في ذكرى “14 آذار”… ماذا تبقى من شعارات اللبنانيين وآمالهم؟* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

تهاوت ثوابت 14 مارس (آذار) سنة بعد سنة، حتى فرغت من أساسياتها، واستسلم أفرقاؤها، بعضهم يأساً وبعضهم طمعاً في السلطة، وآخرون ضعفاً وانهزاماً أمام الفريق الآخر في البلد. الثوابت التي قامت عليها أروع ثورة في تاريخ اللبنانيين، حملت شعار “حرية سيادة واستقلال”، هتفت به حناجر مليون لبناني، متّحدين مسلمين ومسيحيين، بهت حتى ذبل وتلاشى. ودماء شهداء “ثورة الأرز” الذين كانوا عامود قيامها أصبحوا مع الأيام ذكريات خفتت، ونسِيها الناس مع ما واجهوا من ويلات في هذا البلد.

أين هو فريق 14 مارس اليوم؟

انكسار وراء انكسار، أدى إلى نعي هذا الفريق من قبل مكوّناته شخصياً، الحلف الذي تألف من “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب” و”لقاء قرنة شهوان” و”حزب الوطنيين الأحرار” و”حزب التجدد الديمقراطي” و”حركة اليسار الديمقراطي” و”الكتلة الوطنية اللبنانية”، إضافة إلى “الحزب التقدمي الإشتراكي” الذي كان في مقدمة مؤسسي الفريق، كان أول من أعلن خروجه بعد أحداث 7 مايو (أيار) وانتخابات 2009، حين قال رئيس الحزب وليد جنبلاط، إن “فريق 14 آذار لم يخض معركة ذات مضمون سياسي”، وإن “معركتنا كانت قائمة على رفض الآخر ومن موقع مذهبي وقبلي وسياسي”. وبخروج جنبلاط أحد أهم الركائز، تصدّع بنيان هذا الفريق، وتوالت الخيبات فصولاً، وصولاً إلى أن قام “تيار المستقبل” ورئيسه سعد الحريري، بما عُرف بالتسوية الرئاسية مع فريق 8 مارس، متمثلة بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وربط النزاع مع “حزب الله”، مقابل رئاسة الحكومة.

أين هو فريق 14 مارس اليوم؟ وهل يعترف أنه فشل في متابعة الطريق؟ أين هو من العبور إلى الدولة؟ وما هي الأعذار التي يقدمها لمن آمن به؟ تفرّق أفرقاؤه بكامل إرادتهم، فماذا يقولون عشية الذكرى الـ15 لقيامه؟

منسق الأمانة العامة لـ”14 آذار” النائب السابق فارس سعيد، يقول لـ “اندبندنت عربية”، “إنه ليس فشل وحدة 14 آذار التي يجب أن تقدّر أو تُحاسب، وإنما فشل وحدة لبنان. فنهاية فكرة 14 آذار، تعني نهاية معنى لبنان. 14 آذار ليست عملية تلفيقية، أو عملية أحزاب تتفق مع بعضها أو تختلف وفقاً لمصالح معينة، بل هي معنى لبنان والعيش المشترك ووحدة اللبنانيين، التي تحقق الإنجازات الوطنية الكبرى، لأنه ليس هناك أي طائفة مهما علا شأنها، قادرة على أن تحقق إنجازاً وطنياً كبيراً. فالادّعاءات التي تخوضها بعض الطوائف والتي على الأقل عوقبت عليها طوائف أخرى، (هناك من ادّعى أنه اخترع فكرة لبنان أو أسّس دولته أو ربطه بالعالم العربي والخارج، أو حرره، أو أنهى الوصاية السورية)، كلها ادّعاءات باطلة. هناك حقيقة واحدة هي وحدة اللبنانيين التي أنهت الوصاية السورية في 14 آذار 2005. لأنه لا سيادة ولا استقلال إلاّ من خلال الوحدة الداخلية، وإذا انكسرت تنكسر معها السيادة والاستقلال”.

