بين الإجرام الإلكتروني وحملات التوعية… لبنان يتصدّى لعصر الإبتزاز الجنسي* مريم مجدولين لحام
النشرة الدولية –
شكوى واحدة ضد مجهول إلى شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، عبر خدمة “بلّغ” على الموقع الإلكتروني العائد للمديرية www.isf.gov.lb، بجرم الإبتزاز والتهديد، جديرة وحدها بحماية العشرات من ضحايا الإبتزاز الجنسي في لبنان ذكوراً وإناثاً ومن كافة الفئات العمرية!”. بهذه الكلمات يشجع رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزيف مسلم، التبليغ عن هذه الجريمة الخطرة التي تزداد نسبها تدريجياً في الآونة الأخيرة وعصر “السيلفي”، بحسب بيانات قوى الأمن الداخليّ.
تبيّن أن للمجرم الواحد رصيداً فيه عشرات الضحايا، نذكر مثالاً آخر قضايا الجريمة الالكترونية التي ضجت بها البلاد بداية الشهر الماضي حول اعتقال أحد الشبان في محلّة جل الديب كان قد ابتزّ بمفرده 70 فتاة جنسياً، مدّعياً أنه يعمل في مجال تصوير عارضات الأزياء في أستراليا. لذا فإن أكبر ما يحاربه مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية هو إحجام الضحايا عن التبليغ ضد المبتزين، ويعملون على كسر حاجز الخوف عبر حملاتهم مثل حملة “ما تتصور”. فلهذا المكتب، الذي يستخدمه أصحاب النفوذ لتوقيف الناشطين والإعلاميين ومحاسبتهم على تعبيرهم السلمي دور أهم، وجرائم الكترونية حقيقية يواجهونها.مشكلة المراهقين والقصّر
ويقول العقيد جوزيف مسلم إننا “نميل إلى التفكير في الأمن السيبراني كمشكلة تستهدف الحكومات أو الشركات الكبرى أو حتى على المستوى الفردي ضحايا سرقة أرقام بطاقات الائتمان. لكن في الحقيقة، فإن مستخدم الإنترنت الأكثر عرضة للبلطجة الإلكترونية هم المراهقون والقُصّر حيث يُعتبرون “أنعم أهداف الأمن الالكتروني”، والأكثر عرضة لخروقات الخصوصية والـ”إكراه الجنسي” أو “الإنتقام الإباحي” أو “الإذلال مقابل السكوت” أو “التصوير الإباحي الإجباري”، كما يبدو أن الإشباع الجنسي والجشع المالي هما أهم دوافع الجناة”.
ويتابع: “كل الأرقام والحالات التي حققنا فيها تشكل بلا شك غيضاً من فيض ونقطة في بحر ما يحصل فعلاً ولكننا بالمرصاد، حيث تُطاول ظاهرة الابتزاز والتهديد عبر مواقع التواصل الرجال بنسبة 40% والنساء 60% من مختلف الفئات العمرية من عمر الخمس عشرة سنة حتى الخمسين”، محذّراً المواطنين من “الوقوع في فخّ المبتزّين والتقاط صور حميمة لأنفسهم أو تسجيل مقاطع فيديو حميمة كذلك ومشاركتها مع آخرين، سواء كانوا مقربين أو أصدقاء افتراضيين”. كما يشجع مسلم أن يتم ادراج تدريبات الأمن الرقمي لمنع القرصنة والابتزاز الجنسي في مناهج التعليم في المدارس، إذ تقتصر حملات التوعية على المديرية وبعض الجمعيات.
نصائح للحماية
ويقول الخبير في مواقع التواصل الإجتماعي عمر قصص لـ”نداء الوطن” إنه غالباً ما تبدأ عمليات الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت بنفس الطريقة، حيث ينزلق شخص غريب إلى صندوق رسائل هدفه، مستخدماً احدى وسائل التواصل الاجتماعي من فايسبوك لانستغرام والواتساب أو سكايب. ما أن يوافق الهدف على التحدث، لا يضيع الشخص الغريب وقتاً في الإصرار على أن تتحول المحادثة الى حوار ساخن. قد يرسل حتى صورة عارية أو فيديو جنسياً من دون مطالبته بذلك، حيث يُعطي هذا الفعل غير المرغوب فيه شعوراً زائفاً بالثقة ويبني استراتيجياً شعوراً مصطنعاً بالأمان، يجعل من الهدف فريسة مرتاحة بشكل كاف لإرسال بضع صور خاصة أو عارية، أو فيديو. وبالتالي هناك عدة نصائح يمكنها أن تحمي مستخدمي الانترنت أهمها: تجنب إضافة أي حساب يشك أنه مزيف أو عندما لا يكون بين حسابكما “أصدقاء مشتركين”، بخاصة من منهم يطلبون رقم الهاتف أو حساب سكايب أو طلب فيديو مباشرة بعد الإضافة، كما عدم فتح أي رابط أو “لينك” يرسل الينا من أي شخص. أما القاعدة الثابتة الأهم هي: “غرفة النوم ليست للتصوير ولو مع العائلة”، لا بل اطفاء الانترنت كلياً في غرفة النوم. وختم: “إن اكبر خطأ هو الرضوخ للإبتزاز، ان أكبر فيديو أو صور بالتبليغ الى فايسبوك أو تويتر او انستغرام او يوتيوب يتم حذفها بظرف عشر دقائق، فلا داعي للهلع، والتبليغ لقوى الامن الداخلي هو الحل الأمثل”.
