فايننشال تايمز: «كوفيد 19» ليس مجرد إنفلونزا .. وتراجع الأسواق ليس مجرد تصحيح

النشرة الدولية –

افترض سادة الكون المتغطرسون بشكل فريد، الذين يسيطرون على القطاع المالي منذ فترة طويلة، أن الأسواق نفسها ستوفر مصدر الأزمة الكبيرة التالية.

لأعوام، كان المستثمرون والمحللون يبحثون في تعقيدات الأسواق المالية، ويبحثون عن نذير، خاصة عندما بدأت المسيرة الصاعدة القديمة (التي انتهت الآن) في أسواق الأسهم تعطي إشارات بأن موعد انتهائها حل منذ فترة.

كان يتم التدقيق إلى ما لا نهاية في الزوايا الغامضة للأنظمة المالية، بدءا من مؤشرات التقلب إلى أسواق الإقراض قصير الأجل المتخصصة، بحثا عن إشارات تدل على أنها قد تكون هي مصدر الدراما الكبيرة التالية في الاقتصاد الحقيقي. كان الجميع يبحثون عن المعادل الحديث للانخفاض في عملة البات التايلاندي الذي أدى في عام 1998 إلى انهيار صندوق التحوط LTCM، الأمر الذي بدوره أجبر الاحتياطي الفيدرالي على وضع خطة لإنقاذ الأسواق من الكارثة.

بدلا من ذلك، المستثمرون يتعرضون للإذلال على يدي شيء واحد من الواضح أنهم لم يفكروا فيه: الحياة الحقيقية. هذا يجعل الأزمة التي أثارها وباء فيروس كورونا “كوفيد 19” أكثر خطورة، وإصلاحها أكثر صعوبة، من أي شيء آخر سبق أن شهده الرجال والنساء الموجودون حاليا على الخطوط الأمامية في مجال التمويل.

أولا، إليكم بعض الأرقام. ما مدى سوء هذا؟ الانخفاض العالمي في تقييمات أسواق الأسهم بين 20 كانون الثاني (يناير) ويوم الخميس الماضي تجاوز 13 تريليون دولار. قال نيكولاس سميث، من CLSA، في مذكرة يوم الخميس، إن هذا يساوي تقريبا أكثر قليلا من ثلاثة مليارات دولار لكل حالة وفاة بفيروس كورونا. هذا حساب وحشي لكننا نعيش في أوقات وحشية؛ فيروس كورونا ليس مجرد إنفلونزا وهذا التراجع ليس مجرد تصحيح.

قبل شهر واحد فقط، سيطرت على مزاج السوق حالة من التهاون واعتقاد أن الفيروس سيكون نكسة مؤقتة، محصورة في الصين. التحول في وجهة النظر منذ ذلك الحين كان مذهلا.

شهد يوم الخميس أسوأ لحظة حتى الآن؛ تراجعت الأسهم الأوروبية في يوم واحد أكثر مما فعلت خلال أزمة ديون منطقة اليورو على مدى 2011-2012، بينما تراجع مؤشر فاينانشيال تايمز 100 بأسرع وتيرة له منذ انهيار “الإثنين الأسود” في عام 1987. وانخفض مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 9.5 في المائة. هذا يعني أنه تراجع 20 في المائة إلى سوق هابطة بأسرع وتيرة له على الإطلاق، حتى إنها أسرع مما كانت في الانهيار الأسطوري لعام 1929.

قال ديفيد رايلي، من شركة بلوباي لإدارة الأصول: “تحولنا من الشعور بأن هذا مجرد تصحيح في سوق الأسهم (…) إلى النقطة التي تنهار فيها الأسواق. الأشياء التي تراها على الشاشة، الأسعار، ليست دقيقة”.

جاءت الفوضى على الرغم من الجهود المبذولة لدعم الثقة من قبل الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي. ارتفعت الأسهم يوم الجمعة، لكن ليس من الواضح ما إذا كان صناع السياسة قد أوقفوا النزيف.

انخفاضات أسعار الأسهم مذهلة. لكن المستثمرين أكثر قلقا بكثير من حقيقة أن الأنظمة التي وراء السوق قد بدأت تتحطم هذا الأسبوع. على وجه الخصوص، بدا أن أهم سوق في العالم – السندات الحكومية الأمريكية – تتراجع. كل متداول ذي خبرة سيخبرك أن سندات الخزانة الأمريكية “ينبغي” أن ترتفع مع انخفاض أسواق الأسهم، ما يوفر تحوطا للذين يريدون التحوط. لكنها ليست كذلك، جزئيا بسبب عدم رغبة البنوك أن تكون وسيطا.

قال أحد مديري صناديق التحوط: “بالنسبة لي يبدو الأمر أسوأ من عام 2008. إنه أشبه بأزمة LTCM”. أضاف: “نقص السيولة التام فيما يسمى المنتجات السائلة” يعني أن بعض الصناديق ربما لن تنجو من هذه الأزمة. إضافة إلى هذا، الضغوط في السندات الأمريكية ذات العوائد المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى سقوط مزيد من حجارة الدومينو. إذا فشلت الصناديق، فسيكون عليها بيع مزيد من الأصول. وإذا فشلت الشركات ستكون البنوك والصناديق في مأزق. ستضطر الأسواق إلى إبقاء التسعير في وضع مؤلم بشكل متزايد.

منذ الآن الذعر يغذي نفسه. كتب ماساناري تاكادا من “نومورا”: “كانت السوق متزعزعة إلى حد الانهيار، ويبدو أن المنطق التقليدي المعروف لم يعد ينطبق. بالنظر إلى عدم اليقين الشديد حول ما سيحدث، فإن انعدام الأمن لدى المستثمرين قد يتسبب في الواقع في ظهور سيناريو أسوأ حالة للبجعة السوداء”.

درس واحد من الأزمات السابقة هو عدم الانخداع بحالات الانتعاش العابرة. على الرغم من أن مؤشر إس آند بي 500 انخفض 42 في المائة خلال الفترة من صيف عام 2008 حتى الخريف، إلا أنه ارتفع 24 في المائة بحلول بداية عام 2009. لكن الذين راهنوا على أن تلك كانت نهاية الدراما كانوا مخطئين. انخفض المؤشر 28 في المائة أخرى قبل الشروع في ارتفاعه الطويل.

هل كان ينبغي للمستثمرين معرفة ما سيحدث؟ محتمل. في أواخر كانون الثاني (يناير)، حذرت منظمة الصحة العالمية “العالم بأسره” وطلبت منه أن يكون “في حالة تأهب” لمحاربة المرض الذي سيطر في مدينة ووهان المغلقة وبدأ في الانتشار خارج الصين. استغرق الأمر أسابيع ليبدأ المستثمرون الاستماع بشكل صحيح للإشارات المشوشة الآتية من مكان ما خارج مجتمعهم.

يجب أن يتوقف المحترفون في الأسواق عن النظر إلى جداول بياناتهم والاستماع إلى مجموعة أوسع من الآراء. خلافا لذلك، يمكن أن تكون أزمة فيروس كورونا، التي ربما لا تزال في مراحلها الأولى، مجرد بروفة لأزمة المناخ.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button