أمّهات صابرات ومناضلات في أسمى أنواع الحب* ريتا ابراهيم فريد

النشرة الدولية –

هي الترجمة الملموسة لأسمى أنواع الحب. هي التي لا تحدّها الكلمات ولا تفيها حقها أعظم التعابير. هي التي تحمل في قلبها عظمة الإنسانية ووهج الحب الأكبر.

وإذ قيل أن الجنة تحت أقدام الأمهات، لكن فعلياً، الأمّ هي الجنّة بحدّ ذاتها.

أمّ الشهيد زينب حسين البزّال: الدني ما عادت تعنيلي

يحترق قلب أمّ الشهيد علي البزال في كلّ مرة تنظر فيها الى صورته. فالصورة لا تنطق. الصورة لن تقول لها: «ينعاد عليكي يا ماما». تغمر الصورة بقوة وتشدّها فوق صدرها بكلّ أمومتها وحنانها. لكنّ «الغالي راح». لن تغمره مجدداً في هذه الدنيا. لم تعد تشعر بأيّ عيد منذ أن استشهد ابنها في العام 2014 على يد منظمات إرهابية في جرود عرسال، وتؤكّد في حديث لـ «نداء الوطن»: «الدني كلها ما عادت تعنيلي»، وتسأل بأسى: «عندما لا تجد الأم أولادها الى جانبها، ما الذي سيعني لها بعد في عيد الأم؟» وتتابع: «هو الوحيد الذي كان يتذكرني في هذا اليوم، وحتى لو كان بعيداً عني، كان يهاتفني للمعايدة».

عتب كبير تعبّر عنه زينب حسين البزّال بالقول: «خاصة وأنّ أحداً لم يسأل عن ابني وتمّ تجاهل شهادته». وإذ تعايد كلّ الأمهات وبخاصة أمهات الشهداء، تتوجّه لهنّ بألا ينسين أولادهنّ وحقّ أولادهنّ. «فهم من رفعوا رأسنا عالياً وهم فخرنا. وكلّ نقطة دمّ سقطت لشهدائنا طهّرت أرض لبنان بأكمله. نحن أمهات الشهداء ضحّينا بأغلى ما لدينا لأجل لبنان، ولا نريد من لبنان سوى أن يعرف قيمة هؤلاء الشهداء».

الأمّ المناضلة كريمة أحمد ضاي: صعب جداً على المرأة ممارسة دور الأم والأب

يبدأ نهارها من الصباح الباكر ويستمرّ أحياناً حتى منتصف الليل. «عليّ أن أعمل كثيراً لكي أجني المال وأعيل ابنتي وأدفع قسط مدرستها»، تؤكّد كريمة أحمد ضاي التي تبيع الحلوى والسكاكر وتنقل أغراض الناس بواسطة «التوك توك» الذي تمتلكه. وتشير الى أنّها مضطرة أن تبقي ابنتها التي تبلغ من العمر ست سنوات معها خلال العمل، كونها لا تستطيع أن تدفع كلفة دار حضانة بالإضافة الى قسط المدرسة.

كريمة التي كانت قد تزوّجت من شخص عراقي، طلب منها أن تعود الى منزل أهلها للراحة حين كانت حاملاً بابنتها في الشهر الثاني، ومنذ ذلك الوقت لم تعد تعلم عنه شيئاً، إذ لا يسأل أبداً عن ابنته، حتى أنه لم يسجلها على اسمه، رغم محاولاتها الكثيرة للتواصل معه، لكن من دون نتيجة.

وعن الصعوبات التي تواجهها في أن تلعب دور الأم والأب في الوقت نفسه، تؤكّد كريمة أن الدافع الذي يعطيها القوة للاستمرار هي ابنتها التي ترى الدنيا من خلالها، وهي مصدر صبرها وأملها بغد أفضل، مهما كان الحاضر قاسياً، وتقول: «أنا أقوم بكل هذا من أجلها. وأحاول ألا أحرمها من شيء، رغم أنني أشعر بالتقصير لناحية تأدية دور الأم ومنحها حنان الأب. وهذا الموضوع يعذبني، فكل أم تتمنى الأفضل لولدها. وأنا بطبيعة عملي الشاق والطويل، لا أستطيع أن أصطحبها في نزهة مثلاً، كوني غير قادرة على ترك عملي الذي أقوم به من أجلها أولاً وأخيراً». وتختم بأنّ الأطفال نعمة من الله، وهم سبب استمرار الأم ومصدر قوتها لمواجهة كل متاعب الحياة.

