متى ستنتهي أزمة فيروس كورونا لتصبح جزءًا من الماضي والعودة إلى الأيام الخوالي؟

النشرة الدولية –

العالم بالكامل مغلق الآن! تحولت الأماكن والساحات التي كانت حتى وقت قريب تضج بالحياة ويعلو منها الصخب إلى مدن أشباح خاوية على عروشها، بعد أن تسبب فيروس تنفسي يأخذ شكل كرة يبلغ قطرها  125 نانومترا ( 125 جزءا من المليون من الملليمتر) في حبس مئات الملايين حول العالم في منازلهم خشية على أنفسهم منه.

تجاوز الآن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا المستجد حول العالم حاجز المليون وربع المليون حالة، وذلك في غضون بضعة أشهر من ظهوره لأول مرة في الصين قبل انتقاله منها إلى ما يزيد على الـ200 دولة. وفي ظل التسارع الكبير الذي يشهده معدلا الإصابة والوفيات يظهر السؤال المنطقي التالي: متى سينتهي كل هذا؟ أو متى سيعود الناس إلى حياتهم الطبيعية؟

قبل 3 أشهر لم يكن أحد يعرف أن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) موجود أصلًا. ولكن الآن انتشر الفيروس في كل مكان تقريبًا ليصيب على الأرجح أعدادًا أكبر بكثير من الأعداد المعروفة حاليًا. وفي غضون تلك الفترة القصيرة انكمشت اقتصادات وانهارت أنظمة رعاية صحية وامتلأت المستشفيات عن بكرة أبيها وأفرغت الأماكن العامة.

وفي محاولة شبه يائسة للسيطرة على الانتشار السريع للفيروس القاتل عطلت الحياة في المجتمع الحديث بشكل لم يعايش مثله أغلب الأحياء. ببساطة، نحن نعايش حاليًا أيامًا استثنائية لم يشهد العالم مثلها تقريبًا منذ الحرب العالمية الثانية. ففي العقود السبعة الأخيرة ربما لا توجد أزمة واحدة كانت قادرة على تعطيل الحياة على ظهر الكوكب بهذا الشكل.

مع تحوله إلى خطر جاد يهدد حياة الملايين، لجأت أغلب دول العالم إلى استراتيجية واحدة تقريبًا تتضمن إجراءات مثل حظر التجمعات وتقييد حركة الناس وإغلاق المطاعم والشركات والمدارس ودعوة الجميع إلى البقاء في منازلهم. وتهدف هذه الاستراتيجية بشكل أساسي إلى منع حدوث انفجار كبير في عدد الإصابات بشكل يفوق الطاقة الاستيعابية للقطاعات الصحية.

الكل الآن أصبح مؤمنًا بأهمية “تسطيح منحنى” (Flattening the curve) العدوى، وذلك من خلال العمل على إبطاء انتشار المرض بقدر الإمكان لكي يتم توزيع الإصابات على نطاق زمني أطول مع إبقائها عند مستوى يتناسب مع قدرة القطاع الصحي. هذا ببساطة سيوفر المزيد من الوقت للحكومات وللأنظمة الصحية لكي تجهز ما تحتاجه من معدات وقدرة استيعابية.

التزام الناس بإجراءات العزل الصحي والتباعد الاجتماعي ضروري لتقليل أعداد المصابين بالفيروس وبالتالي عدد الوفيات المرتبطة به. ولكن للأسف، حتى لو استجاب الناس بشكل مثالي لهذه الإجراءات فإن خطر الوباء لن يزول. ما دام استمر وجود الفيروس في مكان ما فهناك احتمال بأن يعود للانتشار بشكل أكثر عنفًا بمجرد أن يرخي الجميع قبضته.

عودة الفيروس للانتشار لا تحتاج أكثر من مصاب واحد يسافر من بلد إلى أخرى لتندلع موجات إصابة جديدة في نفس البلدان التي ظنت أنها قضت على الفيروس. هذا ما تدركه الكثير من البلدان الآسيوية مثل الصين وسنغافورة والتي تبدو للجميع الآن وكأنها سيطرت تمامًا على انتشار الفيروس، غير أنها في الحقيقة لا تزال حذرة جدًا تجاه فكرة إرخاء قبضتها لتسمح للناس بالعودة إلى حياتهم الطبيعية، وذلك ببساطة لأنها تدرك أن الخطر ما زال قائمًا.

