“كورونا” يضع الاقتصاد العالمي في مهب الريح* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
نشرت شبكة “سي أن أن الاقتصادية” نهار الثلاثاء 17 مارس (آذار) الحالي تقريراً بعنوان “أكثر من نصف الوظائف الأميركية في خطر بسبب فيروس كورونا”. ويقول التقرير “ليست الوظائف في شركات الطيران والفنادق وحدائق الملاهي والنشاطات الرياضية التي هي في خطر، إنما شاحنات الطعام التي تخدم العاملين في المكاتب أو طلاب المدارس الذين يقيمون الآن في المنزل. كذلك من يعملون في التنظيف الجاف (المصبغة)، إذ إنّهم ينظفون ملابس لن يتم ارتداؤها، لأن الموظفين لا يذهبون إلى مكاتبهم. بل يتعدى ذلك إلى مصففي الشعر ومَن يقومون بتنزيه الكلاب وجليسات الأطفال وعمال المطاعم وغيرهم، ممَّن يقدمون خدمات لم يعد الأشخاص بحاجة إليها أو لا يستطيعون تحملها”. ووفقاً لتحليل لوكالة “موديز للتصنيف الائتماني”، يذكر التقرير أن “ما يقرب من 80 مليون وظيفة في الاقتصاد الأميركي تواجه مخاطر عالية أو متوسطة، وهذا يمثل أكثر من نصف الوظائف البالغ عددها 153 مليون وظيفة في الاقتصاد بشكل عام”.
تأثر الرواتب
وحسب مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في الوكالة، “هذا لا يعني أن كل هذه الوظائف ستضيع، إنما من المحتمل أن تتأثر رواتب حوالى 10 ملايين من هؤلاء العمال، عبر تسريح أو إجازات أو خفض ساعات العمل أو خفض للأجور”.
ومن بين 80 مليون فرصة عمل، يتوقع زاندي أن 27 مليوناً معرضون لمخاطر عالية بسبب الفيروس، ويأتي في المقام الأول قطاع النقل والسفر والترفيه والضيافة وخدمات المساعدة المؤقتة وحفر واستخراج النفط. كما أن 20 في المئة من هؤلاء العمال، الذين يمثّلون حوالى 5 ملايين وظيفة، سيتأثرون.
ويُعتقد أن الوظائف الـ52 مليون الأخرى، تواجه “مخاطر معتدلة”، وهي في مجالات البيع بالتجزئة والتصنيع والبناء والتعليم. وقد يكون حوالى 5 ملايين من هؤلاء العمال عاطلين عن العمل أو يعانون من نقص العمالة.
وفقاً لكيفين هاسيت، كبير المستشارين الاقتصاديين السابق في البيت الأبيض، فإنّ “الصدمة للاقتصاد يمكن أن تأتي سريعاً، عندما تُحسب التغييرات في الوظائف الأسبوع المقبل، فقد تظهر خسارة تصل إلى مليون وظيفة”.
خسارة وظائف
وكانت منظمة العمل الدولية أعلنت يوم الأربعاء 18 مارس الحالي أنّ وباء فيروس كورونا المستجد سيؤدي إلى خسارة عدد كبير من الأشخاص لوظائفهم وقد يصل هذا العدد إلى 25 مليوناً في العالم. كذلك حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من ركود عالمي “شبه حتمي”، لافتاً إلى أن الاستجابات الوطنية لجائحة فيروس كورونا “لن تعالج النطاق العالمي للأزمة وتعقيداتها”. وأضاف أنّ “ركوداً عالمياً، قد يكون ذا أبعاد قياسية، أصبح شبه حتمي”.
وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا” حذرت بدورها من أنّ فيروس كورونا المستجد يمكن أن يتسبب بخسارة أكثر من 1.7 مليون وظيفة في العالم العربي، مع ارتفاع معدل البطالة بمقدار 1.2 نقطة مئوية. وتوقعت اللجنة أن “يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بما لا يقل عن 42 مليار دولار” هذا العام، على خلفية تراجع أسعار النفط وتداعيات تفشي فيروس كورونا. وأكدت اللجنة أن “قطاع الخدمات، وهو المصدر الرئيس لفرص العمل في المنطقة العربية، سيكون أكثر القطاعات تعرضاً لآثار التباعد الاجتماعي”.
كذلك حذّر المجلس العالمي للسفر والسياحة WTTC بدوره من الخطر الذي بات يحدق بما يصل إلى 50 مليون وظيفة في قطاع السفر والسياحة بسبب تفشي مرض كوفيد-19. وكشفت تلك البيانات التحذيرية التي أصدرها المجلس المنوط بأحوال السفر والسياحة حول العالم عن أن ذلك القطاع قد يتأثر سلباً بنسبة تصل إلى 25 في المئة في 2020.
السياحة العربية
وتعتمد بلدان عربية كثيرة مثل لبنان وتونس ومصر والمغرب والأردن بشكل كبير على القطاع السياحي في توفير الوظائف ودعم جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى. وأعلن الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا” الخميس 19 مارس أن شركات الطيران في الشرق الأوسط تواجه أزمة سيولة وأن مئات آلاف الوظائف مهدّدة بسبب تفشي فيروس كورونا، وحضّ الحكومات على تقديم المساعدة.
