دور النشر من أزمة الدولار الى الكورونا… وضعٌ كارثيّ* ريتا ابراهيم فريد
النشرة الدولية –
الأحداث المتلاحقة في لبنان تركت أثرها واضحاً على معظم القطاعات. فالظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي أدّت الى اندلاع الانتفاضة في تشرين الأول الماضي، ثم ارتفاع سعر صرف الدولار وأزمة المصارف، وصولاً الى انتشار فيروس الكورونا، شكّلت ضربة قوية للقطاع الثقافي بشكل عام، ولدور النشر ومعارض الكتب بشكل خاص.
يشير صاحب “دار المراد” ميشال مراد الى أنّ “ميدان النشر عالمياً كان يعيش أزمة مصيرية لتحوّله من الصفحات التي تعبق برائحة الورق، الى الشاشات التي تلمع ببريق الزجاج، ما دفع بالناشرين للبحث عن وسائل إضافية يدعمون بها مؤسساتهم التي أغلق الكثير منها أبوابه.
وإذ بصفعة قوية تلطم أركان هذه الدور مع انتشار وباء الكورونا في مختلف أنحاء العالم، فشلّ الحركة وأغلق المؤسسات بما فيها دور النشر والمطابع والمكتبات، فتوقفت المبيعات وأقفلت معارض الكتاب وتأجّلت الندوات الأدبية وألغيت الطلبيات في الداخل والخارج”.
ويتابع أن الناشر اللبناني تأثّر أيضاً بوضع الليرة المتدهور، وغدا التعامل مع زبائنه ومع المؤلفين معقّداً نظراً الى تفاوت الأسعار بين الليرة والدولار، ما جعل خسائره تزداد. وأضاف: “يقيني أن أولويات المجتمع ستكون مستقبلاً في مكان آخر، إلا أن التزام الناس في بيوتهم شجّع الكثيرين منهم على اللجوء الى الكتاب والعودة الى زمن المطالعة، واعتبار الكتاب الصديق الأنيس والمرجع المفيد. ونحن معشر الناشرين سنبقى خط الدفاع الأول لنقدّم للقراء عطاءات المؤلفين وثمار إبداعهم”.
بدوره، لفت المدير التنفيذي للنادي الثقافي العربي الدكتور عدنان حمود الى أنّ تأثير هذه الأزمات كان كبيراً أيضاً لناحية تحجيم الندوات الثقافية في المؤسسات، بالإضافة الى كافة الأعمال الفنية التي تمّ توقيفها.
أما على صعيد دور النشر، فقد توقّفت الإصدارات بشكل كبير مع بروز الأزمة الإقتصاديّة، خاصة وأنّ أصحاب المطابع بحاجة الى سيولة ليتمكنوا من شراء الورق للطباعة.
وأضاف أنّ المشكلة الثانية تكمن في عدم توفّر أسواق للكتب المطبوعة في لبنان وفي الخارج، وأوضح: «من هنا بدأت الأزمة تتفاقم الى حدّ أننا وصلنا الى الجمود التام بسبب انتشار فيروس الكورونا، وأصبح وضع كافة دور النشر كارثياً».
ولفت الى أنّه لم يتمّ إلغاء معرض الكتاب العربي الدولي في بيروت حتى في فترة الحرب اللبنانية، لكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية منذ تشرين الثاني، «أُجبرنا على تأجيل المعرض الى شهر شباط، ثم ألغيناه. وهذا الموضوع ترك أثراً كبيراً على دور النشر التي تعوّل عادة على هذا المعرض، كونه المنفذ الوحيد الذي يتيح لها تسويق كتبها»، حسب قوله.
وأضاف الدكتور حمود أنّ بعض دور النشر تتّجه الى الأسواق والمعارض الخارجية، لكنّ دوراَ أخرى ممن تصدر الكتب المتعلقة بلبنان حصراً، هي التي تأثرت بالأزمة بشكل خاص. وأشار الى أنّ الدول التي كانت تقيم المعارض في الخارج قلّت مبيعاتها عن السنوات السابقة، فالأزمة الاقتصادية موجودة في كل الدول، سواء في الخليج أو في شمال أفريقيا.
من جهتها، أشارت مديرة «دار الساقي» رانيا المعلّم الى أنّ دور النشر لم تكن تعتمد على سوق بيروت فقط، لا سيما وأنه كان متوقفاً كلياً منذ فترة، بل كانت تتعدّاه الى أسواق البلدان العربية. ولفتت الى أنّ الصعوبات في سوق بيروت تنقسم الى قسمين: الأول يعود الى انخفاض القدرة الشرائية.
والثاني يتمحور حول مشكلة الفرق في سعر صرف الدولار وكيفية التسعير، الأمر الذي خلق بلبلة وتراجعاً في حجم العمل. أما بالنسبة الى الأسواق الخارجية، فأصبح الوضع مختلفاً بسبب مشكلة الكورونا، التي أدّت الى تأجيل المعارض التي كانت تشكّل دعماً وسنداً في السيولة بالنسبة الى الناشر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمرّ بها في لبنان.
وبالتالي ففكرة عدم المشاركة في هذه المعارض هي بحدّ ذاتها كارثة كبيرة وأزمة مضافة. وشدّدت على أن الأزمة كان لها جذور، وهي اليوم تتفاقم أكثر فأكثر حيث أصبحت المشكلة كبيرة جداً
معاناة قطاع النشر وإصدار الكتب بدأت قبل انطلاق الانتفاضة، فأزمة العزوف عن القراءة التي تزايدت في الفترة الأخيرة، وضعت القطاع في العناية الفائقة. لكن الانتفاضة أثرت بشكل كبير جداً على هذا القطاع، بحسب ما يشير مدير مجموعة الناشرين العرب خالد قبيعة. ويضيف أنّ الكتاب اليوم يعدّ من السلع الكمالية في لبنان، باستثناء شريحة صغيرة جداً من الأشخاص الذين لا يزالون يؤمنون بالكتب. وأضاف أنّ أزمة فيروس الكورونا شكّلت الضربة القاضية لهذا القطاع، وتابع: «بالنسبة لنا في لبنان، كان البديل أن نتجّه الى المعارض الأوروبية والعربية. وكنّا في أول الموسم قد انتهينا من أربعة معارض في الأردن والبحرين والقاهرة ومسقط. لكن معرض مسقط كان الأخير قبل صدور القرار بإلغاء كل المعارض الأخرى، والتي كان من المفترض إقامتها في أبو ظبي، مهرجان الشارقة القرائي، معرض بغداد ومعرض أربيل».
ولفت الى أنّهم كانوا قد أتمّوا كل التحضيرات والاستعدادات للمشاركة في تلك المعارض، إن كان لناحية الطباعة أو الشحن أو دفع تكاليف الأجنحة. من هُنا كانت الخسائر المادية كبيرة جداً، «ولن نتمكن من فعل أي شيء الى حين تحسّن الوضع في الموسم المقبل»، حسب قوله. وأضاف أنّ أزمة سعر صرف الدولار أثّرت بشكل أساسي، موضحاً: «فلا يمكننا أن نرفع الأسعار، لأن الاقبال على شراء الكتب من الأساس ضعيف، وإذا سعّرنا الكتاب على سعر صرف 1520 ليرة لبنانية، نكون في هذه الحالة قد دخلنا في خسائر كبيرة»، مشيراً الى أنّ دور النشر غير المحصّنة مادياً، من الممكن أن تصل الى مرحلة الإفلاس والإقفال النهائي.
نقلاً عن موقع “نداء الوطن” الإخباري اللبناني