أمّ المراسلة التي تغطّي تحت الخطر

ماغي عقيقي: أصلّي وأسلّمها الى العذراء

فيما يلازم القسم الأكبر من المواطنين منازلهم اليوم، يستمرّ القطاع الإعلامي بممارسة واجبه في نقل الصورة الى الرأي العام، رغم كل الخطر المحدق به. هذا وترزح أمّهات المراسلين تحت قلق مضاعف خوفاً عليهم من أي مكروه. وفي حديث لـ»نداء الوطن»، تشير السيدة ماغي عقيقي (والدة المراسلة جويس عقيقي) الى أنّها تعجز عن وصف حجم الخوف الذي يسيطر عليها، لا سيّما وأنّ الأوضاع تزداد خطورة بعد الانتقال من مرحلة القنابل المسيّلة للدموع والمواجهات، الى مرحلة الوباء. وتقول: «الأمّ تشعر في هذه اللحظة بأنّ أطفالها خرجوا من تحت جناحها، مقابل عجزها عن القيام بأيّ شيء. فهذا عملهم وهذا مستقبلهم».

وإذ تشير الى أنها تفقد توازنها في بعض الأوقات التي تواجه فيها جويس ظروفاً صعبة خلال عملها، تعود السيدة ماغي وتؤكّد على أنّها تلجأ الى الصلاة وتسلّم ابنتها الى العذراء»، وتضيف قائلة: «لو كنت أستطيع أن أحميها وأحاوطها بروحي، لما تردّدتُ لحظة». وتشير السيدة ماغي الى أنّها لا تنام حتى تعود جويس الى المنزل مهما تأخّرت في العمل. وأحياناً تتصل بها وتطلب منها أن تعود، «لكنّها مشاغبة، وحين تعود تلومني معتبرة أنّ ما أقوم به يسبّب لها قلقاً إضافياً. وأغلب الأحيان حين تكون متجهة لتغطية أحداث خطيرة لا تخبرني».

جويس المعروفة بقوة شخصيتها وجرأتها وإصرارها على نقل الصورة وتأدية واجبها المهني مهما بلغ حجم الخطر، تعرّضت لاعتداءات عدة خلال تغطياتها. وتقول والدتها في هذا الإطار: «أتمنى أحياناً لو أنها لم تختر هذه المهنة. فهي مهنة المتاعب، وقد ينسى الانسان حياته بسببها». وتؤكّد على أنّ ابنتها هي قطعة من روحها، ووجودها في حياتها بحدّ ذاته هو العيد.

رنده كعدي: دور أمّ الشهيد جعلني أحلّق

هي ليست ممثلة. هي فنانة تتقمّص أدوارها بكلّ ما للكلمة من معنى. هي تعريف دقيق للحرفية والمهنية. جسّدت الأمومة من جميع جوانبها، حيث أدّت كل ألوان شخصيات الأم، حتى أمّ القديس، وتوّجت أعمالها بدور أم الشهيد في مسلسل «ومشيت» من كتابة كارين رزق الله.

هذا الدور جعلها تحلّق لتصل الى الرقي الذي تصل له والدة الشهيد. الفنانة القديرة رنده كعدي حملت قضية الأم في غالبية أدوارها، لأنّ الأم هي الشريحة الأكبر في المجتمع، وهي البطلة المخفية، حسب قولها. حتى دور الأم المعنفة لعبته بحقيقته، وأعطته الكثير، كي يكون درساً لكل الامهات ألا يفعلن ذلك.

وأشارت في حديث لـ «نداء الوطن» الى أنّ النص العميق هو الأساس في الدراما، ومن دونه لا بدّ أن يكون هناك ومضة فراغ. كما أنّ ركيزة العمل الناجح هو الاخراج والأداء الصادق، وفي دور مرتا أم الشهيد كانت جميع هذه العناصر متوفرة. وتابعت: « أمهات الشهداء هن الأيقونات ويستحقن أن نتمنى لهن الصبر قبل العمر الطويل. فالولد هو أغلى الثروات وفقدانه يحرق».

كعدي التي لعبت دور أمّ معظم النجوم في الدراما، وأعطتهم من محبتها وصبرها وبعض نصائحها، معظمهم يعايدونها في عيد الأمهات.

وعن تربيتها لابنتيها لا سيما في ظلّ اضطرارها للغياب عن المنزل من أجل التصوير، أشارت الى أنه في مرحلة طفولتهما كانت تستفيد من الوقت الذي تمضيه معهما، وتحاول أن تملأه. أما في وقت غيابها فكانت تضعهما في رعاية أغلى أم، أي والدتها التي ربّتهما كما ربّتها تماماً. وبدورهما يعايدان جدّتهما اليوم في عيد الأم ويضيئان لها شمعة بعد أن رحلت الى دنيا الحق.

نقلاً عن موقع “نداء الوطن” الإخباري اللبناني

 

زر الذهاب إلى الأعلى