الحراك المدني اللبناني يتّجه “بخطى ثابتة” نحو الخسارة!
بقلم: ايناس كريمة
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
تترقّب الساحة اللبنانية موعد الانتخابات النيابية وسط ظروف استثنائية تمرّ على البلاد وتوتّرات دولية ناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا ومدى انعكاساته على الأزمة اللبنانية. وبعيداً عن خطورة تداعيات الازمة الدولية لا سيما على مستوى الأمن الغذائي في لبنان، فإنّ ضوضاء الاتصالات والمفاوضات المرتبطة بتشكيل اللوائح والاستعدادات للحملات الانتخابية وفوضى التحليلات حول نتائجها لا تزال تطغى على أي حسابات أخرى.
ثمة اسئلة جدية تطرح حول نتائج الانتخابات، ولعلّ أبرز عوامل تحديدها هو واقع المجتمع المدني وقدرته على تحصيل أكبر عدد ممكن من النواب أو فشله في ذلك، خصوصاً وأن معظم الرأي العام لا يأخذ على محمل الجد حتى الساعة حراك المجموعات المدنية المنظمة المنبثقة من ثورة 17 تشرين ونشاطها اللوجستي والاعلامي.
مما لا شكّ فيه أن الطّرح السياسي للمرشحين عن المجتمع المدني الذين يحملون لواء الثورة ويرفعون الشعارات التغييرية لا يزال مفقوداً بعد ثلاث سنوات من الضغط الشعبي خلال الاحتجاجات التي اجتاحت وسط بيروت والمناطق المختلفة، الامر الذي يُضعف الى حدّ كبير أدوات الاستقطاب لهذه المجموعات التي يبدو أنها تتجه بخطى ثابتة نحو خسارة قدرتها على استغلال الرفض الشعبي لسلطة الامر الواقع في لبنان، حيث أنها فشلت بسبب تشتّتها في تظهير نفسها بديلا جدياً عن الطبقة السياسية.
بات واضحا أن الغالبية العظمى من القوى السياسية غير قادرة على تلبية متطلبات الواقع الحالي، حتى أنها لا تتلاقى مع رغبة الناس بالتغيير من خلال وجوه جديدة ودم جديد يعيد النبض الى شريان الواقع اللبناني المحتضر، وهي لا تزال تستند بثبات على قواعدها الجماهيرية في حين أن من انسلخوا عنها بُعيد انتفاضة “تشرين” باتوا اليوم في أفضل الاحوال ممتنعين عن التصويت لصالحها في الانتخابات النيابية، باحثين عن وجوه بديلة.
وبمنأى عن الانقسامات التي تُربك قوى التغيير في كل الدوائر الانتخابية ما يؤدي الى تعدّد اللوائح ضمن الدائرة الواحدة، فإن تخريج مجموعة من الكوادر الموحّدة القادرة على مخاطبة الرأي العام وحشد التأييد الشعبي لها هو فشل آخر طال الحراك المدني، إذ إن معظم من لمعوا في ساحات الثورة تبيّن بأنهم شخصيات تطمح للزعامة في صورة مستنسخة عن حراك 2011, 2015 و2019.
“الأنا” كانت السلاح الفتّاك الذي خرق جدار الحراك وأدّى الى انقسامه، وها هي اليوم بعض الشخصيات تسيطر على لوائح الانتخابات النيابية المقبلة حيث المساعي الحثيثة لتوحيد الفرق المشتتة، ولكن عملياً فإنّ كل فرد منهم يبدي رغبة بتقديم ترشيحه كممثلا عن دائرته.
يركز هؤلاء وبشكل فاقع على الاستعراضات ورفع الشعارات الفضفاضة التي تتكىء تحاشياً لانهيارها شعبياً على مهاجمة السلطة “من الفجر الى النجر”، حتى أن بعضهم بات يظهر عداوة للمواطنين الذين لا يؤيدون توجّههم او يعلنون رفض التصويت لهم، لذلك فإن الذهاب نحو تقييم الواقع القيادي لقوى الحراك يُظهر أنه سيشكّل مع مرور الايام خيبة أمل كبرى لمعظم الشريحة الواسعة المتشبثة بأمل التغيير.
وانطلاقاً من المعطيات الملموسة والترشيحات المتناقضة فإنّ جزءاً من الشخصيات التي ترشّحت باسم الثورة ينحدر من بيوتات سياسية، أو يملك تاريخاً حزبياً “ثقيلا” ويحاول اقناع الناس بدعمه للمطالب الشعبية ورفضه للسلطة التقليدية الحاكمة وكل ذلك يحصل في ظل زيادة حجم الوعي لدى الرأي العام في لبنان.
هذا هو الفراغ السياسي الذي لن يكون انكفاء “تيار المستقبل” وانسحابه من الانتخابات وحده عاملاّ مسؤولاً عنه، اذ إن ثمة فئة كبيرة من اللبنانيين محبطة بسبب التدهور الاقتصادي والمعيشي، ما يدفعها للاعتراض أمام ممثليها، لذلك فإنها لن تجد من تسلّمه زمام المرحلة المقبلة وربما ستنضم الى فريق المقاطعين للانتخابات النيابية ولن تشارك في عملية التغيير التي تحتاج الى “موجة” من المقترعين في مختلف الدوائر تؤيد فكر الثورة وتوجهها، وأهم ما تحتاج اليه أيضاً هم المرشحون الجادون الذين لا يستغلون الشعارات الثورية بهدف الوصول الى المناصب، ولا يزايدون بلا مشروع سياسي او اقتصادي واضح.