ماذا عن الأعذار التي يقدمها فريق 14 مارس لمناصريه وما هي أسباب فشله؟

يجيب سعيد “فكرة 14 آذار لا تزال قائمة، وتُتَرجم بأشكال مختلفة، وجزء أساسي منها هو ثورة 17 أكتوبر، التي هي عملية استكمال شعبي وأهلي. الفشل ليس لفريق 14 آذار، الفشل إذا حصل هو للتجربة اللبنانية، هناك من أقحم اللبنانيين باتجاه العودة إلى داخل مربعاتهم الطائفية. لكن 14 آذار جمعتهم وأتت بهم من طوائفهم إلى قلب بيروت، إلى قلب لبنان، وإلى الوحدة الداخلية”.

وعن سبل المواجهة، يرى سعيد أنّ المواجهة الوحيدة المطلوبة اليوم هي التمسك بالدستور وبوثيقة “الوفاق الوطني”، للخروج من الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو الوطنية. وأي حل آخر لا يعتمد الدستور ووثيقة “الوفاق الوطني”، لا يمكن أن يكون حلاً مقنعاً لإنقاذ لبنان. وبالنسبة إلى سعيد، “المشكلة الأساسية، في أن السلطة الحاكمة، أي الثنائي الشيعي من جهة، والتيار الوطني الحر من جهة أخرى، لا يؤمنون لا بالدستور ولا باتفاق الطائف. هم الذين في 1989 كانوا من الفريق الرافض للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني، ولا يزالون يمارسون السلطة اليوم من خارج الدستور”، واضعاً علامة استفهام حول القوى الممثلة في مجلس النواب، ويسأل “لمَ لا تدعم الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، وتحمل هذا الدستور كبرنامج عمل لمواجهة الآخرين؟”.

معارضات “ضئيلة” في وجه “حزب الله”

بدوره، يوافق النائب السابق مصطفى علوش على أن الشعارات التي جمعت 14 مارس قد يصعب بناؤها من جديد، على الرغم من أن الجزء الأكبر منها، لا يزال يصح، خصوصاً في ما يتعلق بحرية لبنان واستقلاله وسيادته، ومسألة “حزب الله” وما يمثله من تهديد حقيقي.

 

لكنه يؤكد، أن “فريق 14 آذار ذهب وغرد، كل في مكان على مدى السنوات العشر الماضية. لكن حراك الشارع الذي يرفض هذا التمييز، وهو بكل موضوعية، أكبر من أي حزب آخر موجود داخل لبنان، مع عشوائيته وتعدد الأفكار الموجودة. وعلى المعارضة البرلمانية أيضاً، إعداد مشروع ورؤية مشتركين، قادرين على إعطاء بدائل مقنعة للحراك وللمجتمع الدولي، كي يمد العون للبنان. لكن هذا يبقى حلماً أو نوعاً من الآمال المعلّقة، طالما أن حزب الله لا يزال موجوداً ومتحكماً بمفاصل البلاد الأمنية والسياسية”.

وعن سبل المواجهة وإمكانية إنقاذ البلد، يرى علوش، أن “أي معارضة تظهر في وجه حزب الله ستبقى ضئيلة ومحدودة، لأنها ستكون معارضة محلية لا أكثر ولا أقل. لكن هذا لا يمنع أن يقوم تجمع معارض يوسّع خياراته لأبعد ممّا كانت عليه 14 آذار، على أساس المصلحة الوطنية ومواجهة الوضع الاقتصادي، والتداعيات التي تسبب بها حزب الله، من أذى على لبنان وعلى واقتصاده وعلاقاته مع الدول الأخرى”.

