الكور..ونا* د. محمد مطاوع

النشرة الدولية –

هي كرة صغيرة أيضا..تتدحرج..تقفز..تطير..ولكنها لا ترى بالعين المجردة..لا نستطيع ركلها أو تنطيطها أو تسديدها كما نريد، ولكننا نكتفي بالاستسلام لاختراقها لأجسامنا، واللعب داخله كيفما تشاء.

كرة صغيرة، جعلت الكرة الأرضية الأرضية بأسرها تدور على وقع إيقاعها، تتلاعب بأمم وشعوب كانت تعتقد أنها أكثر قوة من القوة بحد ذاتها، ووصلت إلى تقدم تكنولوجي هائل، جعلها تبحث عن خصوم فضائيين، بعد سيطرتها ما يسير على وجه الأرض.

كرة صغيرة، أوقفت حركة جميع الكرات  في ميادين الرياضة، عطّلت أعتى البطولات وأكثرها ثراء، وأسكتت حناجر الملايين التي كانت أنظارهم معلقة بالكرة الأكبر والأكثر ألوانا، وتدور الحياة حولها، وتتعلق اقتصادات دول بإيراداتها.

كرة بلون أخضر، لكنه قميء ولا يعادل خضرة أرضيات ملاعب الكرة النضرة، ولا رائحتها المميزة التي اعتاد عليها نجوم الكرة، والجماهير التي تحيط بالرقعة الجميلة التي تمثل مسرحا لفنون باتت تتصدر كل أنواع المرح والتسلية، وساحبة بساط الغرور من باقي ألوان الترفيه التقليدية.

كرة بأهداب، لكل منها دور في مهاجمة جسم الإنسان، ومحاولة النيل منه، تأخذ شكلا بغيضا قاتلا، تتكاثر داخل ضحاياها، وتقفز نحو بحثا عن ضحايا جدد، وعلى العكس تماما من كرتنا الجميلة، التي تجمع عشاقها حولها، فيتكاثرون، وتبقى هي على حالها، كرة جميلة، تسعد الجميع.

كرة غيرت الأدوار..فباتت تتلاعب بالبشر، تراقصهم بليالي الحمى، وتفقدهم النوم ألما وشكوى، تعزلهم عن أحبابهم ومحيطهم، تحولهم إلى مصدر خطر، وتفرق بين الآخرين المرعوبين منها.

كرة أشعرتنا بقيمة كرة القدم الجميلة، التي كانت تجمعنا في الملعب أو في البيت أمام شاشة التلفزيون، تمتعنا بفنون النجوم، تفرحنا للفوز، وتحزننا للخسارة، لكنها تمنحنا أملا جديدا بالفوز من جديد.

كرة أعادت التفكير للبشرية جمعاء بواقعها، وبالنعم التي كانت تعيشها، بأهمية الاستمرار على ذات التلاحم والتعاضد والمحبة، والاتحاد لمواجهة هذا العدو المشترك الذي لم نشهد له مثيل في عصرنا الحديث.

كرة نتمنى زوالها تماما، ونسيان شكلها المخيف، والخلاص من الكابوس الذي جعلته يجثو على صدورنا، والعودة لكرتنا الجميلة التي اعتدنا مشاهدتها في ملاعبنا التي اشتاقت كثيرة لها، واشتقنا نحن لعودتها من جديد.

نقلاً عن موقع “كوورة”

زر الذهاب إلى الأعلى