حجب المعلومات عن الشريك سوء معاملة

لمياء المقدم

تكتشفين فجأة أن شريكك فقد محفظته ولم يخبرك إلا بعد أن عثر عليها بأيام وأن اتصالات وإجراءات ومكالمات تمت في هذا الغرض دون أن تدري شيئا. ثم تكتشفين أن صديقا أخبره أنه سيكون في زيارة للبلد وطبعا لم يخبرك إلا بعد وصول الصديق وذهابه لمقابلته، وبعدها بأيام تكتشفين أن تفاصيل كثيرة تغيرت في سيارته مع أنك لا تعرفين حتى أنه كان ينوي إدخال بعض التعديلات عليها أو أنه أخذها إلى القاراج.

يقول لك إنه ذاهب ليرى صديقا لم يره من فترة طويلة، ثم يعود وبيده جهاز لاب – توب، تسألينه عن مصدره فيخبرك أن صديقه جلبه معه بطلب منه، وأنه قد كلفه بذلك منذ فترة بعيدة، وأن هذا هو سبب المقابلة بينهما. تحتارين في أمرك، إذا كان هذا هو سبب المقابلة لماذا لم يخبرك من الأول؟ ولماذا لم يخبرك بالاتصالات التي تمت مع الصديق المشترك على مدى أسابيع طويلة من أجل ترتيب هذا الأمر، وحتى عندما علقت منذ فترة على غياب الصديق المشترك لم يخبرك أنه في تواصل معه.

وطبعا الصدفة وحدها تجعلك تكتشفين هذه الأمور الصغيرة ما يعني أن ما خفي كان أعظم.

تبدو كلها أمور بسيطة وتفاصيل يومية عادية من النوع الذي يمر به البشر جميعم، فلماذا لا يخبرك بها؟ تحتارين في أمرك وتبدئين في التساؤل: لماذا لا يحدثني بأشيائه؟ لماذا يتكتم على أمور بسيطة ويومية لا يجلب كشفها أي مشاكل من أي نوع؟ والتساؤل الأصعب: لماذا لا يتشارك معي تفاصيله رغم أن العلاقة بيننا تسمح بذلك؟ ما الذي يقصده تحديدا؟

بعد كل اكتشاف من هذه الاكتشافات ينتابك شعور سيّء ومر كالعلقم، وتبدئين في البحث عن إجابات لما يحدث. في الأول يراودك شك في نفسك وفي أهميتك وقيمتك: هل تراه لا يجدني أهلا لتفاصيله (وليس لأسراره)؟ ربما يعتقد أنني أصغر وأبسط وأقل من أن أكون في حجم التفاصيل التي يمر بها، أو ربما لا يعتبرني محل ثقة.

وبما أنك على يقين تام من أن عدم اخبارك بهذه التفاصيل ليس نابعا من عدم حبه واحترامه لك وليس نابعا من عدم ثقة، فإن حيرتك تزداد وقدرتك على الفهم تصل إلى أدنى مستوياتها. لماذا يخفي رجل عن امرأة يحبها كل تفاصيل حياته الكبيرة والصغيرة؟ الجواب هو: ليسيطر عليها!

حجب المعلومات عن الشريك أسلوب من أساليب فرض السيطرة والإخضاع، وكلما زاد جهل طرف بالتفاصيل الخاصة بالطرف الثاني كلما أصبحت عملية “إدارته” أسهل. المعلومة معرفة والمعرفة قوة وسلاح، ومعنى هذا أن تجريد طرف من المعلومة هو تجريد له من سلاح محتمل يمكن أن يستعمله في موقف ما. وقد يعود ذلك إلى طبيعة الشخص الحذرة الذي يحتاط لكل شيء ويحتسب أي خطوة حتى وإن كانت من أقرب الناس له، فيحيط نفسه وتفاصيله بسرية مطلقة. وقد ينحا بعض الأشخاص هذا المنحى الغامض لاعتقادهم أنها تفاصيل غير مهمة، أو لأنهم يرغبون في تجنب حدوث مشاكل أو لطبيعتهم الصامتة والغامضة، كما أن رجالا كثيرين يتربون على قاعدة أساسية مفادها “لا تخبر امرأتك بكل شيء”، ويعتبرون القيام بذلك علامة على ضعف الرجل أمام شريكته، ولكن على هؤلاء أن يدركوا أن العيش وسط دائرتهم المغلقة يربك المحيطين بهم ويشعرهم بالمرارة والعجز والاكتئاب، إذ ما الذي يؤلم أكثر من النوم بجانب شخص لا نعرف عنه شيئا؟

التفاصيل ومهما بدت عادية أو يومية إلا أن تبادلها مع الشريك يشعره بالأهمية والثقة، تحديدا بسبب عاديتها، فنحن في الغالب لا نخبر تفاصيلنا الصغيرة للبعيدين ظنا منا أنها لا تعنيهم أو أنها ليست مهمة بما يكفي، لكننا نستطيع أن نتعرى تماما أمام المقربين منا ونتشارك معهم أصغر تفاصيلنا وأقلها أهمية وهنا تكمن قوة علاقتنا بهم.

الحياة مع شخص يغلف نفسه بالسرية ويخفي أدق وأبسط تفاصيله اليومية، خوفا أو تحفظا أو تحفزا أو بنية إخضاع الشريك وتهميشه، تشبه الوقوف على باب مغلق، فلا أحد يفتح ولا أنت قادر على الذهاب والتسليم بأن لا أحد يوجد في الداخل.

نقلاً عن “العرب”

زر الذهاب إلى الأعلى