وقدّرت المنظمة الأكبر في القطاع، فقدان شركات الطيران في الشرق الأوسط لنحو 7.2 مليار دولار من الإيرادات حتى 11 مارس الجاري جراء إلغاء 16 ألف رحلة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
أما في لبنان الذي يواجه أزمة اقتصادية ومالية منذ ما قبل تفشي فيروس كورونا، أدّت إلى إقفال عددٍ كبيرٍ من المؤسسات التجارية والصناعية والخدماتية أبوابها، فكان من نتائج إغلاق المحال والمطاعم والشركات تفاقم الأزمة وارتفاع نسبة البطالة بشكل متسارع، إذ بلغت 40 في المئة بحسب مراكز إحصاء، فيما يُتوقع أن تصل إلى 50 في المئة، خصوصاً في فئة الشباب.
وبحسب هذه الأرقام، أقفل في الفترة بين شهر سبتمبر (أيلول) وفبراير (شباط) الماضيين أكثر من 785 مطعماً ومقهى. وبات أكثر من 20 ألف لبناني، عاطلين عن العمل بعدما سُرّحوا من وظائفهم، فيما ينتظر آخرون قرار صرفهم.
من جهة أخرى، يرى المحلل الاقتصادي زياد ناصر الدين أن “أزمة كورونا تضع الاقتصاد العالمي في مهب الريح. ويبدو أن العالم اليوم يتجه إلى أزمة مالية واقتصادية، أخطر وأكبر من الأزمة المالية التي حصلت عام 2008. تباطؤ صناعي وتراجع في الإنتاج وخسائر في البورصات العربية والأوروبية والأميركية والآسيوية، ما سيؤدي إلى زيادة البطالة وانخفاض معدلات الاستثمار وتراجع في التبادل التجاري”.
ويضيف ناصر الدين أن “أوروبا خصصت 1 في المئة من ناتجها المحلي دعماً للاقتصاد، وتسهيلات سيولة بما لا يقل عن عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على شكل برامج ضمانات عامة وتأجيل مدفوعات ضرائب. وهذا إن دلّ على شيء، فعلى خطورة انهيار النظام العالمي الاقتصادي بأكمله”، مردفاً “النفط يواصل انهياراته بمستويات قياسية، إذ بلغت الخسارة اليومية 500 مليون دولار .وبلغت خسائر الاتحاد الأوروبي 15.6 مليار يورو لشهر فبراير (شباط) جراء توقف التصدير، ما دفع البنك المركزي الأميركي إلى خفض الفائدة إلى صفر تقريباً للحؤول دون حدوث ركود عالمي. كذلك يحضّر البنك الدولي برنامجاً بقيمة 12 مليار دولار، وبدوره يتحضر صندوق النقد الدولي لاستعمال الاحتياطي المقدر بـ 50 مليون دولار للدعم والسيطرة على الانهيارات .
ويلفت ناصر الدين إلى أن “نتائج فيروس كورونا على البورصات الأميركية كبير:
1-تراجع داو جونز بلغ 9.99 في المئة.
2- خسائر ناسداك بلغ 9.43 في المئة مستقر 7201.80 نقطة.
3-خسائر مؤشر ستاندرد أند بورز 9.51 في المئة مستقر 2480.73 نقطة .
بمعنى أن هذه المؤشرات تدل على انهيار مالي كبير في الولايات المتحدة يحتاج إلى سنوات من أجل تعويضه”. ويعتبر أن “المعادلة الجديدة عالمياً هي أن الصين تعرض المساعدات على أوروبا والعالم، بينما الولايات المتحدة ألغت رحلاتها إلى العالم وأوروبا. وهذا ما سيدفع نحو نظام اقتصادي جديد بين الشرق والغرب”.
أما بالنسبة إلى لبنان، فيقول إن “لبنان يعاني من اشتداد في أزماته الاقتصادية والصرف من العمل منذ أكثر من سنة، ما يعني أن أزمة كورونا ليست هي السبب الأساس. أما الآن، فإن الأزمات تتفاعل بأقصى درجاتها، لكنّ هذا يخفف الضغط على المالية العامة بسبب الحجر المنزلي، ما يعطي فرصة للحكومة لأن تنتفس قليلاً. لكن عليها التفكير بخطة إنتاجية تحفيزية ودعم الصناعات المحلية، كي تشجع أصحاب رؤوس الأموال على استثمار أموالهم”. ويعطي مثلاً على اختصاص هندسة الأدوات الطبية، إذ إنّ لبنان البلد الوحيد في المنطقة العربية، الذي لديه مثل هذا الاختصاص. كما هناك “وفر في اليد العاملة لهذا القطاع” مع 2900 صيدلي يتخرجون سنوياً. ويتساءل ناصر الدين “لما لا نقوم بإنتاج الدواء والأدوات الطبية الملحة التي نحن بحاجة إليها الآن كالسبيرتو وأجهزة التنفس…إلخ”، مضيفاً أن “على الدولة اللبنانية أخذ قرار فوري بإقرار قانون للاستكشاف عن النفط والغاز على البر، إذا ما أرادت حلولاً للأزمة ونمواً اقتصادياً سريعاً ومكافحة البطالة”.
ويشير إلى أنه “من واجب المجتمع اللبناني التكافل والتضامن والتعاون، على الأقل لمدة شهر، لتجاوز النموذج الإيطالي لتفشي الكورونا”.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”