أدوار نسائية قيادية في مواجهة زمن أزمة كورونا الطاحنة
في خضم أزمة فيروس كورونا، تبرز بشكل لافت أدوار نسائية من مواقع قيادية وميدانية. بينما تفيد مؤشرات بأن الرجال هم من يتحدثون ويتناقشون أكثر عن الأزمة الصحية العالمية الناجمة عن الوباء القاتل، فماذا يعني ذلك؟
في أكبر بلد أوروبي، تتصدر المستشارة أنغيلا ميركل المشهد وتقود بلادها وسط العاصفة. رباطة جأش وبرودة أعصاب، قل نظيرها، يرصدها المتتبعون من ملامح أقوى امرأة في العالم، وهي تتحدث عن التحديات التي تواجه بلادها بسبب أزمة كورونا، وتدعو إلى الاستعداد لمواجهة سيناريو انتشار الوباء قد يشمل 60 إلى 70 في المائة من سكان البلاد.
طاقم طبي نسائي رافق الرعايا المغاربيين المرحلين من ووهان الصينية على متن رحلة طائرة جزائرية
بينما في مصر البلد العربي الأكبر، والمثقل بالتحديات، تتصدى وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، للمهمة الصعبة، وقد برز اسمها مبكرا عندما توجهت في عين العاصفة إلى بكين، من أجل التعاون في مواجهة الوباء.
ويثير أداء وزيرة الصحة المصرية ردود فعل متباينة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية والدولية، خصوصا أن تقديرات حجم انتشار الفيروس في مصر، كانت متضاربة وساهمت فيها سياسة التعتيم الإعلامي، التي تحجب الحقيقة عن الوضع الصحي في البلاد، ومعها الأدوار الدؤوبة التي تقوم بها كفاءات في القطاع الصحي رغم المشاكل التي يتخبط فيها بسبب الفساد في التسيير وضعف التجهيزات وهجرة الكفاءات، حيث فقد خلال سنوات قليلة ما يفوق 15 ألف طبيب هاجروا إلى أمريكا وكندا وأستراليا وبلدان الخليج، بحسب تصريحات للدكتور رشوان شعبان الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء.
وفي تونس، تتصدر المشهد شخصيات نسائية من أبرزهن الدكتورة نصاف بن علية، المديرة العامة للمركز الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، بوزارة الصحة التونسية.
الرجال يتحدثون أكثر عن كورونا!
ظهور أدوار نسائية في المستويات القيادية والميدانية في أوج أزمة صحية، ليس من باب الصدفة، فالنساء يشكلن ما بين 50 إلى 70 في المائة من العاملين بالقطاع الصحي في بلدان منطقة شمال أفريقيا. ولكن تقارير منظمات متخصصة، تشير إلى أن ” النساء يشكلن نحو 70 في المائة من القوى العاملة في الصحة على مستوى العالم، كما أنهن يؤدين غالبية الوظائف الأصعب، والأخطر، والأكثر كثافة من حيث العمالة في هذا القطاع، ومع ذلك فهن يشغلن 25 في المائة فقط من المناصب العليا للقطاع الصحي”، بحسب بروجيب سنديكت مؤسسة ومديرة “مؤسسة الرفاه الأفريقية”.
وفي هذا السياق، تظهر أهمية ما تحققه قيادات نسائية في منطقة شمال أفريقيا، من ناحية، وما تقوم أخريات على الصعيد الميداني بعيدا عن أضواء الإعلام أو أدوات في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل تدريجي. وسيحتاج المرء إلى حيز من الزمن، بعد تجاوز أزمة وباء كورونا العالمي، لوضع استنتاجات أشمل وأعمق حول أداء هذه الكفاءات النسائية، وعما إذا كن يشكلن أيقونات لشعوبهن في فترة تاريخية حرجة، وفي مجتمعات ما تزال تهيمن فيها نظرة محافظة تحجم عن الاعتراف للمرأة بأدوار قيادية متقدمة.
لكن، في غضون ذلك يمكن التوقف عند بعض المؤشرات المتعلقة بالمقارنة بين الرجال والنساء، وهي تحمل مفارقات. ففي مؤشر مثير لمؤسسة هوتسويت/ Hootsuite المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي، يفيد تحليل المواد المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الفترة ما بين 3 فبراير شباط و3 مارس آذار بألمانيا، بأن المناقشات والمداولات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام الالكترونية، حول موضوع فيروس كورونا، يستأثر بها رجال بنسبة 69 في المائة مقابل 31 بالمائة للنساء.
ويعزو خبراء ارتفاع معدل مشاهدة التلفزيون وتصفح مواقع الانترنت، إلى تزايد الاهتمام بمتابعة مستجدات وتطورات أزمة فيروس كورونا، ولكن أيضا بسبب اعتماد قطاع مهم من المستخدمين والموظفين على أسلوب العمل من البيت. وهنا يمكن الإشارة إلى أن هيمنة نسبة الرجال في سوق العمل، قد تكون لها دلالة في مؤشرات الاهتمام بمشاهدة التلفزيون ومتابعة الأنترنيت مقارنة بمعدل اهتمام النساء. وبالمقابل فان حضور النساء بنسبة أكبر من الرجال في القطاع الصحي، قد يقود إلى مفارقة مفادها أن النساء يعملن أكثر على الأرض في القطاع الصحي الذي تشكل حاليا أزمة فيروس كورونا محوره الأساسي، بينما تنشغل نسبة كبيرة من الرجال بالحديث حول فيروس كورونا كموضوع للمناقشات والمداولات.
ورغم ما يحمله هذا الاستنتاج أو الفرضية من مفارقة، فانه لا يعني بأية حال أن الرجال لا يساهمون بنسبة كبيرة في مكافحة الفيروس، بل ان مساهماتهم قد تأخذ مجالات وسياقات أخرى غير مباشرة، سواء في الحياة العامة أو القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
DW