إعادة إحياء منطق النظام

وعن اعتراف هذا الفريق بالفشل، يقول عضو الأمانة العامة لـ 14 مارس نوفل ضو، لـ”اندبندنت عربية”، “بطبيعة الحال لا تنفع المكابرة في هذا الموضوع، عملية تشتّت القيادات الحزبية والسياسية في قوى ثورة الأرز عملية واضحة، إن اعترف بها هؤلاء أو لم يعترفوا. التعاطي السياسي الواقعي يقتضي القول إنه واقع سياسي، يعيشه اللبنانيون منذ فترة طويلة. المشكلة ليست عملية أعذار تُعطى أو لا تُعطى، إنما قراءة واقعية للأمور، تظهر أن تعاطي هؤلاء السياسيين مع القضية على أساس وطني لبناء دولة، كانوا يبقون موحدين، وفي كل مرة تعاطوا معها من زاوية السلطة وواقعهم وحجمهم، كانوا يتفرقون، حتى عندما كانت 14 آذار صيغة تنظيمية قائمة بين هؤلاء السياسيين. بالتالي، المطلوب في هذه المرحلة، ليس إعادة إحياء ثورة الأرز، وإنما إعادة إحياء منطق النظام من أجل قيام الدولة، ومن أجل استعادة الكيان اللبناني لسيادته ومقوماته، سواء قام بهذا الأمر من كان داخل 14 آذار أو من لم يكن جزءًا منها”.

وعن سبل المواجهة، يرى ضو “أن عنوان المرحلة الحالية إذا أردنا فعلاً أن نكون نضاليين، هو نفسه الذي رفعه الشعب اللبناني في 14 مارس 2005 عندما نادى بالحرية والسيادة والاستقلال. وعندما نزل بمئات الآلاف بل أكثر، ليقول لا نريد جيشاً في لبنان غير الجيش اللبناني. عنوان المرحلة اليوم، هو مرجعية الدولة اللبنانية حول السيادة، وحول وجوب عدم وجود أي قوة عسكرية مسلحة على أراضي بلدنا إلاّ الجيش والقوى الشرعية. العنوان السيادي هو العنوان الأساس، باعتبار أنه يجري تصنيف المعارضة أو الموالاة على قاعدة موقفهم من الملف السيادي، وليس من القضايا التفصيلية الصغيرة. الواقع الذي نعيشه اليوم يثبّت بشكل متكرر أن كل التفاصيل الصغيرة التي لها علاقة بالأوضاع الاقتصادية والمالية والمصرفية أو حتى بالأزمة الصحية، لا يمكن أن تُعالج إلاّ من خلال استعادة الدولة اللبنانية سيادتها”.

أما بالنسبة إلى طرق الحل، فيعتبر نوفل ضو أنّ الدولة اللبنانية خاضعة لأوامر “حزب الله” ولسلطته، ولا يمكن أن تعالج أزماتها، طالما لم تضع يدها على الحدود والمعابر ولم توقف التهريب.

قرار سياسي لقضايا صحية

ويعطي مثالاً، أن الدولة اللبنانية لم تستطع أن تتعامل مع الصندوق النقد الدولي لأنّ “حزب الله” وضع شرطاً بعدم التعاون معه. “حتى في الموضوع الصحي، أي الكورونا، واضح أن القدرة على ضبط الحدود والعجز عن اتخاذ قرارات تقنية في انتظار القرارات السياسية، وفقاً لما قاله وزير الصحة، بموضوع الطائرات الآتية من إيران، تحتاج إلى قرار سياسي”.

وحول كيفية المواجهة، يقول ضو “إن كل القضايا التفصيلية التي ينادي بها الشعب اللبناني لا يمكن أن تتحقق في ظل وجود سلاح غير شرعي، وفي ظل وجود ما يمكن اعتباره الاحتلال الإيراني للبنان، بواسطة سلاح حزب الله، تماماً كما كان الاحتلال السوري قائماً بواسطة منظومة ليست فقط عسكرية أمنية سورية، بل بواسطة منظومة لبنانية، كانت تنفذ أوامر الاحتلال السوري في تلك الفترة”.

ويؤكد هنا أن “الموضوع أصبح خارج القيادات التقليدية، لأن معظمها أصبح جزءًا من التسوية ورهينة لها. أوقعت نفسها وأوقعت لبنان منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وفقاً لإرادة حزب الله، ومنذ التوافق على قانون الانتخابات الذي أسهم في حصوله وحلفائه على الأكثرية في مجلس النواب. لا يمكن الرهان على القيادات الحزبية المعروفة في المواجهة في المرحلة المقبلة، إلاّ إذا انتقلت من الصراع على السلطة إلى منطق المقاومة لبناء دولة لبنانية ولاستعادة سيادتها، وإلاّ، فعلى الشعب اللبناني أن يفرض بنفسه العنوان السيادي”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى