”الثورة“ السورية تخسر ايقونتها‎ “كفرنبل”… استقطبت أنظار العالم عبر شعاراتها الجريئة ضد النظام السوري

النشرة الدولية –

قبل نحو تسع سنوات، استقطبت كفرنبل أنظار العالم عبر شعاراتها الجريئة ضد النظام السوري والساخرة من المجتمع الدولي وإهماله، فتحولت إلى رمز لحركة الاحتجاجات. ومع سيطرة قوات النظام عليها، تفقد ”الثورة“ أو ما تبقى منها البلدة المتحدثة باسمها.

شارك إبراهيم سويد (31 عاما) في أول تظاهرة خرجت في بلدة كفرنبل في جنوب محافظة إدلب (شمال غرب) مطلع نيسان/أبريل 2011، بعد أسبوعين من بدء حركة الاحتجاجات ضد النظام.

ويصف لوكالة فرانس برس بلدته بـ“أيقونة الثورة وعودها الرنان، وشرارة الثورة في الشمال السوري“.

لكن هذه ”الأيقونة“ سقطت أمس أمام هجوم عنيف من قوات النظام التي سيطرت عليها بعد حملة من القصف العنيف الذي خلف دمارا واسعا، وفق ما شاهد مراسل لوكالة فرانس برس زار المدينة قبل فترة قصيرة من دخول قوات النظام اليها، ووجدها خالية تماما إلا من الكلاب والقطط الشاردة.

ويقول سويد: ”كان يوما عصيبا (…) بعد تسع سنوات من الثورة، باتت كفرنبل محتلة، هذه البلدة التي استطاعت أن توصل صوت شعب في سوريا إلى كل أطياف العالم عبر لوحاتها ولافتاتها“.

وسويد واحد من مجموعة شبان أسست المكتب الإعلامي لكفرنبل، لكن اليوم، لم يعد هناك أحد من هؤلاء في البلدة: منهم من نزح أو هاجر ومنهم من قُتل، وبينهم الناشط البارز رائد فارس، مُهندس شعارات ولافتات كفرنبل التي وصلت أصداؤها إلى كل أنحاء العالم.

قبل عشرة أشهر، فرّ سويد مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى بلدة سلقين في شمال محافظة إدلب، هربا من هجمات قوات النظام في ريف المحافظة الجنوبي.

كان يعود الى البلدة للاطمئنان عليها بين الحين والآخر، وقد شاهد فيها دمارا كبيرا. الثلاثاء، اقترب منها، وشاهدها من بعيد تتعرض للقصف.

ويقول الإعلامي الذي يعمل في قناة محلية: ”لم أتمكن من دخول المدينة حيث ولدت وعشت (…). غادرت محيطها حين تأكدت أنها أصبحت مع العدو، ألقيت عليها النظرة الأخيرة وغادرتها عند الواحدة بعد منتصف الليل“.

ثم يقول بحسرة: ”كان هدفنا الأول والأخير وحتى اليوم هو إسقاط نظام (الرئيس بشار) الأسد“.

”يسقط النظام والمعارضة“

في عام 2011، انضمّت كفرنبل إلى التظاهرات ضد النظام السوري التي انطلقت تدريجيا في سوريا، قبل أن يتم قمعها بالقوة.

ومع تحول الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، شهدت كفرنبل منذ عام 2012 اشتباكات بين قوات النظام وعناصر منشقة عنها، وخرجت المدينة في العام نفسه مع مناطق أخرى عن سيطرة القوات الحكومية، قبل أن تصبح المحافظة بأكملها تحت سيطرة فصائل معارضة وجهادية في 2015.

كل يوم جمعة، موعد التظاهرات الأسبوعية في بداية النزاع، كانت الأنظار تتجه إلى سكان كفرنبل الذين كانوا يرددون ”الشعب يريد إسقاط النظام“ حاملين لافتاتهم الملونة والملفتة بالإنجليزية والعربية مخاطبين مجلس الأمن والدول العربية والغربية وطالبين مساندة السوريين في مطالبتهم بالحرية.

في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2011، كتب ناشطو كفرنبل شعارا تم تداوله بكثافة وجاء فيه ”يسقط النظام والمعارضة.. تسقط الأمة العربية والإسلامية. يسقط مجلس الأمن.. يسقط العالم.. يسقط كل شيء“.

وطالت انتقادات اللافتات الموقعة من كفرنبل كل الأطراف، وبينها ”ليست حربا أهلية، إنها مجزرة. اتركونا نموت، لكن لا تكذبوا“، و“داعش: لم نحررها لتحكموها… إرحلوا“، و“روسيا.. أطلقي سراح مجلس الأمن“، و“الى الجامعة العربية، اعترفوا بفشلكم ولا تكونوا شركاء في الجريمة“، و“الى البابا: ميلاد مجيد من سوريا، الأرض التي قتل عليها الأسد سانتا كلوس“.

وسيطرت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) على كفرنبل في إطار توسعها في محافظة إدلب منذ عام 2017،  واعتقلت ناشطين من البلدة اعترضوا على أدائها، كما منعت إذاعة ”راديو فريش“ التي أسسها رائد فارس من بثّ الموسيقى.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، قُتل فارس وصديقه الناشط حمود جنيد بعدما أطلق مجهولون النار عليهما، وفقدت البلدة بذلك أحد أبرز ناشطي الاحتجاجات.

ويتذكّر سويد مقطعا مصوّرا التقطه موثقا فيه فرح الناشطين ورائد فارس حين سيطرت الفصائل المعارضة عليها في صيف 2012 إثر معارك مع قوات النظام.

ويقول: ”رائد مات وكفرنبل ماتت، لكنّها ستبقى في قلوبنا منارة للثورة“.

كان عدد سكان كفرنبل قرابة عشرين ألفا، وبدأ العدد يتراجع تدريجيا مع توسع قوات النظام في جنوب إدلب واشتداد هجومها الأخير منذ كانون الأول/ديسمبر الذي دفع بـ948 ألف شخص للفرار، وفق الأمم المتحدة.

ولم يترك السكان خلفهم إلا شعارات خطوها يوما ما على جدران البلدة وتؤكد إحداها ”لن تقتلوا ثورتنا“.

ويتحسّر بلال بيوش (27 عاما) النازح إلى مدينة إدلب والوالد لطفلين، على بلدة لم يعد من الممكن العيش فيها خلال الشهرين الماضيين.

ويقول: ”إذا مرضت لا تجد مكانا تتعالج فيه أو تشتري دواء. (…). لم يعد هناك عمود مكانه، منزلي قد يكون تهدّم“.

ويتذكر بيوش كيف تعرض للاعتقال جراء نشاطه ضد النظام الذي بدأه في جامعة حلب، ثم مشاركته في تظاهرات كفرنبل وتوثيقه لها عبر التقاط الصور والفيديو ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، كما توثيق لافتات المدينة والرسوم على جدرانها.

ويقول: ”مع كل حدث في سوريا، كنت تجد رسما كاريكاتوريا على جدران كفرنبل، ولافتة تُرفع في تظاهراتها“.

أما اليوم فلم تبق إلا الذكريات.

ويقول: ”كنا نغني ونضحك للثورة (…) كل ذلك انتهى مع كفرنبل“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى