دبلوماسية الكورونا* تاج الدين عبد الحق
النشرة الدولية –
على مدى سنوات – وربما عقود – ظللنا نتمسك بالقول المأثور، ”اشتدي أزمةُ تنفرجي“ . لكن الأزمات والصراعات ظلت تتكاثر وتتزايد، والحروب التي اعتبرناها علاجًا لبعض المشكلات وَلَدت حروبًا جديدة مرة بعد مرة، فيما كانت تداعيات كل حرب من تلك الحروب سببًا في أزماتٍ واضطرابات، داخلية أحيانًا، أو عابرة للحدود أحايين أخرى.
في أزمة وباء كورونا التي يعيشها العالم من شرقه إلى مغربه، يتوحد العالم في مواجهة الوباء، فإلى جانب الهلع الاجتماعي الذي يصيب بالشلل كافة مفاصل الحياة اليومية حول العالم، تثار مخاوف سياسية، على وقع اتهامات متبادلة حول المتسبب في الوباء، ومن يقف وراءه، فضلًا عن تفسيرات واجتهادات عما إذا كان ما يحصل، جزءًا من مؤامرة مدبرة، أو حلقة من حلقات حرب باردة تدور رحاها في كواليس المسرح الدولي بين قوى سياسية متنافسة، أو تتويجًا لصراعات قديمة بعناوين جديدة .
على هامش هذه الأزمة تتضح -أيضًا- أبعاد أزمة الاقتصاد العالمي، الذي لم يبرأ بعد من مشكلات العقد الماضي، التي سببت الكثير من الانهيارات الاقتصادية، والأزمات الاجتماعية.
وفي تفاصيل التداعيات الاقتصادية المنتظرة للوباء، نجد أنها ستطال كل المفردات المعروفة وغير المعروفة في العلاقات الاقتصادية الدولية، بِدءًا من أزمة النفط، إنتاجًا وسِعرًا، ومرورًا بالأزمة المالية التي تهدد مصارفَ ومؤسساتٍ ودولًا بالإفلاس، ووصولًا إلى قيمة الكلفة الباهظة التي يحتاجها الاقتصاد العالمي للخروج من نتائج انتشار الوباء وكلفة معالجة مشكلات الخلل الهيكلي في الاقتصاد العالمي، التي ظلت مسكوتًا عنها، وبعيدة عن التداول، إما بسبب عمق هذا الخلل، وإما بسبب الافتقار للإرادة السياسية التي تسمح بمواجهته ومعالجته.
الفاتورة العالمية التي تدفعها كل دولة اليوم، لمواجهة خطر الوباء، تؤكد بالدليل المادي، حجم الترابط، والتداخل بين الهم الداخلي، والعلاقات والمصالح الدولية . فلم يعد هناك من يستطيع الوقوف على الحياد، أو اعتبار نفسه محصنًا، أو بمنأى عن المواجهة مع هذا الوباء، الذي يمتد طولًا وعرضًا، وتتزايد ضحاياه يومًا بعد آخر، وتتسع حدود مخاطره، ونطاق انتشاره كل ساعة.
في ظل هذا الطابع العالمي للأزمة، والتداعيات الكثيرة لها، ورغم الشكوك التي تحوم حول أسبابها، وغياب الثقة في مدى صدقية، وجدية من يحاول التصدي لها، فقد لا تكون هذه الأزمة سببًا لإثارة المخاوف، وتبادل الاتهامات فقط، بل لعلها الضارة النافعة التي قد تقود إلى تفاهمات، أو انفراجات في المشهد الدولي ككل.
فإلى جانب تبادل المعلومات والتجارب والخبرات التي باتت تنتقل وتنساب بين الدول المتضررة، أوالمتخوفة، رأى كثير من المرجعيات السياسية التي تتابع المشهد الدولي الذي أفرزه الوباء، أن الصراع العالمي مع هذا الخطر، يمنح المنخرطين فيه فرصة لمراجعة العديد من المواقف السياسية التي كانت -إلى الآن- إما سببًا في القطيعة، وإما مدعاةً للخلاف.
وقد ظهرت في هذا الإطار، مؤشرات على ذلك، إذ وجدنا أن دولًا تخلت عن الحرج السياسي الذي أعاق فتح بعض الملفات الشائكة، وقامت ببعض الاتصالات والمبادرات التي يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الإقليمية والدولية .
وقد أعادت تلك المبادرات إلى الأذهان، بعض الأمثلة عن تاريخ حافل بانفراجات دولية بسبب مبادرات صغيرة، أدت فيما بعد، إلى تغيرات عميقة في علاقات دولية معقدة ومثقلة بالشكوك والمصاعب، لعل أوضحها، ما جسدته في التاريخ المعاصر دبلوماسية البينج بونج، إذ كانت المباريات الرياضية في هذه اللعبة التي جرت في سبعينيات القرن الماضي بين الصين والولايات المتحدة. سببًا في فتح فصل جديد في العلاقات بين البلدين، وليتحولا خلال سنوات إلى أكبر شريكين اقتصاديين في العالم.
اليوم العالم أمام خيار مماثل، ففي مواجهة الوباء العالمي المستجد، لا مجال لكثير من المناورة والمداورة . ونحتاج لتحويل التعاون الدولي لمواجهة وباء الكورونا، إلى دبلوماسية نشطة لا تقضي على هذا الخطر فقط، بل تفتح الباب لمعالجة ملفات قديمة مؤجلة، وصولًا إلى عالم جديد، أكثر عدلًا واستقرارًا.
نقلاً عن موقع “إرم” الإخباري