المبالغة في الخوف من كورونا حول العالم.. تسبب بأزمات أبرزها إنقطاع التموين رغم توافر المواد

يرتبط الخوف من وباء بعدم وجود فهم واضح له، أكثر مما هو ناجم عن عدد الوفيات التي يتسبب بها، وفق ما يرى الباحث الفرنسي جوسلين رود أستاذ علم النفس الاجتماعي في معهد الدراسات العليا في الصحة العامة في مدينة رين الفرنسية، في حوار مع وكالة فرنس برس.

وجوسلين رود صاحب أطروحة حول ديناميكية إدراك المخاطر في ظل انتشار وباء.

كيف يمكن تفسير ردود فعل الذعر، مثل التبضع الاحترازي، الذي واكب انتشار فيروس كورونا المستجد؟

ما لاحظه علماء الأوبئة الأوائل في القرن التاسع عشر، أنه ليس هناك بالضرورة علاقة متناسبة بين عدد الوفيات والخوف الناجم عن المرض. الأمراض الجديدة التي تظهر بشكل دوري تثير الكثير من القلق حتى لو كان عدد ضحاياها قليلا.

ومن المفارقة أنه في بداية انتشار وباء، يكون السكان الأقرب إلى بؤرة الإصابات هم الأقل قلقا. فكلما اعتاد الناس الخطر مع تسجيل إصابات مباشرة، تراجع قلقهم.

الخوف أقرب إلى استباق الأمور. ومع تنامي الاعتياد على المرض، يتراجع الخوف والسلوك غير المنطقي. إلى حدّ أنه يتحتّم أحيانا إيقاظ إحساس الناس بالحاجة إلى الحماية، إذ يسجل تلاشٍ عامّ في التزام تدابير الحماية التي توصي بها السلطات العامة.

بموزاة ذلك، يظهر لدى فئة ضئيلة من السكان سلوك من القلق، فيقوم البعض بالتبضع كجمع مخزون من ورق المراحيض في حين أنه ليس هناك أي مشكلة تموين. إنها ظاهرة النبوءة التي تحقق نفسها: ترقّب انقطاع المواد يولد بنفسه انقطاع المواد.

لماذا نخشى فيروس كورونا المستجدّ أكثر من الإنفلونزا الموسمية؟

نعرف منذ أواخر السبعينات أن هناك بشكل أساسي معيارين يحكمان طريقة فهمنا للمخاطر على صحتنا. المعيار الأول هو تصوّرنا للمعرفة حول المرض. فكلما بدا لنا المرض غير معروف، غير مفهوم، ازداد قلقنا حيال المخاطر.

لكنّ هذا العامل يقابله عامل آخر هو تصوّرنا لإمكان السيطرة على هذا الخطر وضبطه. الوسائل التي تلقّينا توصيات في شأنها على مستوى النظافة الجسدية مثلا هي وسائل لها قدر من الفاعلية الجماعية، لكنها على الصعيد الفردي ليست بمستوى الفاعلية ذاته كالتلقيح ضد الإنفلونزا الموسمية.

هل من شأن التدابير التي أعلنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طمأنة المواطنين؟

على صعيد علم الأوبئة، إنها تستند إلى أساس صحيح تماما. الهدف هو منع استنفاد قدرات النظام الصحي، والسماح بمعالجة الجميع في ظروف جيدة. الابتعاد الاجتماعي سيسمح لنا بإبطاء انتشار الفيروس بين السكان للسماح للنظام الصحي بالتجاوب بأفضل شكل ممكن. سوف ننشر مسار انتشار الفيروس على فترة زمنية أكبر.

خوفي الوحيد هو في حال استمر انتشار الوباء في التسارع ألا نكون أطلقنا رصاصاتنا الأخيرة. ما الذي يمكننا القيام به بما يتخطى تفادي التجمعات أو اتخاذ تدابير تشكل حواجز؟ لم يعد لدينا ما نقترحه على السكان في المراحل المقبلة، في حال تسارعت الأمور.

بالطبع، نعرف أن من الأفضل على الصعيد السياسي الذهاب نحو الحد الأقصى بدل الاكتفاء بالحد الأدنى. فكلما ساد إحساس بأننا نقلل من شأن مرض أو وباء وأن ما نقترحه على المواطنين غير كاف، واجهنا مشكلات أكبر على صعيد التعامل مع الأوبئة. لكن خطر الخيار الأقصى، هو أن يتنامى القلق لأن هذه التدابير لن تكون كافية لوقف زخم انتشار الوباء.

الوضع الذي نشهده اليوم كان عاديا بالنسبة لمجتمعاتنا حتى مطلع القرن العشرين. كانوا يواجهون بشكل منتظم جدا أوبئة ذات نسبة عالية من الوفيات، مثل الجدري والكوليرا. كان هذا نصيب البشرية، ولا يزال كذلك في بعض الدول النامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button