فايننشال تايمز: سوق الأسهم العالمية كانت مريضة حتى قبل وصول «كورونا»
النشرة الدولية –
عقد من المازفة القوية، التي تغذيها البنوك المركزية جزئيا، انتهى بطريقة مؤلمة. شهد الأسبوع الماضي أكبر انخفاضات تسجلها الأسهم في يوم واحد في وول ستريت والمملكة المتحدة منذ الانهيار الكبير عام 1987، بينما سجلت البورصات الأوروبية أدنى مستوياتها اليومية.
في غضون بضعة أسابيع فقط، ارتفاعات الأسهم القياسية وتقييمات الائتمان المرتفعة استسلمت إلى لحظة حساب لطالما كانت تخشاها. كانت أسواق السندات الحكومية تحذر منذ فترة أن عام 2020 سيكون عاما يثبت نجاح النمو الاقتصادي العالمي، أو فشله. في الوقت نفسه، قوائم الشركات الرائدة في أسواق الأسهم سيطرت عليها الشركات الدفاعية عالية الجودة – إشارة أخرى تثير الشكوك بشأن الرأي السائد على نطاق واسع الذي مفاده أن أرباح الشركات قد تنتعش بقوة هذا العام.
لكن تم تجاهل مثل هذه العلامات في الغالب. تدفقت الأموال إلى سندات الشركات والأسواق الناشئة وقطاعات الأسهم المزدحمة في الأصل، مثل أسهم التكنولوجيا الأمريكية، ما دفع التقييمات نحو مستويات قصوى. إلى أن حل أخيرا الشهر الماضي. عندما سئلوا عن ديناميكية المخاطرة مقابل المكافأة في شراء الأصول بهذه الأسعار في الأشهر الأخيرة، كانت الاستجابة من المستثمرين المحترفين أن السبب هو الحاجة إلى “تشغيل الأموال”، مصحوبة بغمزة تشير إلى أنهم يحظون بدعم البنوك المركزية.
انهيار السوق الأسبوع الماضي له أبعاد ضخمة، أثارتها حرب أسعار في سوق النفط جاءت على رأس أزمة صحية متصاعدة في كل أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية. حظر السفر الأمريكي المفاجئ على الأوروبيين لمدة 30 يوما أثار موجة البيع الكبيرة الحادة يوم الخميس في الأسواق كافة. المشاعر السلبية كانت أيضا اعترافا بالذخيرة النقدية المحدودة لدى البنوك المركزية، ما جعل المستثمرين يتساءلون عما إذا كانت الاستجابة المالية في أوروبا والولايات المتحدة يمكن أن تعوض الأضرار الاقتصادية التي تحدث حاليا.
مع ذلك، المستثمرون الذين لم يفيقوا من الصدمة شرعوا في النهاية في إعادة ترتيب أوضاعهم مرة أخرى. يظهر التاريخ أن صدمات السوق الشديدة تنحسر. في مرحلة ما، ستظهر فرصة لشراء الأصول بأسعار أرخص وتوفر الأساس لاستراتيجية استثمار واسعة النطاق تستمر عدة أعوام.
بمجرد انحسار آثار الصدمات، فإن الحجة طويلة الأجل لتفضيل الأسهم على السندات الحكومية تبدو جيدة. لكن هناك تحد في هذا المنعطف يتمثل في الوقت الذي يستغرقه التئام الانقسامات المالية الضخمة، خاصة بعد أن اتبعت أسعار الأصول مسارا معاكسا في الأعوام الأخيرة.
يجادل فريد كليري، مدير محفظة في “بيجاسوس كابيتال”، قائلا: “فيروس كوفيد – 19 هو بجعة سوداء جاءت من العدم، لكن لا يمكن إلقاء اللوم عليها بالكامل لما قد يتحول إلى فجوة طويلة في السوق. هذه السوق كانت في الأصل تعاني المشكلات قبل فترة طويلة من انتشار الفيروس”. أضاف: “انتعاش الأسهم اعتمد على تدابير تخفيف السياسة النقدية التي لا نهاية لها”.
كلما كان الصعود أكبر، كان السقوط أقوى. تراجعت الأسهم العالمية التي صمدت بعد انخفاضات كبيرة زعزعت المشاعر في عام 2011 وعام 2015 حتى عام 2016، ثم في أواخر عام 2018. انتعشت بعد ذلك لأن الاقتصاد العالمي لم ينكمش.
الآن حالة ركود، وربما تغيير قصير وحاد، تلوح في الأفق. في ظل هذا السيناريو، يجب أن يدرك المستثمرون الطريق الطويل للتعافي الذي حدث خلال اثنين من الأسواق الهابطة التي امتدت من عام 2000 حتى عام 2002 ومن عام 2007 حتى عام 2009. كما في تلك الحالتين، كان هناك تهاون مفرط قبل التراجع الأسبوع الماضي.
ولا تزال الأسهم تبدو مبالغا فيها، خاصة في الوقت الذي يتم فيه خفض تقديرات أرباح الشركات هذا العام. شهد مؤشر مورجان ستانلي المركب لكل العالم مضاعفات أرباحه الآجلة لمدة 12 شهرا تنخفض نحو 14 مرة ـ تماشيا مع متوسطه منذ عام 2009 ـ من الذروة الأخيرة بالقرب من 17 مرة. لكن المؤشر شهد انخفاضات بلغت نحو 12 مرة في أواخر عام 2018 وأقل من عشر مرات في عام 2011. لا تزال الأسهم الأمريكية مكلفة أيضا على هذا الأساس، وعلى عكس بقية العالم، لم يختبر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بعد أدنى مستوياته في أواخر عام 2018.
أحد المؤشرات المقلقة كان التراجع الهائل البالغ نحو 35 في المائة في الشركات المالية العالمية، خلال أقل من شهر. مزيد من الشركات يستغل خطوط الائتمان المصرفية، التي تستنزف رأسمال البنوك، بينما الأسواق المضطربة يمكن أن تشكل استنزافا آخر للموارد. ضخ الاحتياطي الفيدرالي تريليونات الدولارات إلى أسواق التمويل الأمريكية قصيرة الأجل يوم الخميس من أجل تحقيق استقرار النظام.
مجال آخر يثير القلق هو سوق السندات. الضغط الهبوطي على الأرباح يعني ارتفاع حالات العجز عن السداد لدى الشركات، حيث من المرجح أن تعلق قطاعات الطاقة وشركات الطيران والسفر وتجارة التجزئة في موجة الإجهاد التالية. سيستغرق الأمر بعض الوقت ليتكشف وسيحد من انتعاش الأسهم.
كل هذا لن يوقف الدعوات من أجل دعم قوي من الحكومات والبنوك المركزية. لكن هذه المرة – وهي الكارثة المالية الثالثة في هذا القرن – فإن وصف بعض العلاجات الأكثر قسوة قد يساعد على وضع أسعار الأصول على أساس أفضل طويل الأجل.
جادل مارك أوستوالد، من “أيه دي إم إنفستر سيرفيسز”، قائلا: “درجة من التطهير في أسواق السندات من خلال (…) إعادة الهيكلة وحالات العجز الصريحة عن السداد في الواقع ربما ستكون مؤلمة، لكنها ليست بالأمر السيئ من وجهة نظر طويلة الأجل بالنسبة لعالم غارق في بحر من الديون”.