وعن الخطوات التي ينصح العقيد مسلم الضحايا بالقيام بها يقول: “من المهم عدم حذف الرسائل ومقاومة إغراء التفاوض والتبليغ الفوري”. وأضاف: “فكّر دائماً في نوع المعلومات أو الصور التي تنشرها أو تشاركها عبر الإنترنت. اسأل نفسك: “ماذا أفعل إذا هدد شخص ما بعرض هذه المواد على كل شخص أعرفه؟”، حافظ على تحديث أجهزتك وجهاز الكمبيوتر الخاص بك وحمايتها ليس فقط بمكافحة الفيروسات، ولكن باستخدام أداة يمكنها حظر الروابط المصابة، استخدم كلمات مرور قوية. خذ الوقت الكافي للتفكير قبل إضافة أي صديق افتراضي الى لائحة الأصدقاء والأتباع لديك”. هذا وقد أكد على أنه يتم تدريب العاملين في مراكز التبليغ بشكل دوري على كيفية التعامل مع ضحايا الإبتزاز، ويؤكد سرية التحقيقات والمعاملات وأن في مراكز التبليغ ضابطات نساء يعملن على تشجيع الضحايا على التقدم بالشكوى، أو كي تشعر الضحية بالأمان للتحدث عن وقائع الابتزاز كما يأمل أن تزاد أعدادهن.
عنف جسدي “عن بُعد”
وتقول الناشطة النسوية فيكي زوين لـ”نداء الوطن” إنه يتم التقليل من قيمة العنف في العالم الإفتراضي رغم خطورته وجديته وانتهاك الجاني لخصوصية الضحية وترهيبها. “فإن مورس العنف الجسدي عن بُعد، بعد الابتزاز أي إن اختار المجرم “الإغتصاب الالكتروني” وفرض نفسه جنسياً عبر وسائل افتراضية بعيدة جغرافياً، بدلاً من مهاجمته بدنياً عبر فعلٍ حسّيّ وجسمانيّ مقابل عدم نشره صور الضحية، يُحكم عليه بالسجن مدة أقل مما لو كان اغتصب الضحية وتعرّض لجسده أو جسدها “الفعلي” وليس “صورته أو عبر الفيديو”.
وفي ذلك التباين الهائل بين المحاكمتين، والطريقة التي يتناول فيها نظام العدالة الجنائية حالات الابتزاز الجنسي الإلكتروني والإكراه الجنسي البدني الفعلي، شيء من التشجيع لهواة الإرغام على ممارسات جنسية، والمغتصبين، على التوجه للعالم الإفتراضي، بدلاً من الواقع المحسوس. ففعل الجريمة الجنسانية يحدث في الحالتين، وكلاهما يشكلان اعتداء متأصلاً على استقلالية الضحية ويعرّضانه أو يعرضانها للضرر العاطفي والنفسي ذاته. لكن عند الحساب نجد تفاوتاً في العقاب عنوانه “لا شدة في الحكم على المغتصب الالكتروني!، حيث تميل مقاضاتهم كحالات قرصنة أو ملاحقات أو عمليات ابتزاز عامة. ناهيك عن كونه اغتصاباً عابراً للحدود الوطنية وفي أغلب الحالات هو جريمة تعبر بشكل روتيني خطوط الدولة وقانونها”. وبرأيها “لا يمكننا اعتبار الابتزاز الجنسي مساوياً للغش الإلكتروني أو التهديد بإلحاق الضرر بالسمعة فقط، بل إن سلوك المجرم هو سلوك استغلالي مغتصب وسارق للمال في كثير من الحالات لذا يجب رفع مدة العقاب تشريعياً”.
إلى ذلك سجّلت منظّمة “سمكس” للحقوق الرقمية خمس حالات انتحار بسبب الابتزاز الجنسي الرقمي في السنوات الثلاث الماضية، ذلك أن تأثير الإبتزاز الجنسي على الضحايا يأتي بنفس خطورة أشكال البلطجة والتسلط عبر الإنترنت. إذ يظهر الكثير من الضحايا نفس الأعراض النفسية والفيزيولوجية لأولئك الذين عانوا من الاعتداء الجنسي وجهاً لوجه، بما في ذلك الاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل وانعدام الثقة بالآخرين. واجه بعض الذين تم توزيع صورهم في مدارسهم ومجتمعاتهم مزيداً من المضايقات بل وحتى الإيذاء البدني.
رأي القانون
يقول المحامي نجيب فرحات لـ”نداء الوطن” إن ابتزاز الضحايا باستخدام نشاطهم الجنسي كرافعة مالية يعد جريمة قديمة قدم الزمن، ولكن هذا الشكل من أشكال التنكر الجنسي هو ظاهرة حديثة بشكل فريد بقدر ما يعتمد على استخدام التكنولوجيا في الحصول على المواد والتهديد بالنشر، بمعدلات يصعب على المغتصبين المسلسلين الأكثر إنتاجاً منافستها. وللمحاكم اللبنانية سلطة قانونية واضحة لمحاسبة الجاني في حال وجوده داخل الأراضي اللبنانية أما اذا كان خارجها، فهو بأمان، فيما أن القوانين مرعية الإجراء تتوقف صلاحياتها عند الحدود الفعلية للبنان وبالتالي ينفد المبتز من التعرض للعقاب ويتم ترك الضحايا من دون تعويض أو حل للمشكلة.
ويوضح: “إن الجريمة إلى الحد الذي يجرّمه المشرّع اللبناني هي بشكل عام جريمة التوزيع أو النشر، وذلك استناداً إلى القوانين اللبنانية المرعية الإجراء كقانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، والقانون رقم 81/2018 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، وليس فرض الإنشاء وإنتاج المواد الإباحية عبر الخداع والإبتزاز والإجبار والتهديدات اللازمة لخلقه في المقام الأول”.
نقلاً عن موقع “نداء الوطن” الإخباري اللبناني