في ظل الظروف والمعطيات الحالية يبدو أن نهاية فيروس كورونا المستجد لن تخرج نظريًا عن واحد من ثلاثة سيناريوهات، أولها إمكانية حدوثه ضئيلة جدًا، وثانيها خطير جدًا وثالثها طويل جدًا.

يقوم السيناريو الأول على فكرة أن تتمكن كل دول العالم من القضاء على الفيروس في آن واحد كما حدث مع فيروس “سارس” الذي ظهر في عام 2002 قبل أن يتم القضاء عليه في 2003. ولكن بالنظر إلى مدى اتساع رقعة انتشار فيروس كورونا المستجد وقدرته الكبيرة على العدوى وسوء حالة القطاعات الصحية في الكثير من البلدان يصبح احتمال النجاح في السيطرة المتزامنة ضعيف جدًا.

أما السيناريو الثاني فهو أن يسلك كورونا مسلك فيروسات الإنفلونزا السابقة، بمعنى أن ينتشر في جميع أنحاء العالم ليصيب أغلبية البشر، ليتكون لدى من سينجو منهم مناعة تحول دون إصابتهم به مرة أخرى. هذه هي استراتيجية “مناعة القطيع” التي همت بريطانيا لتنفيذها قبل أن تتراجع عنها بعد إدراكها لتكلفتها البشرية الباهظة.

فيروس كورونا المستجد أكثر قابلية للانتقال وأكثر قدرة على القتل من فيروسات الإنفلوانزا العادية، ولذلك فإن من شأن اتباع هذه الاستراتيجية أو اللجوء إلى هذا السيناريو أن يتسبب في قتل الملايين من كبار السن ومن أولئك الذين لن يجدوا الحد الأدنى من الرعاية الصحية في ظل الانهيار المتوقع للأنظمة الصحية العالمية أمام هذا الكم الهائل من المصابين.

أما السيناريو الثالث والأخير فيتمثل في أن يلعب العالم لعبة طويلة النفس مع الفيروس، بحيث يبقيه عند مستوى قابل للسيطرة لأطول فترة ممكن حتى يتمكن العالم من إنتاج لقاح مضاد له.

حتى الآن يبدو أن هذا هو الخيار الأفضل والأقل تكلفة من الناحية البشرية ولكنه في نفس الوقت الأطول والأكثر تعقيدًا.

الرهان الأساسي لهذا السيناريو هو أن يتمكن العالم من صنع لقاح مضاد قريبًا. ولكن المشكلة هي أنه لا توجد حاليًا أي لقاحات مضادة للفيروسات التاجية التي ينتمي إليها كورونا، لأنه حتى وقت قريب كان يعتقد على نطاق واسع أن هذه الفيروسات تسبب أمراضًا خفيفة ونادرة.

لا يوجد لدى العالم أي خبرة سابقة في تطوير لقاحات ضد هذا النوع من الفيروسات، ولهذا يجب على الباحثين الآن البدء من نقطة الصفر. في الأسابيع الماضية أحرزت عدة جهات اختراقات مثيرة للإعجاب من ناحية الوقت مثل شركة “مودرنا” الأمريكية التي تأخذ الآن لقاحاتها التجريبية للفيروس إلى مرحلة التجارب السريرية.

ولكن للأسف، لا يملك الباحثون ولا شركات الأدوية ولا الجهات التنظيمية القدرة على تسريع مرحلة التجارب السريرية أو اختصارها، وذلك ببساطة لأن هناك إجراءات وبروتوكولات لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها وإلا تحول اللقاح نفسه إلى كارثة صحية أخرى.

فلكي يتم التأكد مما إذا كان اللقاح آمناً أو أن له آثارًا جانبية خطيرة، سيحتاج الباحثون إلى إجراء عدد كبير من التجارب سواء على الحيوانات أو على المتطوعين من البشر. وفي هذه التجارب سيحاولون تحديد حجم الجرعة المناسبة وعدد الجرعات التي يحتاج إليها الناس، وكيفية استجابة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة للقاح، وما إذا كان يتطلب مواد كيميائية أخرى لتعزيز فاعليته. هذه العملية ستستغرق في أحسن الأحوال 12 شهرًا.

وبناء على ما سبق، من غير المرجح أن تعود الحياة إلى طبيعتها سريعاً، حيث إن رفع القيود الحالية في وقت مبكر من شأنه أن يتسبب في عودة الفيروس للانتشار بسرعة أكبر. وفي النهاية يبقى الرهان الأفضل هو أن يحاول الكل التكيف بقدر الإمكان مع القيود الحالية إلى أن ينجح العالم في تطوير لقاح مضاد.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى