الهلع المتنامي من فيروس كورونا يدفع الناس للتهافت بجنون على شراء السلع؟
في الأسبوع الماضي، قررت كريستينا موي أن تمر سريعا على أحد المتاجر الكبرى للبيع بالتجزئة في مدينة سياتل الأمريكية لشراء بعض منتجات البقالة. لكن الزيارة السريعة تحولت إلى تجربة مريرة لثلاث ساعات، تكبدت خلالها عناء الوقوف في طوابير الدفع الطويلة وسط مئات الزبائن الذين كدسوا السلع في عربات التسوق.
ولم يغب عن ذهن موي يومها أن جاي إنسلي حاكم الولاية كان قد أعلن حالة الطوارئ بعد وقوع أول حالة وفاة تأثرا بفيروس كورونا المستجد.
وتقول موي إن أوراق المراحيض واللبن كانا يختفيان من على الأرفف بسرعة فائقة وكانت أرفف المياه الغازية خالية تماما.
لكن أرفف المتاجر لم تخل من السلع في ولاية واشنطن وحدها، إذ تهافت المستهلكون في سنغافورة على شراء الأرز والشعرية إلى حد دفع رئيس الوزراء لي هسين لونغ إلى طمأنة الناس بوجود كميات كافية منها.
وفي مدينة أوكلاند بنيوزيلندا، زاد معدل الإنفاق على السلع الغذائية الأسبوع الماضي بنسبة 40 في المئة مقارنة بنفس اليوم من العام السابق. وفي ماليزيا زاد معدل المبيعات الأسبوعي لمعقمات اليدين بنسبة 800 في المئة.
ودفع الهلع من انتشار فيروس كورونا الناس إلى التهافت على الشراء والتخزين. وهذه الظاهرة لها عواقب عديدة، منها أنها تتسبب في رفع الأسعار ونقص السلع التي قد يحتاجها آخرون بشدة، مثل الكمامات التي يحتاجها عمال الرعاية الصحية.
ويفسر الخبراء هذه الظاهرة بالقول إن الخوف من المجهول في أوقات الأزمات والاعتقاد بأن الاستجابة ينبغي أن تعادل جسامة الحدث، قد يدفعان الناس إلى الشراء بكميات تفوق احتياجاتهم، رغم أن رد الفعل الأمثل في هذه الحالة هو غسل اليدين فقط.
ويقول ديفيد سافيدج، أستاذ مساعد في علم النفس السلوكي والاقتصاد الجزئي بجامعة نيوكاسل في أستراليا، إن الاستعداد للكوارث الوشيكة، كالكوارث الطبيعية، هو تصرف عقلاني. لكن شراء 500 علبة فاصوليا مطهوة تحسبا لانقطاع الاتصالات لأسبوعين فقط، لا يمت للمنطق بصلة.
غير أن هذا النوع من السلوكيات قد يؤدي إلى شح السلع، كما حدث في عام 2017، حين ضرب مدينة هيوستن الغنية بالنفط في تكساس إعصار هارفي، وتوقفت إمدادات البنزين والديزل في الولايات المتحدة مؤقتا، إثر الفيضانات والتدابير الاحترازية التي اتخذتها معامل تكرير النفط.
وتفاقمت المشكلة عندما هرع الناس إلى محطات البنزين لملئ سياراتهم بالوقود، وساهموا في ارتفاع أسعار النفط لمدة عامين.
ويقول ستيفن تايلور، الأخصائي النفسي بجامعة بريتيش كولومبيا، إن تخزين السلع قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار. فإذا تضاعف سعر السعلة، يظن المستهلك أنها ستنقص، وهذا يؤجج الشعور بالقلق.
وقد ارتفعت بالفعل أسعار الكثير من السلع إثر تفشي فيروس كورونا المستجد، إذ أشارت تقارير إلى أن عبوة كمامات الوجه تجاوزت قيمتها 100 دولار على مواقع التسوق الإلكتروني، مثل “إيباي”.
واتخذت بعض الشركات إجراءات للحد من الممارسات الاستغلالية للمضاربين، إذ أعلنت شركة “أمازون” أنها حذفت من مواقعها ما يزيد على مليون منتج من المستلزمات الأساسية بسبب تضليل المستهلك والمغالاة في التسعير.
وأعلنت سلسلتا صيدليات “بوتس” و”لويدز” البريطانيتين أنهما ستقننان مبيعات معقمات اليدين، ببيع زجاجتين فقط لكل مستهلك.
وأوصت الحكومة الأمريكية المستهلكين بالتوقف عن شراء كمامات الوجه، ليس فقط لأنها لا توفر حماية كافية من فيروس كورونا المستجد، ولكن أيضا لأن نقص هذه السلع سيضر العاملين بمجال الرعاية الصحية الذين يحتاجونها لتأدية عملهم.
ويعزو بين أونهايم، مدير مؤسسة “ميتابيوتا” لأبحاث الأمراض المعدية، هذا التهافت على الشراء إلى الخوف من اختلال سلاسل التوريد والإنتاج العالمية بسبب تفشي الفيروس في الصين، التي تعد الحلقة الأقوى في سلسلة التوريد العالمية، وشاعت مخاوف من نقص الأدوية والكمامات والسلع الاستهلاكية الأخرى.
يقول تايلور إن ثمة فارقا كبيرا بين الاستعداد للكوارث وبين الشراء بدافع الهلع. ففي الحالة الأولى يعرف معظم الناس السلع التي يحتاجونها في حال نقص المياه أو انقطاع الاتصالات، لكن المشكلة أن الغموض الذي يكتنف آثار تفشي فيروس كورونا المستجد يدفع الناس للإفراط في الإنفاق.
ويرى تايلور أن الهلع قد يدفع الناس لبذل كل ما في وسعهم لتهدئة مخاوفهم، مثل الانتظار في طوابير لساعات أو شراء سلع بكميات تفوق احتياجاتهم بمراحل.
وقد اجتاحت العالم حمى الشراء مرات عديدة من قبل، كما في عام 1962، حين كان العالم يترقب وقوع حرب نووية في أوج أزمة الصواريخ الكوبية. وهرعت العائلات الأمريكية لتخزين المعلبات وقوارير المياه.
وفي مطلع الألفية الثالثة ظهرت مشكلة الصفرين، حين تنبأ البعض بوقوع كوراث وتوقف أجهزة الكمبيوتر وانهيار الأسواق العالمية أو سقوط صواريخ بحلول عام 2000، واستجاب الناس حينها لا بتكديس السلع غير المعمرة فحسب، بل أيضا بتكديس الأموال، ما حدا بوزارة الخزانة الأمريكية لإصدار أوامر بطباعة 50 مليار دولار إضافية تحسبا لتهافت المودعين على سحب النقود.
ويفسر تايلور ذلك بالقول إن الناس في هذه الظروف، يحتاجون لاتخاذ خطوات تتناسب مع حجم الأزمة وفقا لرؤيتهم. ويعتقد الكثيرون أن غسل اليدين هو إجراء بسيط، لا يليق بجسامة الكارثة. ولهذا يؤثرون إهدار المال على شراء سلع على أمل أن تحميهم من المرض.
ويقول أوبنهايم إن الشراء بدافع الهلع هو حيلة نفسية للتعامل مع الخوف، أو وسيلة لاكتساب شيء من السيطرة على الموقف.
ويشير سافدج إلى عامل آخر قد يدفعنا للتهافت على الشراء وهو الخوف من تضييع الفرص. فقد تعترينا الكآبة عندما ندرك أننا ضيعنا فرصة شراء أوراق المراحيض التي نحتاجها.
ويقول الخبراء إن عقلية القطيع تلعب دورا في دفع الناس للشراء عندما يرون غيرهم يتهافتون على المتاجر. ويقول تايلور إن الأخبار التي نقرأها على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، تبالغ في وصف ندرة السلع، وهذا يدفع الناس للتنافس على شرائها.
ويرى البعض أن حمى الشراء قد تكون مدفوعة بقرارات عقلانية. ويقول أوبنهايم، إن البعض قد يقرأ مقالات عن اختلال سلاسل التوريد في الصين أو نقص الكمامات في هونغ كونغ، ثم يتخد قرارا منطقيا بتخزين الكمامات تحسبا لنقصها. وقد يؤجل البعض الشراء حتى آخر لحظة، خشية إهدار النقود على مستلزمات قد لا يستخدمها في حال عدم وقوع الكارثة.
ويعلل بعض الخبراء في هونغ كونغ التهافت على الشراء في أوقات الأزمات بانخفاض الثقة في قدرة الحكومة على إدارة الأزمة.
وتقول هيلين جوفي، أستاذة علم النفس بكلية لندن الجامعية، إن الناس يقيّمون رد الفعل أحيانا قياسا بمخاطر مشابهة. وتضرب مثالا بربط البعض بين فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد “سارس”. لكن ثمة اختلاف بين الاثنين، إذ كان سارس أقل انتشارا لكنه تسبب في عدد أكبر من الوفيات. وربط آخرون بينه وبين الطاعون، وهذا يؤجج بالطبع المخاوف.
وينصح أوبنهايم بالاستجابة لتساؤلات الجمهور لتهدئة مخاوفهم، حتى نقلل من التنافس على الشراء في آخر لحظة.
ثمة خطط بديلة قد تسهم في الحد من التهافت على المتاجر في أوقات الأزمات، على رأسها تخزين كميات معقولة من السلع الغذائية تحسبا للطوارئ والأزمات على مدار العام. فعندما يهرع الناس إلى المتاجر في نفس الوقت لشراء السلع قد يعمد التجار إلى المغالاة في تسعيرها أو قد تنقص السلع التي يحتاجها الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
وينصح الخبراء بانتقاء مصادر الأخبار لتفادي نشر الشائعات والأخبار الملفقة. ففي اليابان، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي شائعات بنقص أوراق المراحيض والمناديل الورقية لأن الصين ستتوقف عن تصديرها. واضطر المسؤولون لإصدار بيانات لتذكير المواطنين بأن جميع المناديل الورقية تقريبا تصنع محليا، وأن اليابان لديها المخزون الكافي منها.
وإذا انتابتك مخاوف من نقص السلع وشعرت برغبة ملحة في الشراء، ينصح تايلور بزيارة أخصائي نفسي ليساعدك في التعرف على مصدر هذه المخاوف.
وتقول كريستينا موي، التي كانت تريد فقط أن تشتري منتجات البقالة الأسبوعية، إنها تعلمت درسا قاسيا في كيفية التعامل مع حشود الزبائن المذعورين. وتقول إنها في المرة القادمة ستنتظر حتى تقل الحشود، أو ستتسوق في المقابل عبر المتاجر الإلكترونية.