نجحنا.. ولكن ماذا بعد؟!* رجا طلب

النشرة الدولية –

العالم برمته يعترف بأن كورونا هو التحدي الاكبر الذي تواجهه البشرية منذ أكثر من قرن، وخطورة هذه الجائحة تكمن في جمعها الأثر الصحي المخيف مع الاثر الاقتصادي المرعب، وبالقدر الذي فرضت فيه «كورونا» قانونها على دول العالم كافة فانها اخذت العالم في اتجاهين متضادين: الأول ويدعو للتعاون على الصعد كافة للانتصار على الفيروس رغم ممارستها للعزلة التامة للوقاية او للتقليل من انتشاره ومن ضحاياه على غرار إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، فيما الاتجاه الثاني تعمقت لديه نزعة العزلة والأنانية واتجه لتطبيق نظرية هنري كيسنجر المسماة «المدينة المسورة التى يحميها حكام اقوياء» كما ورد في مقاله المنشور مؤخراً في صحيفة «وول ستريت جورنال» وفي مقدمتها الصين وأميركا.

 

إن طبيعة الدولة الأردنية وبنيتها السياسية والاجتماعية «الوسطية» اختارت الوقوف في الوسط بين الاتجاهين المتضادين، فكثفت وبطريقة دراماتيكية ولكن متزنة اجراءات الوقاية من الفيروس القائمة بدرجة أساسية على العزل والتباعد الاجتماعي وتقييد التنقل وحظر حركة الأفراد لساعات طويلة وتتبع البؤر المصابة، وفي الوقت نفسه كثف جلالة الملك من اتصالاته مع دول الجوار والاتحاد الاوروبي والعالم من أجل التعاون في مواجهة «كورونا» لأن الطبيعة الجيوسياسية والظروف الاقتصادية والواقع الديمغرافي للأردن لا يقبل نظرية «المدينة المسورة» لهنري كيسنجر.

 

دخلنا في اليوم الحادي والعشرين من الاجراءات الوقائية والتي بدأت بإغلاق الاجواء والحدود بعد عودة البعض من المواطنين الذين كانوا في الخارج، والأرقام والمؤشرات تدل على أننا نسير بالاتجاه الصحيح باعتماد نظرية «الدولة الوطنية القوية» في هذا الظرف البالغ الحساسية والتي توازن فيه الدولة وبدقة بين المهمات الأساسية لها ألا وهي الصحة والغذاء والأمن، غير أن هذا الإنجاز ولكي يكتمل ويحقق النجاح لابد له من خطة «باء» أو خطة «ما بعد كورونا»، وكيفية نقل الحياة العامة من حالة الطوارئ إلى الحياة الطبيعية وبصورة مدروسة وبتدرج لكي لا يُهدر الإنجاز ولا يُمس الثالوث المقدس المشار إليه، وأعتقد أن هذه المهمة هي أعقد بكثير من الخطة الأولى وتحتاج لجهود وطنية جبارة في أكثر من اتجاه وتحديداً في الاتجاه الاقتصادي وتحديداً فيما يتعلق بكيفية ضخ الحياة في عروق اقتصادنا الوطني الذي يعاني في الأساس من ضعف النمو.

 

لا يعقل اعتماد تكنيك (وقف الحياة من أجل الفوز بالحياة)، فهذا خطير للغاية ومكلف جداً.

 

لسنا دولة ثرية لنمارس ترف العزلة عن العالم، ولسنا دولة مراهقة بلا عقل لنستهتر ونعود للعالم بطيش وكأن شيئاً لم يكن، نريد التمسك «بوسطيتنا» وهذا هو النجاح.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى