة الخارجية
وقد اكتملت في عهد مبارك استعادة الأراضي المصرية التي كانت تحتلها إسرائيل التي انسحبت من كامل سيناء في أبريل/نيسان 1982 وتم حل الخلاف الحدودي حول طابا بالتحكيم الدولي وانسحبت إسرائيل منها عام 1989.
وحافظت مصر في عهده وبحكم موقعها الجغرافي على سياستها الخارجية التي تعتبر علاقتها مع إفريقيا، إلى جانب الشرق الأوسط وأوروبا، محورية، وانتخب مبارك رئيسا لمنظمة الوحدة الإفريقية عامي 1989 و1993.
في حقبة التسعينيات، شهدت مصر صراعا داخليا مع القوى المتشددة وقعت فيها أعمال عنف عدة كان أشهرها عالميا مذبحة الأقصر في نوفمبر 1997.
لكن مصر ظلت دولة مستقرة نسبيا، وإن كان معظم السكان يعيشون في مستوى ما من الفقر، وفي حين نجح مبارك في استقدام بعض الاستثمار الأجنبي لكن عائداته لم تصل إلى الفئات الفقيرة.
وبعد النجاح في القضاء بشكل كبير على الجماعات الإسلامية المسلحة، واجه مبارك في سنوات ولايته الخامسة المشكلة الطائفية التي أثارت قلقا كبيرا واتهمت الحكومة جهات خارجية بتأجيجها وكان من أبرز الأحداث تفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية مطلع عام2011 وقتل فيه نحو 23 شخصا.
الموقف العربي
عادت العلاقات المصرية إلى طبيعتها مع الدول العربية بعد انقطاع دام سنوات في أعقاب توقيع مبادرة السادات للسلام مع إسرائيل وعادت مصر إلى عضوية الجامعة العربية وعاد مقرها إلى القاهرة بعدما نقل مؤقتا إلى تونس.
انضمت مصر في عهده إلى “مجلس التعاون العربي” الذي شكل عام 1989 بعضوية العراق ومصر والأردن واليمن.
لكن انفرط عقد المجلس عندما غزا العراق الكويت في أغسطس/آب 1990 وانحاز مبارك إلى الموقف الأمريكي.
وكان الغزو العراقي للكويت صدمة قوية لسياسة مبارك الخارجية، حيث وعده الرئيس العراقي صدام حسين قبل الغزو بأن العراق لن يفعل ذلك.
وبينما كان مبارك يدعم سياسة العقوبات كإطار أساس في التعامل الدولي مع تلك المشكلة، فقد قدم أيضا دعما عسكريا لقوات التحالف الذي شكل لإخراج القوات العراقية من الكويت بالحرب التي اندلعت في يناير/كانون الثاني 1991.
وفي الفترات اللاحقة التي أعقبت خروج القوات العراقية وفرض العقوبات على العراق سعت حكومة مبارك الى انتهاج موقف متوازن من غزو العراق مع مساندة موقف المنظمات الدولية، خصوصا الأمم المتحدة والجامعة العربية.
لم يكن تحقيق توازن بين تعهداته اتجاه إسرائيل بموجب اتفاقية السلام وعلاقاته التاريخية والثقافية مع جيرانه العرب مهمة سهلة، وفي بعض الأوقات توترت علاقاته مع كلا الطرفين.